منذ ظهوره على الساحة الأدبية بعمله وداعاً كولومبوس (1959) إلى عمله الأخير نِميسيس (2010)، تزخر مسيرة فيليب روث (المولود في 19 آذار 1933) الإبداعية برصيد كبير من الأعمال- العلامات التي تركت تأثيرها لدى قرائه. ثمّة طريقة وأسلوب خاصّان في أعمال روث وبالتالي فإن قراءته تشكّل متعة خاصة لما تمتلئ به رواياته من سردٍ ممتع وفكر جديد وقضايا صراع الفرد مع القدر والمجتمع. خلال خمسة عقود قام روث باختلاق عوالم وشخصيات ورواة كان لهم تأثير ليس على المسار الروائي في الأعمال بذاتها لكن في مسيرة روث نفسه - حتى أنه خلق شخصية روائية باسم فيليب روث- إذ قام بتوقيع رواياته ضمن مجموعات تحمل أسماء رواته مثل روايات ديفيد كيبيش وروايات ناثان زاكرمان اللتين نُشرت تحت اسميهما روايات كبيرة مثل بروفيسور الرغبة (1977) ، الكاتب الشبح (1979)، درس التشريح (1983)، والحيوان المحتضر (2001) الصادرة في مصر ضمن سلسلة الجوائز بترجمة مصطفى محمود- ، وطبعاً لا يمكن نسيان رائعته الوصمة البشرية (2000) -الصادرة في مصر أيضاً بترجمة فاطمة ناعوت- والتي يطرح فيها بجرأة كبيرة مسائل العنصرية والتفاصيل الشخصية والماضي الملتبس. لهذا، لم يكن مستغرباً الحضور الدائم له على لائحة مرشحي جائزة نوبل للأدب بقدر ما هو مستغرب عدم فوزه بها وهو الذي كان يشكّل أمل الأدب الأمريكي بعد عشرين عاماً على فوز توني موريسون عام 1993. على كلّ، كان فيليب روث صريحاً عندما صرّح لمجلة Les Inrocks الفرنسية في أكتوبر الماضي أنه سيعتزل الكتابة الأدبية. قال بالحرف: كي أكون صادقاً معكم، فإنني قد انتهيت. جملةٌ يختصر فيها روث إحساسه بفقدان الحماسة للكتابة ومَيله لإعادة قراءة رواياته المفضلة وأعماله هو طبعاً. أعرب روث أنه لم يكتب شيئاً منذ عام 2010 سنة نشر آخر رواياته نِميسيس التي هي الجزء الأخير من رباعيته كل رجل (2006)، سخط (2008)، الإذلال (2009) ثم نِميسيس. قال: أريد أن أرى إن كنت قد أضعت وقتي بالكتابة وأضاف: في نهاية حياته، قال جو لويس، الملاكم: لقد حقّقت أفضل ما استطعت بما كان لديّ. هذا هو بالضبط ما أريد أن أقوله عن عملي، أنا أيضاً حقّقت أفضل ما استطعت بما كان لديّ. كان روث واقعياً للغاية في توصيفه هذا لما أصبح عليه الروائيّ الذي يقف على أعتاب عقده الثامن. يبدو غير مكترث بفلسفة الأمر والكلام عنه أكثر من اللازم، هو سيفعل ما يحسّ أنه ضروري في هذه المرحلة، التوقف عن الكتابة. ما عدا نوبل للآداب، فقد نال فيليب روث الكثير من الجوائز التي جاءت كاعتراف بموهبته وأسلوبه وقيمته الأدبية. مجموعة جوائز مرموقة من نوع جائزة الكتاب الوطني (ناشيونال بوك أوورد)، جائزة دبليو إتش سميث البريطانية، جوائز من مؤسسة بن مثل بن / نابوكوف وبن / فولكنر ثم في 2011 نال جائزة المان بوكر عن مُجمل أعماله. في الصيف الماضي (صيف 2012)، نال جائزة أمير أستورياس الاسبانية، أوفته لجنة الجائزة حقّه عندما وصفته ب جزء من الرواية الأمريكية العظيمة، بتقاليد جون دوس باسوس، ف.سكوت فيتزجيرالد، إرنست همنغواي، وليم فولكنر، وسول بيلو وأضافت ان شخوص روث والأحداث والثيمات التي يختلقها تشكّل نظرة معقّدة للواقع المتذبذب بين العقل والعاطفة. إعلامياً، تنوعت ردات الفعل الصحافية على إعلان فيليب روث اعتزاله الكتابة.بين تناول عاطفي كاعتبار الموضوع صدمةً وخسارة للقراء والوسط الأدبي عموماً، وتناول آخر أكثر موضوعية باعتباره أمراً عادياً كان لا بدّ أن يحدث في يوم ما. لكن كان ثمّة إجماع على أن الرجل تحلّى بالشجاعة والحكمة الكافيتين ليقوم بهجر الكتابة الروائية بعد أن كان لأكثر من خمسة عقود أحد الرموز الأساسية في الرواية الأمريكية المعاصرة، ما دفع يوماً بالناقد الأدبي الكبير هارولد بلوم لأن يعتبره واحداً من أهم أربعة أسماء روائية موجودة في الساحة الأدبية إلى جانب كورماك مكارثي، دون ديليلو وتوماس بينكون جونيور. من جهتها، قامت صحيفة الغارديان بوضع مقارنات بين كاتب يقرر اعتزال الكتابة بكامل إرادته ويمهّد لذلك، مثل شكسبير عندما قدّم مسرحية العاصفة (1611) ومهّد على لسان بروسبيرو أنه سيتوقف عن استخدام قواه السحرية. ثم ذكرت الغارديان أمثلة أحدث لكتاب عاشوا حالة من تفانٍ في سبيل إنجاز نصّهم الأخير. جورج أورويل، مثلاً، قام بمراجعته النهائية ل 1984 وهو يعاني من مرض السلّ ولم يشهد الاحتفاء الكبير بروايته. ذكرت كذلك تيد هيوز الذي بدا وكأنه يقتل نفسه وهو يسابق الزمن لإنهاء مجموعته رسائل عيد الميلاد التي شعر من خلالها بواجب الشاعر والفنان للكتابة عن علاقته بسيلفيا بلاث. بدا أن أورويل وهيوز وكأنهما قد استجابا لنداءٍ لاواعٍ لمقاربة الخلود بطريقة ما، بينما يستمتع فيليب روث بطريقته التي يريد التصريح فيها عن اعتزاله الكتابة. لكن، ورغم ما أُثير يبقى فيليب روث هو فيليب روث، الكاتب الجريء الذي اعتاد إدهاش قرائه وحيازة إعجابهم واستحسانهم دائماً. ليست المسألة أن يتماهى مع كاتب آخر اتخذ موقفاً مشابهاً أم لم يتخذ. هو يبقى له مزاجه وأسلوبه وطريقته في تناول الكتابة وعوالمها، ثم الانسحاب منها.