يخشى "الثوار" من مخاطر هائلة كامنة فى نتيجة الانتخابات، ففوز الفريق أحمد شفيق شكل "لطمة" هائلة لقوى الثورة، فهو يؤكد أن النظام السابق الذى خدم فى ظله مازال يتعين تفكيكه، في الوقت الذي يهدد فيه فوز محمد مرسى ب"دكتاتورية" دينية قد تثير الفتنة الطائفية ويصعب التخلص منها ومن آثارها. ويؤمنون إنه من دون "رئيس ثوري" لن يكون هناك تغييراً ثورياً فى مصر، ويرون أن الإنتخابات كانت فرصة حقيقية للشعب لاختيار رئيسة، سيما وأنه خضع على مر التاريخ لحكم "الفراعنة، والسلاطين الملوك وقادة الجيش"، وأن الأمر بلغ درجة أن بعض الناخبين المسنين الذين بلغت أعمارهم حوالى 75 سنة يقولون أن هذه أول مرة فى حياتهم ينتخبون فيها رئيساً لمصر. (1) انتهت الانتخابات الرئاسية فى جولتها الأولى بإعلان الإعادة بين د. محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بنسبة أربعة وعشرين وثمانية من عشرة فى المائة، والفريق د. أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك الأخير، بنسبة ثلاثة وعشرين وسبعة من عشرة بالمائة، مما يبين الغياب التام للرؤية التي يتحدد بناءً عليها اختيار الرئيس. وتمثلت "المفاجأة" غير المحببة في خروج حمدين صباحي المرشح الثوري، ود.عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الإصلاحي ذو المرجعية الإسلامية، وعمرو موسى، الذي على الرغم من أنه محسوب على النظام السابق وذيوله، إلا أن التوقعات كانت تعتبره "المرشح الأقوى"، والحصان الأسود في الحصول على أصوات مؤيدي النظام السابق وأنصار حزبه المنحل. هذه النتيجة المحيرة تضع "الناخب" أمام اختيار صعب، عليه أن يختار بين جمهورية تحكم بالشريعة، وبين دولة ليبرالية أو ديمقراطية موجهة يضمنها الجيش ويقبض بتلابيب السلطة فيها من راء الستار، وما إن كانت جماعة الإخوان المسلمين التي تهيمن على البرلمان، وهي مازالت قوة كبيرة ستقف إلى جانب الجيش الذى حكم البلاد لعقود طويلة، وربما سيواصل حكمه لعقود مقبلة أيضاً..! والسؤال: "هل سيحترم المصريون نتيجة الإنتخابات مهما كانت، ومهما كان رفضهم للرئيس القادم"؟ خاصةً أن هنالك شعور بأن الليبراليين لن يخاطروا بالنزول إلى المظاهرات والتعرض للضرب والقتل لتمهيد الطريق لإنتخاب رئيس من جماعة الإسلام السياسي، وأن الإسلاميين لن يرضوا باختيار شخص من نظام مبارك الفاسد، وأن العديد من المصريين مازالوا يتساءلون عن نوع الدور الذى يخطط المجلس الأعلى للقوات المسلحة للعبه فى الحكومة الجديدة. (2) لقد باتت مصر على شفا حفرة تقترب من الانزواء فيها، والوقوع بين سندان " مرسى " المرشح الإخواني الإسلامي الذي تستطيع حركته السياسية الوصول إلى كل طبقات الشعب المصري في مختلف أماكنها، تستطيع الوصول إلى "الفقراء، الأغنياء، المثقفين، البسطاء، الثوريين، بل وبعض المحسوبين على النظام السابق"، ومطرقة " شفيق " الذي يستند على تأييد كبير من أنصار النظام السابق، وتأييد طوائف دينية، وتأييد من شرائح شعبية تخشى انفلات الأمن، لكنه وصوله لمقعد الرئاسة يجعل كثيرون يرون فيه أن النظام السابق خرج من الباب ثم قفز داخلاً من نافذة شفيق. لقد فجرت الإنتخابات زلزالاً من المفاجآت ضرب جماعة الاخوان فى معاقلها الاستراتيجية، مثل محافظات الشرقية والقليوبية، وهو ما دفعهم للبحث مجدداً عن خطة الاستحواذ على الكرسي بحشد الأنصار، وخطب ود التيارات الإسلامية التي اختلفت معها قبيل الانتخابات. وتفسيراً لهذه النتائج فإن وصول مرشح الإخوان لصدارة المتنافسين يرجع إلى التنظيم الجيد للجماعة والدور الذى لعبته بدقة بالغة خلال وقوفها وراءه، رغم الهزة التي ضربت التنظيم الإخوانى ؛ بسبب أدائها الباهت فى مجلسي الشعب والشورى، فيما استفاد شفيق من مخاوف الانفلات الأمنى، وبحث المواطنين عن شخصية قوية تعيد الاتزان إلى مؤسسة الحكم. استمد مرسي قوته من ماكينة الدفع الإخوانية وقوتها التنظيمية الهائلة وتأثيرها فى الشارع وإن كانت قد فقدت نسبة عشرة بالمائة من قوتها بعد انتخابات مجلس الشعب لضعف أداء نوابها البرلمانى لذا خلا الملعب للفريق أحمد شفيق وتوفرت له الظروف المناسبة والتوقيت الصحيح لاستغلال بعض الملفات المهمة والقضايا الشائكة للتأثير على الناخبين، وتخديرهم و"سلب" الأصوات، فكان الرجل القوى أمام الكثير من المصريين. (3) لكن رئاسة شفيق يهددها احتمال حدوث "سيناريو رعب"، على الرغم أنه من المفروض احترام إرادة الناخب حتى تمر الفترة الانتقالية، وتسليم السلطة، لأن رفض النتائج والنزول للشارع يعني إستمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة، وسوف يسانده الشارع في ذلك، خاصة الكتلة الصامتة، بل قد يصل الأمر إلى مطالبة العسكري بفرض الأحكام العرفية بالفعل، فالقوى السياسية لابد لها من قبول الرئيس القادم مهما كانت ميوله السياسية، إذا كانت جادة في إنهاء الفترة الانتقالية وتسليم العسكري للسلطة. ورغم وجود "شكوك" حول نزاهة الانتخابات في ظل المادة 28 من الإعلان الدستوري، وشكوك تدور حول "أعضاء اللجنة"، لكن علينا قبول الظروف التي تمر بها البلاد، وقبول الرئيس القادم مهما كان اسمه أو لونه السياسي، سيما وأن إجراء الانتخابات جرت في مناخ ديمقراطي نزيه وشفاف بعد التعديلات الأخيرة التي وضعها مجلس الشعب حول قانون الانتخابات الرئاسية، التي قضت بفرز الأصوات في مقار اللجان الفرعية ومراقبتها، ما سمح لمندوبي المرشحين معرفة الأصوات التي حصل عليها موكليهم، وتجميع تلك الأصوات في جميع اللجان ما يمكن المرشح من معرفة ما حصل عليه من نتائج في الصناديق دون الحاجة لإنتظار إعلان لجنة الانتخابات النتائج النهائية. هذا التدبير لا يسمح للجنة الرئاسة إعلان نتائج غير التي حصل عليها المرشحون، ولن تتيح الفرصة لتزوير كما حدث في الانتخابات البرلمانية. لكل هذا فإن الجميع مطالبون باحترام النتائج مهما كانت هوية الرئيس، واحترام القانون وتطبيقه على كل من يخرج إلى الشارع لإحداث الفوضى، وأن "سيناريو الجزائر" الذي يدور في بعض الأذهان لا يمكن تكراره أو إعادة إنتاجه في مصر، لأن طبيعة الشعبين مختلفة، والصراع السياسي الداخلي أيضاً مختلف عما يحدث في الجزائر. (4) لكننا لا نستبعد حدوث أزمات وحرب أهلية حال صدور نتائج الانتخابات النهائية بغير ما يرضى عنه الإسلاميون، ما قد يضطر الجيش لإعلان الأحكام العرفية والانقلاب العسكري، وهو سيناريو يقول الكثيرون أن المجلس العسكري تحسب له لمثل هذا اليوم، وقد يكون الإخوان سبباً في حدوثه. إذن فجميع السيناريوهات محتملة، ومن بينها سيناريو إلغاء الانتخابات في الإعادة أو بعدها بسبب رفض وصول مرشح من ذيول النظام السابق للرئاسة، سيما وأن التشكيك بتزوير الانتخابات بات ممكناً في ظل المادة 28 من الإعلان الدستوري، والتي يرى محللون أن المجلس العسكري وضعها لضمان وصول رئيس للبلاد يرضى عنه.الكلهذا يترقب العالم ووسائل إعلامه الانتخابات الرئاسية، سيما وأن الرأى العام العالمى يميل إلى اعتبار أن "دائرة الثورة" التي ظهرت بداية العام الماضي ستكتمل مع الإنتخابات التي بدت حرة ونزيهة. الإنتخابات التي جرت وإن لم تكن كاملة، لكنها أقرب ما تكون إلى الديمقراطية التي يسعى إليها الشعب منذ عشرات السنين، رغم المصير الذي مازال غامضاً حول من سيكون رئيساً لمصر فى نهاية المطاف، لكنها في كل الأحوال ستحدد مستقبل البلاد على المدى القريب، بل ويمكن أن تحدث تغييراً جذرياً فى الشرق الأوسط، لأن الحكومة الجديدة من المقرر أن تقوم على الأسس التى طالبت بها ثورة الشباب التى أنهت حكم الفرد الواحد بداية العام الماضي.