جاءت حملة جمع التبرعات التي انطلقت مؤخراً عقب نجاح حملة تمرد في إقصاء النظام السابق و حكم الرئيس "محمد مرسي" ،وقيام جموع المصريين بمحاولة إنقاذ الاقتصاد المصري من براثن الانهيار والركود التي يعانيها خلال العامين من ثورة 25يناير 2011 وحتى الانتفاضة الشعبية التي خرجت في 30يونيو 2013 لإسقاط النظام الإخواني المسيطر على مقاليد البلاد حتى خرجت الولاياتالمتحدةالامريكية متهكمة على إرادة المصريين في اختيار مصيرهم ووصفت تمرد وموقف القوات المسلحة المؤازر لتلك الإرادة ب" الانقلاب العسكري على الحكم "، وقامت على إثرها بتهديد الحكومة بقطع المساعدات المالية عن مصر ، وكانت المفأجاة رغبة الشعب المصري في قطع هذه المعونات،واللجوء للتبرع على حساب 306306 رداً على أمريكا،حيث تبرعت القوات المسلحة ب300 مليون جنيه لدعم الصندوق، وتبرع أحد رجال الأعمال المصريين فى الخارج ب5 مليارات دولار، كذلك تقدمت عائلة السويدي ب25 مليون جنيه، ويواصل المصريون الآن جمع تلك التبرعات لصالح حساب الصندوق . وقد انقسم خبراء الاقتصاد حول تقديرهم لهذه الحملة وقدرتها على النهوض بالوضع الاقتصادي المتعثر بين مؤيد لها باعتبارها تعبيرا عن تضافر كافة الجهود وتعبيراً عن عدم رغبة المصريين في الخضوع لإرداة غير إرادته وإدارته الحرة ..بينما يرى آخرون أن الأزمة العامة التي يعنيها الاقتصاد, لا يمكن لهذه التبرعات أن تصلح منه؛ لضآلة حجمها أمام حجم العجز الذي تعانيه الموازنة العامة للدولة . د. كمال القزاز أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكد أن الاقتصاد المصري يحتاج لتضافر جميع الجهود والخطط, التي من شأنها النهوض بالاقتصاد الذي تعرض لمزيد من التدهور خلال الأحداث الاخيرة, متأثراً بالأوضاع السياسية والأمنية, التي من شأنها التأثير سلباً على الاستثمارات الداخلية والخارجية، وكذلك تعقيد إجراءات صندوق النقد الدولي ومحاولة القائمين عليه التدخل في شئون مصر اقتصادياً وسياسياً ؛ لذا تعد فكرة لجوء المصريين لصندوق الدعم الوطني, خطوة جيدة في السبيل للقضاء على المعونة الأمريكية المشروطة، التي كشفت الأحداث الأخيرة من تنحي الرئيس الإخواني محمد مرسي عن الحكم ، وتأكيدها على أن مايحدث في مصر ليست انتفاضة ضد الهمينة الإخوانية المرفوضة ، وإنما إنقلاباً عسكرياً, وإن كانت تهدف من هذه الخطوة التشكيك في العلاقة بين الشعب والجيش ، والتي لا يمكنها كسر تلك العلاقة في سبيل تنفيذ مطالبها والحفاظ على مصالحها،وتهديدها بقطع المعونة الخارجية عن مصر في الاوقات العصيبة التي تمر بها ، وبذلك تصبح مبادرة صندوق دعم مصر خطوة جيدة للمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية، لحين قيام الحكومة الجديدة بوضع خطط الإدارة الواضحة خلال الفترة المقبلة . وفي سياق متصل, أوضح د. رمضان معروف الخبير الاقتصادي، بأن لجوء الحكومات المصرية, واعتمادها على سياسة القروض الدولية, والخضوع للشروط التي تقع على عاتق المواطن المصري, خاصة محدودى الدخل, أمر غريب ومستهجن؛ لأن الإمكانيات المهدورة من الطاقات الموجودة في مصر, يمكنها أن تخرج مصر من تلك الأوضاع, التي تسببت فيها حكومة "هشام قنديل" خلال الفترة التي سبقت القرض الدولي وحتى الآن, بعد فشل جميع المفاوضات التي بشأنها يتم منح صندوق النقد الدولي القرض المقرر 4.8 مليار دولار ؛ في مقابل التدخل في شئونها الداخلية كغيرها من باقي الدول, التي ترضخ لشروط هذه القروض دون اعتراض من الدول المقترضة، لافتًا إلى أنه لايوجد مبرر لرفض حملة التبرعات التي تم إطلاقها مؤخراً للنهوض باقتصاد مصر ، بدلاً من اللجوء للاقتراض حاليًا في ظل سوء إدارة للملف الاقتصادي والسياسي للبلاد, وما ترتب عليها من إهدار لموارد الدولة ..لذا يجب على الحكومة الراهنة أن تتصالح مع الاستثمار والمستثمرين المصريين والأجانب على حد سواء بتطبيق الحد الأقصى والأدنى من الأجور بكل شفافية لإتاحة الفرصة في توفير أكثرمن 16مليار جنيه . ومن جانبه أشاد د. محمود عبدالحي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي ، بحملة التبرعات التي تسهم في حل جزء من أزمة اقتصاد مصر, وليس الأزمة ككل ، إلا أنها تعد مبادرة إيجابية لرد التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية لمصر، وإتهامها للجيش بالتواطؤ والانقلاب على الشرعية والحكم، منتقداً تهديدات الدول الأوروبية بقطع المساعدات عن مصر في مقابل التدخل الأجنبي في شئون البلاد، لافتاً إلى ضرورة استخدام جميع التبرعات في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، وذلك بوضع خطة للعديد من المشروعات, التي سيتم تنفيذها ونشر تلك الخطة على جميع المتبرعين؛ لضمان توافر المصداقية والشفافية حول هذه الحملة . وعلى جانب آخر أوضحت د. عالية المهدي العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، أن هذه التبرعات لن تصلح لحل الأزمة الاقتصادية التي تراجعت كثيراً في ظل الأحداث المتتالية على مدار العامين المتعاقبين على ثورة 25 يناير 2011 ، وإنما تصلح لحل الأزمات الاجتماعية؛ نظراً لضآلة حجم هذه التبرعات التي تم جمعها عقب تهديد الولاياتالمتحدةالأمريكية بوقف المساعدات الأمريكية عن مصر، على خلفية أحداث 30يونيو 2013 وعزل الرئيس محمد مرسي عن منصبه الرئاسي, مشيرة إلى أن حجم استخدام هذه التبرعات التي تم جمعها من مصادر عديدة داخل مصر وخارجها، جاءت لخدمة أغراض معينة مثل الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات، وتعليم المتفوقين من الطلبة، ولم تكن لمساندة الحكومة الجديدة التي يجب أن تسرع بوضع خطة واضحة الأهداف؛ للخروج من هذا النفق المظلم . وطالبت "المهدي" بتعيين وزير للاستثمار يتمتع بقدرة عالية على جذب الاستثمارات لمصر والترويج للفرص الاستثمارية مع المؤسسات الدولية، مع توفيرها لحزمة من الحوافز المالية وغير المالية؛ لتشجيع المستثمرين على الاستثمار في مصر،كمنح إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات،ومنح الأرض حق انتفاع بأسعار معتدلة لضمان دخول موارد مالية وأرباح اقتصادية تكفي لسد حاجة مصر عن الدعم الخارجي بشتى أشكاله . واتفق معها د.مصطفى أحمد مصطفى أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي ، بأن مصر حالياً ليست في حاجة الى التبرعات المادية, التي يتم جمعها من المصريين في الداخل والخارج وإنما هي بحاجة لخطة إنقاذ سريعة, تقوم الحكومة الجديدة عقب تشكيلها النهائي بوضعها للنهوض بالأوضاع الأمنية والسياسية، والتي من شأنهم جميعاً إحداث تحولات وتغيرات جذرية على تحسن الأداء الاقتصادي وانتعاشه على المدى الطويل, وإن كان على الحكومة أن تعيد دراسة قانون الضرائب على الدخل وفرض ضريبة تصاعدية, خاصة أن هناك استجابة من جانب منظمات الأعمال, وفرض رسوم جديدة على قطاع الخدمات, سواء القديمة أو الجديدة وفرض رسوم على الخدمات "اللوجستية" مثل مشاريع الدعم, والامدادات المختلفة التي تقدمها الموانئ البحرية، وإلغاء الدعم نهائيا عن الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وكذلك البنزين 95% ورفع أسعار البنزين 92.90 بنسبة 10% وإلغاء الدعم عن بعض الصادرات وفرض رسوم على خدمات المرافق العامة التي تأتي بمزيد من الأرباح على الموازنة العامة للدولة . وأضاف: إن حملة التبرعات لم تكن وليدة اللحظة، وإنما هي نتاج لتاريخ انفردت مصر بصنعها في مواجهة الكثير من الأزمات التي تخوضها مصر" , مشدداً على الحكومة الجديدة أن تطرح مشروعات إنتاجية أو خدمية للاكتتاب العام, يلتقي حولها الشعب مع توجيه جميع الأموال التي يتم جمعها في المشروعات التي تحقق تنمية انتاجية لتوفير فرص عمل تستفيد بها القوى البشرية الهائلة . بينما قالت د.منال متولي مديرة مركز البحوث الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة :إن عجلة الإنتاج لا يمكن أن تدور بالتبرعات التي يتم جمعها في الوقت الراهن، نظراً لعامل الوقت المؤقت الذي تخضع له هذه الحملة، بينما يحتاج الاقتصاد لمصادر تمويل دائمة من أجل الاستمرار في الإنتاج، وهذا هو الدور الذي على الحكومة الجديدة أن تضع الخطة التي تنطلق من خلاها في وضع وإقامة مشروعات, تدر أرباحاً يتم استخدامها في إقامة مشروعات أكثرخدمية وإنتاجية مع الاستعانة بالقروض الخارجية, التي تعد إحدى آليات موارد الدولة لاستخدامها في الوفاء بالتزاماتها، وما تعجز عن توفيره تجمع له تبرعات؛ بشرط أن توظفها في المكان الصحيح. وأضافت د. متولي : إن المشهد الحالي يحتاج إلى مبادرات من الدولة للاستثمار, وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة معها, بدلاً من تفتيت أصول الدولة وبيع الأراضي للمعتدين بغية الحصول على أموال؛ لعلاج عجز الموازنة, فيجب على الحكومة إقامة مشروعات جديدة يسهم فيها المصريون في الداخل والخارج، خاصة وأن الاقتصاد المصري يمتلك العديد من الإمكانيات غير مستغلة, يمكن استخدامها في إقامة مشروعات ضخمة, مثل التصنيع الغذائي والطاقة الجديدة والمتجددة, وغيرها الكثير من المشروعات التي تتمتع فيها مصر بمزايا تنافسية, لكن نحتاج إلى قرارات جريئة وخطة عمل جادة؛ لاستغلال الفرص الاستثمارية.