وقد فشل المختصين في تفسير سبب انتشار هذا النمط من الأغاني الهابطة بين الشباب بشكل يضر بالذوق العام لدي المستمع المصر ي ويؤثر في سلوكيات الشباب ، لأن معظم هذه الأغاني تدعو للسلبيات من مخدرات وعلاقات جنسية وغيرها من السلوكيات المرفوضة• بعد قراءة هذا المشهد نجد أنه أصبح يحمل من الدلالات الكثير حول ما وصلت إليه الحالة المزاجية لمستمعي هذا اللون من الغناء، الذي يطلق عليه في مصر "أغنيات الميكروباص" حيث رأي البعض أن عددا من الأفلام السينمائية حاولت ترسيخ هذه الأغاني والترويج لها، لكن فشلها جماهيريا أدي إلي فرار المنتجين من هذا النوع من الأغاني• لكن بعض النقاد أرجعوا اهتمام سائقي الميكروباص بهذا النوع من الغناء إلي الحالة الاقتصادية الخانقة والصدام بين السائقين مع بعضهم حول أولوية السير، والصدام الآخر بينهم وأفراد الشرطة، وكذلك سباقهم مع بعضهم في الشوارع لخطف الزبائن، وهذا وفر في أوساطهم كثيرا من الإحباطات أدت إلي رواج هذا النوع من الغناء الهابط، الذي للأسف أطلق عليه مروجوه ومنتجوه "الأغنية الشعبية" دون وجه حق، خصوصا أن الكل يعلم أن الأغنية الشعبية تتميز بالرصانة في تناول الكلام واللحن والأداء، وهي تنبع من قيم حقيقية تعبر عن ثقافة المصريين المعروفة بالشهامة والكرم والشجاعة والالتزام الأخلاقي، وهذا يدعونا للتساؤل: من منا لا يرفع القبعة احتراما لفن "محمد رشدي" و"العزبي" و "شفيق جلال" والكثير من المطربين الشعبيين الذين أثروا الفن الشعبي بأغان ومواويل عاشت سنين طويلة في قلوب وأذهان المصريين• أما هذا النوع المستحدث من الأغاني الهابطة فإنه وإن انتشر ووجد رواجا بين فئات المجتمع، فإنه سرعان ما يتبخر دون أن يترك أثرا أو يرسخ معني يستفاد منه أو قيمة يستند إليها، وهو ما يؤكده المطرب الشعبي حكيم الذي يصف الأغنية الشعبية الأصيلة بقوله: "تعبر عن ثقافة الشعوب وفي مصر عبرت عن مكونات الإنسان المشبع بالقيم والأعراف النبيلة، كما تميل إلي الحزن وهذا نتاج للمخزون العاطفي في المجتمع المصري"• وقال: إن ما يقدم الآن في الميكروباصات والمراكب السياحية وغيرها من أغنيات هابطة وألفاظ سوقية لا علاقة به بالغناء الشعبي، بل هو مسخ رفضه الشعب مقدما ولن يصمد طويلا مادام أنه لا يعبر عن واقعنا• رأي حكيم لا يختلف كثيراً عن رأي المطرب سعد الصغير، الذي يقول: إن الأغنية الشعبية تأتي تعبيرا عن الشعب في حياتهم اليومية، فهي تمس المشاعر الداخلية للناس، وتلعب علي وتر البحث عن مشكلاتهم ومحاولة حلها، ليشعروا بأن هناك من يحس بمعاناتهم، وكذلك هي تبرز خصائص الشعب من كرم وشهامة وشجاعة وثقافة، ويعتبر الصغير هذا اللون من الغناء امتدادا شرعيا لفن المطرب الشعبي أحمد عدوية، الذي بدأه في السبعينيات من القرن الماضي بأغنيته "حبة فوق وحبة تحت"• أما جمهور الشارع المصري فكان له رأي مغاير، فها هي سميرة علي "سكرتيرة" تقول: "أعتبر نفسي ضحية لهذا النوع من الغناء المفروض علينا، فأثناء ركوبي الميكروباص في طريقي للعمل يوميا أصاب بصداع شديد من سماع تلك الأغاني، التي يجبرنا سائقو الميكروباص علي الاستماع لها، وتضيف سميرة : مع أنها "شعبية" فهي لا تستحق أن تنسب لهذا النوع الراقي من التعبير لأن الأغنية الشعبية تحمل معني وقيمة وتعبر عن الطبقة العريضة من الشعب، أما تلك التي نسمعها هذه الأيام في المواقف والميكروباصات فلا تمت للغناء بصلة، وإنما هي أقرب إلي التعاويذ التي تردد في حفلات "الزار"• أما أكرم محمد مدير شئون عاملين بشركة مقاولات، فعلق ساخرا علي تلك الأغاني، مؤكدا أن أغلب أهل الفن والمهتمين بالتراث الشعبي فشلوا في معرفة سر انتشار هذا النوع من الغناء بين مختلف الفئات، علي الرغم من أنها ضوضاء وتلوث سمعي، وبيئتها الأولي هي الميكروباصات وسائقوها الذين أصبحت لهم سطوة كبيرة علي زبائنهم، وأضاف أكرم أن الأمر الذي يدعو إلي الاستغراب أن تجد من بين طبقة المثقفين من يسمع ويردد هذا اللون الهابط من الغناء• من جانبه يري د•أحمد يسري أستاذ الأدب الشعبي أن الأغنية الشعبية لها أصول ومواصفات خاصة، وتؤدي في إطار من العادات الاجتماعية، كما أنها تحفظ إنتاجها الفني دائماً بعيدا عن هذا التردي•• مشيرا إلي أن الأغنية الشعبية تظل أداة مقاومة ليس بالمفهوم المباشر للكلمة، بل تقاوم كل تشقق في واقعنا الحزين، وتحيا طوال قرون عديدة وترددها الأجيال المتتابعة• ويعلق د• يسري علي نمط الأغاني الحديثة قائلا: مثل هذه الأغاني العشوائية لا يمكن إدراجها تحت وصف الغناء الشعبي مطلقا، فهي وإن حققت جماهيرية وقتية، أو تحدثت عن قضايا سياسية واقتصادية، فإنها في النهاية لا تعيش ولا تؤثر في الجماعة الشعبية ، إن هذه الأغاني تعكس حالة من التردي الثقافي الذي تعيشه قطاعات كبيرة من المجتمع، فهي لا تعبر في أي ظرف عن الجماعة الشعبية ولا تتشكل في إطار البنية الاجتماعية لها ، ولابد من تدخل المسئولين عن نقابات الموسيقي وجميع القائمين علي صناعة الأغنية في مصر من التدخل لحماية الذوق العام من مثل هذه الأغاني الهابطة التي أصبحت تؤثر في سلوكيات الشباب بعدما كانت