وقد ساهمت الطبيعة المثيرة للموسيقي نفسها والمأخوذة عن موسيقي الريف الأمريكي في ترسيخ هذا الارتباط في الأذهان ونفور شريحة كبيرة من الاستماع إليها لما تتميز به من إيقاعات صاخبة ورتم سريع وكلمات عنيفة، فضلا عن المظهر الغريب الذي يتسم به محبو وعشاق هذا النوع من الموسيقي، فمعظمهم يرتدي ملابس سوداء أو داكنة ويعلقون فوق صدورهم قلادات ونجوما وجماجم وتمائم، ولا تخلو حفلاتهم من رقصات هيستيرية وصراخ وترديد لعبارات غير مفهومة هي أقرب ما تكون للتعاويذ. كما أن اقتران موسيقي الميتل خاصة الهيفي ميتل والهارد روك بعبادة الشيطان باعتبارها طقسا من طقوسها كان عاملا أساسيا في نفور الناس منها، خاصة في مصر وفي الدول العربية والإسلامية، حتي إن أولئك الذين يهوون الاستماع إليها ويودون ممارستها كقالب موسيقي وفني يفعلون ذلك سرا وفي أضيق الحدود ليتجنبوا شبهة مناهضة الدين وكذلك تجنب ملاحقة السلطات الأمنية لهم بعد ما شرعت بعض الدول وكان آخرها ماليزيا في إصدار قوانين وفتاوي تجرم هذه الموسيقي وتحرم تداولها وتتهم أنصارها بعبادة الشيطان والتحريض علي ممارسة الجنس بشكل محرم وجماعي وتعاطي المخدرات، وهي اتهامات مبررة بعض الشيء، فموسيقي الميتل عند عبدة الشيطان طقس أساسي لديهم ووسيلة لتعطيل الحواس البشرية، ونوع من أنواع التخدير العقلي، ويعتبرونها السلاح الأكثر فاعلية في اجتذاب الشباب والتأثير فيهم فكريا وسلوكيا. وتشير كتابات عبدة الشيطان إلي أن موسيقي الميتل بنوعيها البلاك والهيفي هي الجسر الراقص التي تعبر من خلاله أفكارهم إلي عقول الشباب، فكلما كانت الموسيقي صاخبة تصم الآذان كانت صالحة لخلطها بأفكارهم وتمرير شعاراتهم الفاسدة لآلاف الشباب وهي حقيقة أكدتها أقوال المتهمين في قضية عبدة الشيطان التي هزت المجتمع المصري قبل بضع سنوات، غير أن السنوات القليلة الماضية شهدت إقبالا ملحوظا من الشباب في مصر علي موسيقي الميتل واكتسبت شعبية كبيرة بينهم. وقد ارتبط هذا الإقبال بشريحة معينة من أبناء الطبقات الراقية والثرية في مصر، أصحاب التفوق الدراسي والمكانة الاجتماعية المرموقة ولم يعد سماع موسيقي الميتل يقتصر فقط علي الشباب المنحل أو المنحرف أخلاقيا كما ساد الاعتقاد في الماضي ولم يعد مقرونا أيضا بتقليد أعمي لموضات وتقاليع الغرب ولا انطلاقا من الإيمان بعقائد وممارسات شاذة كعبادة الشيطان وإنما بات انعكاسا لذوق مجموعة من الشباب استهواهم قالب موسيقي غربي ولكنه صاخب نوعا ما. المثير أن عشاق ومحبي موسيقي الميتل في مصر الميتلية كما يطلقون علي أنفسهم في ازدياد كبير وأصبحت لهم تجمعاتهم الخاصة في عدد من أحياء القاهرة الراقية كمدينة نصر والمعادي، كما بدأت مجموعات هاوية منهم في تكوين فرق لتلحين وتأليف أغان ذات طابع مصري تتناول قضايا هادفة مثل معاداة الحروب والمخدرات والمشاكل الاجتماعية، ومساعدة بعضهم البعض في تعلم العزف علي آلات الميتل الأساسية كالدرامز والجيتار الكهربائي. كما شهدت بعض القري السياحية في الفترة الأخيرة إقامة عدد من حفلات الميتل حضرها جمهور ليس بالقليل، ولم تشهد الحفلات تدخينا جماعيا للمخدرات أو رقصا هائجا أو ترديد عبارات تمجد في الشيطان أو غيرها من طقوس عبادة الشيطان، فقط اندماج كبير من الجمهور وتنافس بين الفرق المشاركة علي عزف مقطوعات الميتل. وفي إحدي القري السياحية علي طريق سقارة حضرت "صوت البلد" إحدي حفلات الميتل في محاولة للكشف عن هذا العالم والتعرف علي رواده ومريديه كان الحفل في قاعة بلا أسقف لا تضم غير خشبة مسرح بسيطة "ستيدج" تغني الفرق فوقها، فيما وقف مئات من الشباب من مختلف الأعمار أمام الاستيدج يستمعون إلي أغاني وموسيقي الميتل في اندماج كبير، يصفقون ويرددون الأغاني ويتمايلون ويرقصون علي النغم الصاخب، المثير أن الحاضرين كانوا يعرفون أغاني الفرق علي الرغم من أنهم فرق مغمورة ولا يعرفهم أحد، بل وكانوا يطلبون أغاني بعينها وينادون علي أصحابها وكأنهم نجوم كبار. وكان لافتا أيضا أن معظم الحاضرين من الشباب يعرفون بعضهم البعض وبدا أكثرهم أصدقاء فضلا عن أن الحاضرين كان أكثرهم من الفتيات وكانت بعضهن يضعن أغطية علي الرأس بما يعني أن موسيقي الميتل لا تتعارض مع العقيدة علي حد تعبير إحدي الحاضرات وهي بالمصادفة عضوة في فرقة غنائية للميتل، وقد أضافت: "الميتل فن أما الحجاب فريضة، وحبي للميتل ما دام لا يتعارض مع عقيدتي فلن يتعارض مع حياتي ومستقبلي، فأنا طالبة بكلية طب الأسنان، وأحصل دوما علي تقديرات عالية أما الغناء والموسيقي فهما هوايتي منذ الصغر وأري أن ممارستي لهما ليست عيبا أو عملا غير لائق، كما أن الميتل يعبر عنا نحن الشباب ويتحدث عن مواقف وأحاسيس نتعرض لها في حياتنا اليومية". ويلاحظ أن أعضاء فرق الميتل هم من يقومون بتأليف وتلحين وتوزيع الأغاني بل ويتولون أيضا تسجيلها علي أسطوانات سي دي وتوزيعها فيما بينهم وعلي محال شرائط الكاسيت المشهورة في مدينة نصر ومصر الجديدة والمعادي والمهندسين وفي المولات. يقول شادي مصطفي طالب بكلية الإعلام: "موسيقي الميتل قالب موسيقي مأخوذ من موسيقي الروك أند رول المأخوذ بدوره من موسيقي الريف الأمريكي وقد وصلت إلي مصر في أوائل التسعينيات من القرن الماضي".. ويضيف: "أعتبر الميتل وسيلة صادقة للتعبير عني وعن مشاكلي ومشاعري، كما أنها تتيح لي اكتشاف قدراتي ومواهبي فأنا أعزف علي الجيتار منذ 5 سنوات وأقوم بالغناء وتوزيع الألحان وأشارك أيضا في تأليف الأغاني والقطع الموسيقية التي نعزفها في الحفلات". "وإننا نغني من نسيج فكرنا الخالص، ولا تقتصر موضوعاتنا علي الأمور العاطفية فقط وإنما تتسع لجميع المشاعر الإنسانية، فمثلا لدينا أغنية عن الشر داخل الإنسان وأخري عن الرحمة وثالثة عن الصداقة وغيرها، كما أننا نغني كلماتنا بالانجليزية والعربية ونصنع مزيجا فريدا بينهما". وعلي الرغم من اختلاف الميتل عن حفلات عبدة الشيطان، فإن أغلب الحاضرين كانوا يرتدون الملابس السوداء، وقد علق محمد رأفت طالب بكلية التجارة علي هذا قائلا: "الأمر مصادفة وغير مقصود، فأنا مثلا أفضل ارتداء اللون الأسود فهو لون لا يرهقني ويناسب كل الأوقات".. وأكمل: "بالنسبة لحفلات الميتل فأعتقد أن القاعدة العامة أن يرتدي الحاضرون ملابس سوداء فكل موسيقي لها طريقة غناء معينة وكذلك ملابس معينة فنجد مثلا عشاق الراب يرتدون البنطلونات والقمصان الواسعة والفضفافة الكاجول إذن فكل موسيقي لها ملابس تناسب روحها، ولأن الميتل موسيقي قوية وكلماتها من الواقع فيبدو اللون الأسود لونا مناسبا لها فضلا عن أن أغلب نجوم الميتل في العالم يظهرون في حفلاتهم بملابس سوداء أو داكنة". موسيقي الميتل تحتاج لآلات ومعدات ضخمة ولا يسهل نقلها كما أن ممارستها تتطلب اتقانا في العزف ودراية بالقوالب الموسيقية الغربية، الأمر الذي يطرح تساؤلا عن الأماكن التي تتدرب فيها الفرق وتقوم بتسجيل أغانيها فيها. فيشير محمد مدحت طالب بمعهد نظم ومعلومات إدارية إلي أن أماكن التدريب والتسجيل لا تمثل عقبة كبيرة لفرق الميتل حيث إنهم يلجأون إلي الاستوديوهات الخاصة المنتشرة في عدد من أحياء القاهرة في أماكن مجهزة وتضم معظم الآلات الضخمة عالية التكلفة والتي يصعب علي عضو الفرقة شراؤها أو نقلها من مكان لآخر كالدرامز مثلا فضلا عن أن ايجار الساحة في أي ستوديو غير مكلف ويتراوح بين 20 و40 جنيها.. مؤكدا أن أسعار تذاكر الحفلات أيضا ليست غالية وتتراوح بين 100 و200 جنيه، وأن معظمها يقام في قري سياحية أو في فنادق وفي الصيف تنتقل إلي مارينا والساحل الشمالي ويقام شهريا حفلتان أو ثلاث علي الأكثر وتتم الدعاية لها عبر وسائل SMS والشات حيث تتولي ذلك بعض شركات الدعاية والإعلان الصغيرة. ومن ناحية أخري رفض عدد كبير من محبي وعشاق الميتل الاتهامات التي توجه لهم بأنهم شباب تافه وبلا هدف، وأكد عادل محمد طالب بكلية الهندسة أن هذه اتهامات باطلة ولن تعيق محبي الميتل عن الاستمتاع بموسيقاهم المفضلة قائلا: نحن لسنا شبابا بلا هدف، فأغلبنا ينتظره مستقبل باهر. أما بالنسبة لموضوع موسيقي الميتل انها موسيقي عبدة الشيطان فهذا ليس صحيحا بالمرة فليس معني أن يكون البعض ضل عن الطريق أن يكون ذلك قاعدة عامة تطبق علي الجميع فعبادة الشيطان في الغرب عقيدة ولا ترتبط بنوع موسيقي محدد، أما نحن فلنا ذوق معين في الموسيقي والحمد لله.. أنا أصلي والكثير من أصدقائي يواظبون علي الصلاة أيضا. انابكره الموسيقى ديه اصلا سواء روك او غيرها أنا بحب موسيقى الروك فعلاً بس أنا مش متمردة ولا حاجة موسيقى الميتل والروك دى كلها دوشة وصداع