وفعلا في الأعوام السابقة، لكن هذا العام كان الأكثر رسوخا في انتشار الفيروسات، ليسبب فيروس "انفلونزا الخنازير"،هلعا جديدا بعد الهلع السابق الذي لاحقنا بسبب "انفلونزا الطيور"، ومازالت هناك شائعات عن تخليق نوع جديد من الانفلونزا ناتج عن التفاعل بين انفلونزا الطيور والخنازير•اذن ليس غريبا أن يكون هاجس فيروس أنفلونزا الخنازير مرعبا لسكان الأرض هذا العام، ليشغل بال الجميع، ويعكر حياتهم، ويقوّض علاقاتهم الاجتماعية، كأن صراع الإنسان مع الكون اليوم، بات مختصرا في الصراع مع هذا الفيروس الذي يهدد بالقضاء علي ربع سكان الأرض• لكن في صورة أكثر دقة، ومن دون الذهاب بعيدا عن واقعنا الفعلي، لابد من القول: إن انتشار الأوبئة والأمراض ليس مرتهنا بهذه الفيروسات الحديثة، يكفي أن ننظر حولنا إلي أكوام القمامة التي تتجمع في الشارع، ونفكر قليلا في كم الأمراض التي تنقلها الجراثيم والحشرات، بل الهواء الذي تتفاعل معه• هل نحتاج إلي وباء عالمي ليقضي علي المئات، بما أن البيئة من حولنا خصبة لنمو أمراض وفيروسات لا تقل خطورة عن أي فيروس جديد• لكن يبدو وكما لو أن معايشة مشاهد التلوث، والقمامة، والقاذورات المرمية في شوارع القاهرة صارت أمورا لا تزعج أحدا• ليست المشكلة في الفيروسات، بل في ثقافة الفيروسات، لأننا غير محصنين كفاية ضدها، ولا نملك الوعي لمحاربتها، لأنها تحيط بنا من كل اتجاه، وما من أي حل قريب للتطهر من الجراثيم العالقة في الأيدي• يكفي أن نعرف مثلا أن وزير الصحة حاتم الجبلي قام مؤخراً بإغلاق 30 مستشفي خاصة في محافظة الجيزة لوجود مخالفات جسيمة فيها، تخيلوا الرقم معي 30 مستشفي، في محافظة واحدة، والأدهي أنها مستشفيات خاصة، تتقاضي المال من الناس لعلاجهم• من المؤسف جدا أن المستشفيات نفسها التي من المفترض أن تقدم العلاج للناس، تقدم معه الوباء، يكفي النظر إلي ازدحام المرضي بل تكدسهم في قاعات الانتظار، يكفي رؤية الإهمال في دورات المياه،وفي الممرات، وفي أكياس القمامة المركونة في الزوايا،وغيرها ••وغيرها• من هنا لا يجدر بنا مكافحة انتشار انفلونزا الخنازير وغيرها من الانفلونزات قبل وضع اليد علي الأسباب الملغومة التي تحيط بنا وتؤدي لانتشار أمراض لا يعلم سوي الله مدي خطورتها، وإلي أين ستؤدي بنا•