عدة تغييرات سياسية أرضت فصائل غفيرة ، وأغضبت بعض فصائل سياسية أخرى، فبمجرد إعلان السيد الرئيس محمد مرسي إحالة المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة للتقاعد وأيضاً إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي صاغه وأعده المجلس الأعلى للقوات المسلحة يجعلنا نؤكد أننا نعيش في ظل دولة الرئيس . وهذا ليس من باب فتح النار على القرارات نفسها بقدر ما هو حالة من اللغط التي يعيشها المواطن الذي عرف واستمع منذ أسبوع التشكيل الوزاري للحكومة الجديدة برئاسة الدكتور هششام قنديل وفيه المشير طنطاوي وزيراً للدفاع ، وأنا أرفض الإنصات لحديث أهل السوء بأن خروج المشير طنطاوي والفريق عنان من الخدمة العسكرية وإحالتهما للتقاعد هو بمثابة خروج آمن لهما وضمان بعدم المحاسبة القانونية والشعبية لهما ، فالجميع يعترف بدور الرجلين في المرحلة الانتقالية وفي عدم طمعهما في السلطة التي انتقلت بصورة طبيعية إلى رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية مطلقة ودون ممارسة أية ضغوط على تلك الإرادة. ولا أريد أيضاً الاستماع إلى ضرورة إحداث تلك التعديلات كضرورة وقائية للنظام السياسي قبيل الثورة المزمع قيامها في الرابع والعشرين من هذا الشهر ، لأنني باختصار لا أعرف أية ثورة ثانية يتحدث عنها البعض والأولى نفسها لاتزال في مرحلة المخاض المؤجل ، ثانياً لا أفطن حتى الساعة تلك الثورة ضد من ولماذا وما أهدافها المعلنة ومن سيقوم بها. ولا أفضل أيضاً التركيز في تصريحات وتبريكات وتهليلات المنتمين والمشجعين لجماعة الإخوان المسلمين بشأن قرارات الرئيس محمد مرسي لأنه طبيعياً اتخذ هذه القرارات لصالح الوطن وليس إرضاء لجماعة أو فصيل سياسي ديني لا يزال مرفوضاً من قبل الكثير من المصريين ، لاسيما وأن الرئيس هو رئيس لنا جميعاً وليس لقاعدة حزبية أو جماعة دينية وإن كان في الأصل المعلن والخفي منتمياً لها . وربما هذا القرار يأتي من باب القضاء على ما اتفق تسميته بالدولة العميقة وهي النظام السياسي المتغلغل في مصر منذ ستين عاماً وربما تغولت أكثر فأكثر في ظل حكم مبارك ، ولكن هذا لا يجرنا بأي شكل من الأشكال في الحديث عن محاسبة فترة انقالية حفظت للبلاد أمنها واستقرارها الخارجي ، لأن ما أصاب البلاد من تدهور أمني تم على الحدود كان في ظل رئاسة جديدة للجمهورية الثانية وحكومة أتمنى أن تكون رشيدة وهي تستهل عملها لاسيما وأن أمامها ملفات الأمن والاقتصاد والوقود والتعليم والمرافق العامة ، وهي بالقطع ملفات شائكة كفيلة بإسقاط أكبر دولة عميقة. ولكن المدهش أن جملة كبيرة من المصريين خرجوا تهليلاً وتعظيماً لإلغاء الإعلان الدستوري المكمل رغم أنهم في الأساس لم يطلعوا عليه حتى الآن ولكن هم يرونه استكمالاً لمسلسل حكم مبارك في مصر وهو ليس كذلك أيضاً. والأدهش هذا الخروج الحاشد لما سمي بأنصار الرئيس مرسي تأييداً لقراراته وهم بذلك يجعلونه مرشحاً رئاسياً وليس رئيساً ، لأننا اتفقنا ورضينا بالدكتور مرسي أن يحمل أمانة هذا الشعب العظيم ، وأن ثمة خروج كهذا يفصل البلاد إلى طوائف ويقصمه إلى أشطار متناثرة. إنني أطمح أن يقترب الرئيس شيئاً فشيئاً من شعبه وهو يفعل هذا حتى لا ننكر ونجحد ما يقوم به أسبوعياً ، وليت حكومته الرشيدة إن شاء الله تحتذي بنفس النهج والسبيل ، فيسعون إلى معرفة مشكلات المواطن التي هي بالطبع أكبر مائة مرة من إحالة مسئول للتقاعد وأقسم أن مشكلات مصر أكبر من دستورها الذي لا يعني سوى النخبة السياسية المتثاقفة ( نسبة إلى الثقافة) فالمواطن يحلم بطريق تخلو منه البلطجية ، وليت الرئيس لم يعد شعبه بأنه يقود حملات التطهير بنفسه لأسباب تتعلق بحالة الإخفاق التي لا نتمناها إن شاء الله. هذا المواطن البسيط هو رجل يحلم بما وعد به الرئيس في خطة الأيام المائة لا يعبأ إذن بأية مراهنات سياسية ترضي فصيلاً سياسياً بعينه أو تشفي غليل بعض المواطنين ، هو يسعى أى بيت نظيف آمن وكوب مياه نظيف وصحي وكهرباء لا تنقطع ليل نهار ، وجل طموحه أسطوانة بوتوجاز بمنزله .. وإذا كان بعض المحللين السياسيين ذهبوا برأيهم أن تلك القرارات خطوة جادة في القضاء على مفهوم الدولة العميقة فإن هذا ليس معناه أننا نعيش دولة الرئيس الذي يجمع في يديه كافة السلطات والتشريعات وحتى تنفيذ الأحلام ، بل إن مصر حينما انتخبت الدكتور محمد مرسي كانت على علم ودراية بأنها تسير نحو الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وربما تحقيق رفاهية المواطن ، لذا فعلينا أن ننتظر الإصلاحات الحقيقية التي هي أكبر من تغيير قيادة أو استحداث وزارة .