خطة مصرية لزيادة الصادرات السلعية إلى 20 مليار دولار    اتحاد الغرف السياحية يعقد جمعيته العمومية ويعتمد الميزانية الختامية    وزير الصناعة يبحث مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية سبل دعم التعاون التجاري    تباين نسبة الإقبال على التصويت في انتخابات الرئاسة الموريتانية    التشكيل – مابولولو يقود هجوم الاتحاد أمام الداخلية.. ودابو أساسي    المقاولون العرب يقبل اعتذار معتمد جمال عن تدريب الفريق    سيمون بايلز تشارك في الأولمبياد للمرة الثالثة    إصابة 50 عاملا إثر تسرب لغاز الفريون داخل شركة في الوايلي    سفاح عزبة رستم: قتلت ومعترف وخلاص    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    محافظ المنيا يوجه بوضع آليات عاجلة والاستجابة الفورية لطلبات المواطنين    إطلاق برامج تدريبية مجانية على الخياطة والحاسب الآلي لسيدات جنوب سيناء    الزمالك: قراراتنا عن قناعة والكرة المصرية تعيش فسادا ماليا وإداريا    محافظ قنا يقرر رفع كثافة فصول رياض الأطفال بجميع المدارس    خبراء: نظرة على المنطقة تكفي لإدراك كيف أنقذت ثورة يونيو مصر من التقسيم والفوضى    الأمن الاقتصادي يضبط 16201 قضية سرقة تيار كهربائي    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    نسرين طافش تنشر فيديو أثناء لعبها التنس.. والجمهور: "صباح النشاط"    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنانة سلوى محمد على خلال دورته ال 17    صراع السينما المصرية على شباك التذاكر.. "أولاد رزق وبيت الروبي وصعيدي في الجامعة الأمريكية" أفلام حققت أرقامًا قياسية بالإيرادات.. والشناوي: السيناريو ونجم العمل من أهم أسباب النجاح    آليات عسكرية إسرائيلية تقتحم قرية قصرة جنوب شرقي نابلس    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    سلمى أبوضيف: قصة حبي حصلت صدفة والضرب في "أعلى نسبة مشاهدة" حقيقي    بيل جيتس: الذكاء الاصطناعى يمكنه إنقاذ البشر من تغير المناخ والأمراض    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    علامات مبكرة للذبحة الصدرية.. لا تتجاهلها واذهب للطبيب فورا    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    أستاذ تمويل: الاستقرار بعد «30 يونيو» أهم ركائز الاستثمار في مصر    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    نقيب التمريض تؤكد: مجلس النقابة سيظل داعمًا للوطن وقيادته    عادل حسين مدرباً لفريق سيدات الزمالك لكرة القدم    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني    الاتحاد الأوروبي يعلن توسيع العقوبات المفروضة على روسيا    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجي بولاق أبو العلا ل28 يوليو    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    جليلي وبيزشكيان يتنافسان في جولة الإعادة الرئاسية في إيران    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    السياحة تكشف حقيقة التحذيرات البريطانية والأمريكية لرعاياهما بشأن السفر إلى مصر    استطلاع: 66% من الإسرائيليين يؤيدون اعتزال نتنياهو للحياة السياسية    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري الممتاز    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حظك اليوم| برج العذراء السبت 29 يونيو.. بشائر النجاح والتغيير بنهاية الشهر    لقطات من حفل محمد حماقي في «ليالي مصر».. شكر «المتحدة» وأعلن موعد ألبومه الجديد    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    الأنبا باسيليوس يتفقد النشاط الصيفي بكنيسة مارجرجس ببني مزار    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" علبة السرد " الطفرة والتحول في النقد بالمغرب
نشر في صوت البلد يوم 06 - 06 - 2013

انعقد بمدينة الرباط مؤخرا لقاء ثقافي مهم أقامته المكتبة الوسائطية من أجل مدارسة التجربة النقدية المجددة للناقد عبدالرحيم جيران، وقد شارك في اللقاء خيرة النقاد المغاربة برئاسة الناقد والباحث د. عبداللطيف محفوظ، ومعه: دة. زهور كرام، د. أحمد الصادقي، دة. سعاد مسكين، د. مصطفى الغرافي. وقد حضر اللقاء جمهور نوعي إلى جانب مبدعات ومبدعين مغاربة.
استهل اللقاء الناقد والباحث د. عبداللطيف محفوظ الذي أشار في البداية إلى أن المشروع عبدالرحيم جيران النقدي يعتبر استبدالا ممكنا ينضاف إلى الاستبدالات الحاضرة بقوة، وربطه بالسيميائيات الخاصة التي تؤسس ملامحها في ضوء مجال محدد من دون الطموح إلى أن تكون نظرية شاملة تستوعب كل المجالات الأخرى. مشيرا إلى أن الباحث قد ويسم مشروعه هذا بسيميائيات التجديل التضافري. وقوام التصور النظري فيه مبني وفق مسألتين هامتين: أولاهما إيجاد تصاد بين البنية بوصفها تقعيدا منطقيا، والفاعل بِعَدِّهِ مؤشرا على الاستعمال بما يدل عليه من متغير وفردانية. ويفترض في هذا التصادي بين الاثنين أن يمكن التجديل بين مستويات النص الروائي.وتتمثل المسألة الثانية في تجديد الاصطلاح السيميائي السردي وفق ما تتطلبه الأسس النظرية التي يقترحها. منبها في الأخير إلى أن المشروع قد عمد إلى إعادة النظر في كثير من الاصطلاحات السردية التي صارت مستقرة في الاستعمال.
بعد ذلك تدخلت الباحثة والمبدعة د. زهور كرام، وانطلقت من التأكيد على الموقف ذاته الذي عبر عنه د. عبد اللطيف محفوظ، ألا وهو أن كتاب "علبة السرد" يعلن عن تحول في النقد المغربي والعربي، لكنها فضلت أن تنظر إلى هذا التحول في ضوء تطور النقد المغربي، فهو حلقة تنضاف إلى باقي الحلقات السابقة. فأهمية المشروع المعلن عنه يعد من أهمية تفكيك النقد المغربي، ويؤشر على التطور الذي وصل إليه. وحتى تبين صيرورة هذا التطور رسمت خارطة دقيقة للنقد المغربي، وزعته بموجبها إلى ثلاث رؤيات: الرؤية الأولى تتمثل في تمثل النظريات وتوظيفها انسجاما مع السياق التاريخي، وفعالية الجامعة المغربية، وتتمثل الرؤية الثانية في تطوير الرؤية الأولى من خلال مدارسة نصوص سردية تراثية، ومحاولة جعل النظرية الغربية مرنة في مهمتها هذه. وتتمثل الرؤية الثالثة في الانتقال بعملية التمثل إلى التأسيس، وإنتاج مشروع نقدي يقوم على محاورة النقد الغربي عامة، والنظرية السردية بخاصة. وعدت أن النقد المغربي قد وجد مرجعيته الخاصة مع هذه الرؤية. ومن ثمة يعد المشروع الذي أسسه عبد الرحيم جيران إيذانا بتدشين هذه الرؤية.
بعد أن بينت الباحثة خارطة النقد المغربي انتقلت إلى الحديث عن الاستراتيجية التي اعتمدها الناقد في بناء مشروعه النظري في كتبه النقدية. ورأت بأنها تتأسس على مجموعة من المبادئ: ا- استحضار الذات بوصفها وجهة نظر إلى العالم، والانخراط في حوار متكافئ مع الآخر. ب - إقامة الحوار على احترام الآخر، أي تجهيز الذات بالشروط المعرفية التي تؤهلها لفعل ذلك، مما يجعل من أسس الحوار شرطا لا بد منه. هذا إلى جانب الحسم مع الذات وعدها وجهة نظر. ج - تجاوز اليقين المعرفي، وذلك بنزع اليقين من النظرية الغربية، وعدها فكرا إنسانيا قابلا للحوار. د - الذهاب إلى النظرية الغربية بمعرفة، أي معرفتها قراءة، وتمثلا، واستخداما، ومعرفة الخلفية الفلسفية التي تتحكم فيها. ه - لا يكون هذا الذهاب من أجل المعرفة بواسطة المعرفة، وإنما من أجل مساءلة النظرية الغربية، ومحاورتها، ثم بناء الذات بعد الاشتغال عليها.
واختتمت زهور كرام تدخلها باسترجاع درس كتاب "إدانة الأدب"، وحددت من خلاله طبيعة المحاورة مع الفكر الغربي، وكيف تبني الذات وتشتغل على نفسها من حيث هي استراتيجية في التفكير.
تناول بعد ذلك الباحث د. أحمد الصادقي الكلمة ليشير إلى أنه سيتعامل مع كتاب "علبة السرد" انطلاقا من الكشف عن الأثر الفلسفي فيه وملامحه. وقبل فعل ذلك عمل على توصيف الكتاب، فقال عنه بأنه كتاب منهجي يخوض غمار متاهات متنوعة من أجل فهم كيف يتكون النص سرديا، كما أنه قائم على نظرية معرفية تتأسس على علاقة الذات بالموضوع، لكن بواسطة إدخال إرادة الاستعمال فيها.
ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن كون الإرادة أكثر التزاما من العقل في مشروع الناقد، وهي التي تحدد تصنيف الموضوعات، مع الأخذ بعين المراعاة مسألة المسافة الفاصلة بين الذات والموضوع، وأهميتها في تأسيس الاختلاف في المقاربة السردية. كما ألمح الباحث إلى كيفية بناء الموضوع السردي، فهو لا يكشف لنا عن نواته إلا انطلاقا من الرؤية التي نفحصه بها. ومن ثمة يعد الموضوع السردي في "علبة السرد" مموضعا في موقع آخر مخالف لما هو عليه الأمر في الدراسات السردية السابقة؛ إذ نُظر إليه من خلال الممكن الخفي. هذا إلى جانب التجديل بين الكوني والمحلي في صياغة تنامي النص السردي؛ حيث تضطلع الدلالة بالتأشير على الكوني، والتعبير عن المحلي.
كما تحدث الباحث عن مفهوم المبدأ وتوظيفه فلسفيا على نحو عجيب في علبة السرد، وذكر أنواعه الخمسة التي ترد في هيئة ثنائيات مفصلا في محتوياتها النظرية والمعرفية، ومبرزا كيف تتحكم هذه المبادئ في كل مفاصل الكتاب ومستوياته. وفي ختام مداخلته ركز الباحث د. أحمد الصادقي على مفهوم التوسط الرمزي عادا إياها مركزيا في إنتاج النظرية السردية كما يبنيها عبدالرحيم جيران.
تناولت بعد ذلك الكلمة الباحثة د. سعاد مسكين، واستهلتها بالإشارة إلى أن المشروع النقدي لعبدالرحيم جيران يخلق طفرة نوعية في النقد العربي. وقبل بسط دراستها لكتاب "سراب النظرية" أعطت نبذة عن مشروع الناقد على نحو عام. وحددت هذه النبذة في خصائص هي كالآتي: ا- اندراج أبحاث الناقد في النقد الابستمولوجي، ويتمثل هذا الأمر في تدشين مرحلة الناقد العالم بعد مرحلة الناقد الدارس، والتعبير عن الذات المعرفية، وحضور المعرفة في صياغة الطروحات، ب - التأسيس وفق مبادئ محددة تتمثل في إعادة الاعتبار للذات المنتجة، واحترام الموضوع المعالج ووحدته، وإعطاء الأولوية للنص الأدبي، ج - إقامة المشروع النقدي عند الباحث على مشروعية تتأتى من الجمع بين النظرية والممارسة، وإخضاع المشروع لناظم منهجي يقوم على المساءلة وطرح البدائل، ونمو المشروع الذي يظهر من خلال إنتاج المعرفة عبر تطوره.
انتقلت الباحثة بعد ذلك إلى مقاربة كتب "سراب النظرية"، ورأت بأن الباحث يتبع في هذا الكتاب خطوات ثلاث واضحة، هي على التوالي: الوصفية، والعلائقية، والتكوينية. ففي الخطوة الأولى يصف النظرية النصية، وفي الخطوة الثانية يكشف عن الثغرات معتمدا على تصور علائقي هيرمينوطيقي، وفي الخطوة الثالثة تتأسس المعرفة الخاصة بالباحث عن طريق طرح البدائل. وبعد هذا التوصيف انتقلت الباحثة إلى الحديث عن الطريقة التي يبني بها الباحث محاورته للنظرية النصية الغربية على نحو ابستمولوجي. وحصرتها في خمسة عناصر هي: المنطق، والاستدلال، والتمثيل، والمقارنة، والتوليد. ولم يفت الباحثة وهي تتحدث عن التوليد أن تشير إلى قدرة الباحث على خلق المفاهيم وصناعتها.
في كلمته أوضح الباحث د. مصطفى الغرافي أن المشروع النقدي الطموح الذي أرسى دعائمه عبدالرحيم جيران بصبر وأناة يندرج ضمن سياق ثقافي يتميز بإحساس المثقف العربي بضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقه في ظل واقع ثقافي يتميز بانقسام الذات وانشطارها في ما يتعلق بالعلاقة المتوترة التي تربطه بالآخر الثقافي، ليس بوصفه جغرافيا ولكن بعدّه ذاتا ثقافية ومعرفية. فالسؤال النقدي ليس مفصولا عن الأسئلة الحارقة التي يطرحها المثقف على نفسه وواقعه.
في هذا الإطار يمكن تحديد عمل الباحث عبدالرحيم جيران؛ إذ يقدم جهدا نقديا يطمح إلى تجاوز تطبيق النظريات الغربية إلى مساءلتها في أفق تجازوها وطرح تصور بديل يمكن أن يشكل أساسا يغتني باجتهادات الدارسين والنقاد العرب، علما أن التجاوز لا يمكن أن يتحقق ما لم يتسلح الباحث بعدة معرفية صلبة تبتدئ بمعرفة المنجز الغربي معرفة دقيقة تحيط بأسسه المعرفية وأصوله الفلسفية والابستمولوجية، لتنتقل بعد ذلك إلى مساءلتها ونقدها بما يتيح تقديم تصور ينطلق من خصوصية السؤال الذي تطرحه النصوص الإبداعية.
ومن أجل إبراز مظاهر التجديد في مشروع جيران تناول الغرافي كتاب "في النظرية السردية" الذي حاول أن يقدم فيه "مقاربة جديدة" لرواية "الحي اللاتيني، وقد بدا عبدالرحيم جيران فيه مسكونا بهاجس التجاوز والتخطي، حيث الإضافة إلى ما راكمه السابقون شرط يتقدم عملية الكتابة النقدية عند الباحث من دون أن تعني الجدة هنا إلغاء التجارب السابقة أو الانتقاص منها. وقد أوضح الباحث مصطفى الغرافي أن أهم ما يميز هذه الدراسة إخلاصها للمطلب العلمي الرصين الذي تشكل الإضافة والعمق أهم ملامحه؛ فالباحث مسكون بهاجس الإضافة وعدم الركون إلى الجاهز والمعتاد. وتعلن هذه الرغبة عن نفسها من العنوان الفرعي "مقاربة جديدة" لدراسته؛ مما يؤشر على أن هذه الدراسة - وإن كانت لا تخوض في موضوع بكر باعتبار الرواية قد قرئت عدة مرات - تطمح إلى تحقيق الجدة على مستوى التصور والمنهج. وقد تحقق للناقد كثير مما هفا إليه كما يظهر من النتائج المستخلصة من تحليل الرواية ومراجعة الأحكام النقدية التي أصدرتها الدراسات السابقة التي تناولتها.
أعطيت في نهاية اللقاء الكلمة للناقد عبدالرحيم جيران، فعبر عن امتنانه للمبدعة عزيزة رحموني التي استضافته من أجل مدارسة مشروعه النقدي، وشكر الباحثين الذين أسهموا في اللقاء. وقبل أن يدلي برأيه، ذيله بالعبارة الآتية "هذا الكتاب - يقصد "علبة السرد"- ليس كتابي، هو كتاب كل الكتاب والنقاد المغاربة"، ثم انصرف إلى الحديث عن أسباب نزول كتاب العمر كما يحب أن يسميه، ووقف عند الأزمة المعرفية التي جعلته يتوارى سنينا طويلة موضحا كيف أنه اهتدى إلى ضرورة إعادة تكوين الذات من خلال قراءته كتاب بيتيتو كوكوردا، وهذا التكوين هو ما مكنه من معرفة كيف يفكر النقد الغربي، وكيف يُمارس التنظير فيه.
بعد ذلك بسط مفهومه للمنهج، وحصره في اثنين لا ثالث لهما: استنباطي، واستقرائي، وما يطلق عليه عادة لفظ المنهج هو مقاربة فحسب، وبين أن الحديث عن الانطلاق من النص ورفض المسبقات النظرية هو مجرد وهم، فكل تفكير لا بد له من مضمرات نظرية، حتى بالنسبة إلى غادامر الذي يرفض المنهج. ولا يمكن العمل في النظرية من دون مفاهيم على الإطلاق. وحتى يحسم في الخلط الحاصل في مفهوم النص بين أن الأمر لا يتعلق في التنظير - بالنسبة إليه - بالنص المحقق، وإنما بالنص النموذج كما بني في التاريخ مستندا في ذلك إلى تصوره لمسألة التنميط في علاقتها بالتمثيل.
وختم حديثه بالتطرق إلى مسألة الفكر المعاصر في فرنسا على مستوى النظرية النقدية، فقال بأن العالم يمر بتحول، وأن مرحلة قديمة انتهت، وأخرى جديدة ابتدأت لم تتضح معالمها بعد، لكن الغرب يملك من الأدوات والطرق ما يؤهله لأن يتعامل مع هذه الفترة الانتقالية بنوع من الإيجابية، بينما نحن العرب لا نمتلك ذلك، لأننا لم نرد أن نؤطر أنفسنا في صيرورة الفكر البشري بوصفه تراكما إنسانيا يحق للإنسانية جمعاء امتلاكه والبناء عليه، كما بين أن تصورنا المغلوط للتراث يزيد من أزمتنا الفكرية، ويمنع من رؤية الأشياء على نحو دقيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.