عقب الممارسات السيئة والمؤسفة التي صدرت من جهاز الشرطة المصرية منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى تولى الرئيس مرسي الحكم ومرور أشهر على توليه، ومع تدافع المواقف والاشتباكات بين القوات الأمنية والمتظاهرين، التي كان من أهم سماتها تغيير وزير الداخلية أكثر من أربع مرات؛ نظرًا لتعاملهم بقسوة مع الثوار، ومحاولات البعض اقتحام مبنى الوزارة، فقد تعالت أصوات عدد من الحقوقيين والحركات الاحتجاجية وبعض خبراء الأمن مطالبة بأن يكون وزير الداخلية مدنيًّا بعيدًا عن جهاز الشرطة، مؤكدين أن وزير الداخلية مدني من شأنه كشف فساد الشرطة وإعادة توازن العلاقة بين الشعب والشرطة خاصة بعد فساد العلاقة بينهما، وما زاد الأمر صعوبة هو إضراب عدد كبير من مديريات الأمن ومراكز الشرطة.. فما يضع علامة استفهام حول مصير الجهاز الذي سقط بين براثن الغضب، ومستقبل العملية الأمنية في الدولة. وأكد عدد من خبراء الأمن ونشطاء حقوق الإنسان، أن هناك عددًا كبيرًا من وزراء الداخلية في تاريخ الوزارة كانوا مدنيين واستطاعوا العبور بدفة الأمور والأمن إلى الأفضل. وعدد آخر من الخبراء رأوا أنه رغم الصعوبات التي تواجه فكرة وزير داخلية «مدني» بداية من رفض ضباط الشرط الخضوع لشخص مدني مرورًا بآليات تفعيل هذه الفكرة انتهاء بدور المؤسسة العسكرية أن منصب وزير الداخلية هو منصب سياسي وإداري وليس شرطيًّا. حقوقيون قالوا: إنه لابد من إعادة وتأهيل ضباط الشرطة فضلًا عن إعادة هيكلة الجهاز لتصحيح المنظومة بالكامل، كما في تجارب دول العالم المتقدم؛ وذلك لعودة الثقة بين الشعب والشرطة. وقد اتفقت معظم الحركات الاحتجاجية على ضرورة أن يتولى منصب وزير الداخلية شخص مدني لديه خلفية سياسية وقادر على التعامل بروح القانون، منوهين أن وزارة الداخلية في أمس الحاجة لإعادة هيكلة وتأهيل الوزارة والوزراء الذين سيتولون على مقاليدها لإيجاد جهاز شرطة قادر على حفظ الأمن داخل الشارع المصري، والقضاء على الأعداد الكبيرة للبلطجية المنتشرين في الشوارع وإعادة روابط الثقة بين الشرطة والشعب. فوزير الداخلية شرطي أم مدني أيهما الأجدر على إعادة الثقة في الجهاز؟. عماد رمضان، المدير التنفيذي للمعهد الديمقراطي المصري، يرى أن مطلب الحركات الاحتجاجية بوجود وزير داخلية مدني مطلب بديهي، حيث إن وظيفة الوزير تعتمد على وضع السياسات لإدارة الوزارة بالكامل، وبالتالي تحتاج إلى شخص مدني أكثر من الشرطي أو العسكري واختيار وزير الداخلية من قطاع الشرطة يعتبر من الأخطاء الجسيمة التي حوتها الفكرة السابقة، وفكرة وجود وزير داخلية مدني ليست ضارة وقد تحقق المطلوب، ولكن لابد من وجود جهاز شرطة يضم مساعدين يعملون على وضع خطة جديدة توفر أمن المواطن. من جانب آخر رفض وليد فاروق، مدير الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات وجود وزير داخلية مدني؛ لأن الشخص المدني ليس لديه أي فكرة عن الحياة العسكرية والشرطية ومتطلباتها وآليات عملها، ولا عن وضع آليات جيدة لإدارة مؤسسة الداخلية دون الرجوع لأي شخص مدني، هذا بالإضافة إلى البحث عن كفاءات جيدة من الشرطة لإدارة هذه المؤسسة التي تكفل أمن مصر، وإذا أردنا إدارة جهاز الشرطة بطريقة مدنية فلابد من دراسة آليات هذه الفكرة جيدًا. وأكد شريف هلالي، المدير التنفيذي للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن فكرة وزير داخلية مدني منطقية ويمكن مناقشتها والبحث عن إيجابياتها وسلبياتها، فكثير من الدول تسير على هذا المنوال، مثلًا وزير الداخلية بلبنان مدني، وأيضًا يجب أن نتطرق لنقطة مفادها أن منصب الوزير منصب سياسي أكثر من كونه شرطيًا، ومن هنا يمكن أن يكون وزير الداخلية مدنيًا ولكن معاونيه تربوا داخل جهاز الشرطة ولديه دراية بالأمور الأمنية. وأضاف :إن العقبة الوحيدة التي تقف أمام تنفيذ هذه الفكرة هي عدم قبول الضباط داخل الوزارة بالخضوع لوزير مدني؛ وذلك لعدم سيرهم على هذا النهج من قبل، ولذلك لابد من تهيئة الأجواء لتصعيد هذه الفكرة وهذا يتطلب مزيدًا من الوقت، والاستناد إلى التجارب العلمية في هذا الموضوع لبعض الدول. ورأى خالد عيد، عضو حركة العدالة والحرية، أن فكرة تصعيد وزير داخلية مدني من أفضل السبل للديمقراطية، كما أن ذلك سيتيح الفرصة للحركات الاحتجاجية بأن تمارس نشاطها السياسي بحرية تامة بعيدًا عن القمع. وأكد أن الوزير المدني سيكون أكثر متابعة لأداء ضباط الشرطة وتصرفاتهم الخارجة على القانون، وذلك سيقضي على الفساد داخل جهاز الشرطة بكل صوره وأشكاله وسوف يؤدي إلى إعادة الثقة بين الشعب والشرطة التي لن تتحقق بوجود وزير داخلية من داخل جهاز الشرطة. وأكد ياسر هواري، عضو حركة العدالة والحرية، أن وجود وزير داخلية مدني سيكون في مصلحة المواطن لكن المشكلة أن مصر تمر بمرحلة حرجة تحتاج فيها لاستعادة الأمن أولًا، وبالتالي من الممكن أن نتغاضى عن تعيين وزير داخلية مدني في سبيل إعادة الأمن للشارع المصري والقضاء على الفوضى التي انتشرت مؤخرًا، ولابد أن يقوم أي وزير داخلية مع الشعب ليضمد الجرح الذي ظل ينزف لأكثر من 30 عامًا لاستعادة الثقة المفقودة بين الشرطة والشعب فضلًا عن رفع وتفعيل شعار الشرطة في خدمة الشعب، وتفعيله من قبل الشرطة أولًا، وضرورة التخلص من الاعتقاد بأن الشرطة فوق القانون بل يجب رفع شعار القانون والقضاء، وتأكيد مقولة: إنه لا أحد فوق القانون، وأيضًا مصر في حاجة لوزير له رؤية سياسية. أما جورج إسحاق، عضو حركة كفاية فيرى أنه ضرورة تولي شخص مدني منصب وزير الداخلية متخصص في القانون ولديه خبرة كافية بالأمور الأمنية؛ لكي تملك جهاز شرطة حديث، وأيضًا لإعادة الثقة بين الشعب والشرطة، وهذا لن يتحقق في ظل وجود وزير يتمتع بعقلية شرطية ولم يخالف الحياة المدنية. ورأى أحمد بهاء شعبان، عضو حركة كفاية، أن الحل الأمثل لاستعادة دور الشرطة هو امتلاك الجرأة للقيام بمثل هذه الخطوة؛ لأن هذه التجربة خاضتها العديد من دول العالم ونجحوا فيها مثل فرنسا، حيث تولت وزارة الدفاع بها سيدة ومنصب الوزير سياسي ولا يفترض فيه أن يكون من العاملين بالوزارة، فضلًا عن أن الفوضى والبلطجة والسرقة انتشرت في ظل تولي العادلي مقاليد الوزارة، من هنا لابد أن يتولى وزارة الداخلية رجل سياسي حقوقي قانوني يهتم بإرساء القانون وحقوق الإنسان؛ حتى لا توجد قيادات مستوطنة أو مستبدة كما كان في السابق. إعادة الهيكلة وقال مصطفى شوقي، عضو حركة العدالة والحرية: إن الحركة قامت بعمل دراسة حول كيفية اختيار وزير الداخلية كان مفادها ضرورة وجود وزير داخلية مدني سياسي قادر على التعامل بروح القانون، ولا يسيطر عليه حب السلطة والتوحد مع كرسيه، ولديه القدرة لتغيير ثقافة قفز الشرطة على القانون. وأضاف أن تعيين وزير مدني يحتاج لأمرين أولهما إعادة الهيكلة، فلا يوجد جهاز شرطة في أي مكان في العالم تتبعه مختلف الإدارات كشرطة الكهرباء والجوازات.. وغيرهما، فلابد من فلترة جهاز الشرطة ليصبح جهازًا واحدًا ومستقبلًا، وهو جهاز الأمن الجنائي وأن يكون للبرلمان حق الرقابة عليه.. والمطلب الثاني إعادة تأهيل كل كوادر الشرطة بإعطائهم دورات في مختلف المجالات خاصة حقوق الإنسان. من جانب آخر يقول اللواء عاصم جنيدي، مدير مركز المعلومات بمجلس الشعب السابق: إن تولي شخص مدني أو عسكري وليس شرطيًا وزارة الداخلية كان الأصل بداية من عام 1971، حيث تم تعيين وزير الداخلية من قلب جهاز الشرطة، وقبل ذلك كان وزير الداخلية يأتي من الجيش أو شخص مدني، وكان آخر وزير داخلية مدني هو فؤاد سراج الدين، وممدوح سالم كان أول وزير داخلية جاء من الشرطة، وإن كنت أرى أن الوزير المدني أفضل؛ لأنه احتك بالمواطن في الشارع، وعاش حياة عادية مدنية وليست عسكرية قائمة على الأوامر والسلطوية وتنفيذ كل ما يؤمر به، وهناك أزمة ثقة بين الشعب المصري والشرطة منذ زمن طويل، فالشعب عرف البوليس السري وزوار الفجر وأمن الدولة وفساد جهاز الشرطة ساعد في اتساع الفجوة بينه وبين الشعب، حيث انتشرت الرشوة وأصبح أمين الشرطة رئيسًا في مكانه، مثلًا لا يستطيع أحد أن يمر من الشارع إلا إذا دفع المعلوم، وأعتقد أن الشخص المدني أقدر على قيادة جهاز الشرطة في هذه اللحظات الحرجة، وما ساعد على إساءة استخدام السلطة من قبل الشرطة هو استبداد النظام الحاكم، واستمرار فرض قانون الطوارئ، وهو ما يجعل تصرفات رجل الشرطة غير محكمة فهو في ظل قانون الطوارئ لا يخاف من شيء؛ لأنه لن يتم عقابه إذا أساء التصرف مع أي مواطن، وأيضًا قانون الطوارئ أصبغ على الشرطة صورة العصابة التي تضرب الناس فقط ولا تحميهم، أما بالنسبة للوزير المدني فإنه سيكون تضرر بالفعل من هذه الممارسات وحدثت معه مضايقات من رجال الشرطة، وبالتالي سيحاول تلافيها مع المواطن وسيأمر بتحسين المعاملة مع المواطن، وسيجعل كل شرطي يتمسك بالعقيدة الشرطية التي يحلف يمينها أثناء التخرج بحماية البلاد، والحل الوحيد لإعادة فاعلية جهاز الشرطة هو أن تخرج من حماية النظام لحماية المواطن. وأكد اللواء، حسام سويلم الخبير الأمني والعسكري، أن وزارة الداخلية مدنية وهيئة الشرطة مدنية نظامية، وضروري أن يكون وزير الداخلية من المهنة، وسبق العمل بأجهزتها وهيئاتها المختلفة، ولديه خلفية كما يحدث داخل الشارع الأمني، وعلى دراية بعلوم الكمبيوتر والحاسبات الآلية. وقال: أتفق مع وجود وزير الداخلية مدني ولكن يقتصر دوره على وضع الخطط، ويكون معه مدير ينفذ هذه الخطط، ولو أردنا تعيين وزير داخلية مدني يجب أن يكون سياسيًّا، ولكن وجود قياديين في وزارة الداخلية أحدهما وزير والآخر ينفذ الخطوات على أرض الواقع سيجعل في الوزارة فسادًا كبيرًا، فستكون هناك بطانة تتعامل وتحب الوزير، وبطانة أخرى تتبع النائب، فنحن لم نعقد على اللا مركزية، وهذا هو سبب الصفعة الشديدة التي تلقتها الشرطة.