يمتلئ عالم الفن التشكيلي اللبناني بالكثير من الفنانين الذين تركوا بصمة وصنعوا تاريخا مشرفا لأنفسهم ويأتي من بينهم خليل الصليبي ومصطفى فروخ، وقد بدأت مؤخرا مبادرات لإحياء تراثهما الفني ، حيث سلطت الأضواء على أعمال لم تعرض من قبل، فبينما يجري الإعداد لمتحف دائم للصليبي بالجامعة الأمريكية في بيروت، أقيم معرض لفروخ في جاليري "زمان"، مما يفتح المجال لإعادة أعمالهما للتداول مجددا . تتمثل أهمية الفنّانين في كونهما من ركائز المدرسة الانطباعية التي انتشرت مطلع عشرينيات القرن الماضي، وفتحت لبنان على مجالات فنية متعددة لاحقا، وجذبت معظم العاملين في الفن التشكيلي في تلك الحقبة. وغالبا ما يقسم النقاد الفنيون مرحلة التأسيس لهذه المدرسة بمجموعتين، الأولى ضمت خليل الصليبي وحبيب سرور وداود القرم (خلال حقبة العشرينيات)، بينما ضمت الثانية مصطفى فروخ وعمر الأنسي وقيصر الجميل (في ثلاثينيات القرن الماضي). ومما لاشك فيه أن المجموعة الثانية قد إستفادت من خبرات وتجارب المجموعة الأولى، مباشرة أو تأثرا وتفاعل فنانو المجموعتين، وكذلك المتبعون للانطباعية اللبنانية، مع رواد الانطباعية العالمية التي تركز أبطالها في أوروبا خصوصا في فرنسا أمثال رنوار، ويوجين دولاكروا، وبوفي دوشافان وآخرين. وللصليبي حكايته الخاصة، حيث النشأة الفنية الخالصة والنهاية البائسة على المستوى الشخصي إذ قضى قتلا لخلافات على أمور حياتية ضيقة، لكن حياته كانت سعيدة على مستوى العمل الفني فقد "بدأ الصليبي الرسم منذ صغره بالرصاص والفحم"، وفقا لما يقول نسيبه الدكتور سمير الصليبي الحامل لإرثه بالتوارث. وتابع الصليبي "خليل آثر الرسم على الدروس، فيئس أهله من مستقبله، لكنه أصر على ممارسة هوايته، فكان يرسم ويبيع لوحاته، ويجمع المال منها، فتمكن من السفر إلى الخارج". وقد طغت الروح العاطفة على أعمال الصليبي التي سادت فترة الحداثة الجامعة بين حرية نسبية وخجل موروث، فكانت العيون الحالمة والنظرات الدافئة بارزة في صياغته ل"البورتريه"، وتلازم مع ذلك المشاهد الطبيعية الشبيهة بالانطباعية الغربية. ويستعاد ذكر خليل الصليبي، هذه الأيام، بالمبادرة التي قام بها نسيبه سمير الذي ورث عن والده منزلا ضم ما تبقى من أعمال خليل (30 لوحة)، إضافة إلى أعمال لكبار آخرين أمثال صليبا الدويهي، ومصطفى فروخ، وعمر الأنسي. وعلى صعيد مواز استضاف جاليري "زمان" في بيروت مجموعة للراحل مصطفى فروخ، لم يسبق عرضها من قبل ، تمثلت في 25 "اسكتشا" متنوعا. ومن المعروف أن فروخ من الفنانين الذين برعوا في رسم الوجوه والبورتريهات، ولشدة هوسه بالرسم، كان دائما يحمل دفتره الصغير وقلمه الرصاص، وأينما حل قام برسم وجوه استحوذت على اهتمامه دون أن يشعر صاحبها بذلك وقد بدأت موهبته في الظهور منذ أن كان عمره سبع سنوات، ومارس الرسم في المدرسة والبيت، وكان يرسم كل ما هو حوله". يذكر أن المجموعة المعروضة في جاليري "زمان" رسم فروخ قسما منها عندما كان في رحلة بفلسطين سنة 1929، منها الحاج أمين الحسيني، وأخرى فلسطينية وعراقية، ومجموعة من الموسيقيين خطف صورهم عندما كان يحضر حفلاتهم الموسيقية". رسوم فروخ المعروضة اتسمت بالحركة والتعبير الحي والواقعي، فرسم عازف الكمان وقارع الطبلة وعازف البيانو والموسيقي الأعمى، ويعلق هاني على ذلك أنه "رسم كل ما كان يوحي له بأمر ما مهما كان صغيرا".