أيام قليلة ويمر عام 2011 بكل ما يحمله من أحداث سياسية مرت بها مصر توصف بالمأساوية والحماسية والبطولية فى آن واحد؛ حيث تعود منذ استقباله بحادثة القديسين الشهيرة وغيرها من الاحداث المتتابعة والتى ادت الى انهيار عام 2011 ليصبح عام الحزن والثورة والاستشهاد وها هى مصر تستودعه الآن بالبكاء والانهيار الاقتصادى والاجتماعى والسياسى بالتزامن مع تتداعيات الثورة وكان من هذه الأحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير التى خرج بها المئات وبالتحديد يوم الاحتفال بعيد الشرطة القومى احتجاجاً منهم على سلوكيات الداخلية القهرية التى اختتمت بحادثة شهيد الاسكندرية خالد السعيد وسيد بلال شهيد وضحية واقعة القديسين الشهيرة بالإسكندرية وكذلك المطالبة بإسقاط حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك الذى استمر بحكمه طوال ثلاثين عاماً من خلال مظاهرات ومسيرات جماهيرية معادية للحكومة في يوم اطلق عليه "يوم غضب" بمشاركة آلاف الأشخاص بالقاهرة وعدد من المحافظات استجابة لدعوات نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أدت الى سقوط أربعة قتلى، أحدهم من رجال الأمن في مصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد تصاعد حدة الاحتجاجات التي عمت العديد من محافظات مصر. عام 2011 هو العام الاكثر تكلفة كما وصفته صحيفة "هاف بوست بيزنس" الامريكية بحصيلة خسائر قاربت ال3 تريليونات دولار. فالي جانب الثورات العربية التي اعادت رسم خريطة الشرق الاوسط، والأزمة المالية التي تهدد امريكا وتكاد تعصف بالاتحاد الاوروبي، شهد العام كوارث طبيعية وحروبا وارتفاعا قياسيا في أسعار الذهب والبترول كما يؤكد تقرير لوكالة اسوشيتد برس. ففاجأ عام 2011 العالم كله بربيع عربي اجتز في طريقه ثلاثة أنظمة ديكتاتورية وقاربت فاتورته ال56 مليار دولار طبقا لتقرير نشرته مجموعة جيوبوليستي الاستشارية حول الاثر الاقتصادي للتوترات السياسية في الشرق الاوسط، حوالي 20.6 مليار دولار من هذه الفاتورة مستنزفة من الناتج المحلي لهذه الدول وأكثر من 35مليارت خسائر في أموال ومنشآت الدول، وذلك طبقا لبيانات صندوق النقد الدولي. وبحسب التقرير فقد تصدرت سوريا القائمة برصيد خسائر وصل الي 27.3 مليار دولار مع انخفاض معدل نموها من 5.5% العام الماضي الي 3% فقط هذا العام. ويقول الخبير الاقتصادي "لاسن آشي" من مركز "كارنيجي للدراسات": ان الاقتصاد السوري في وضع سيئ جدا، وهذا الأمر يؤثر علي الذين يعملون في التجارة والصناعة والسياحة، خاصة أن 11% من الأيدي العاملة في سوريا تعمل في قطاع السياحة الذي يمثل 12% من إجمالي الناتج المحلي. وفي المركز الثاني تأتي ليبيا حيث قاربت خسائرها ال15 مليار دولار وذلك بسبب الحرب الاهلية التي تسببت في وقف امدادات البترول التي كانت تمد الاقتصاد الليبي ب40 مليار دولار سنوياً. هذا علاوة علي الفاتورة الباهظة التي تتطلبها عملية اعادة اعمار البلاد والتي قدرها البعض بأكثر من ملياري دولار. وتأتي مصر في المرتبة الثالثة بنزيف خسائر يقارب ال10 مليارات دولار مع تآكل احتياطي النقد الاجنبي بنسبة 40% وارتفاع معدلات التضخم الي 9.1% ومعدلات البطالة الي 12%. وقّدر صندوق النقد معدل نمو مصر لهذا العام ب2.1% فقط بعد 5.1% العام الماضي. وقدرت خسائر السياحة في عشرة أيام فقط بمليار دولار بينما وصلت خسائر قطاعات النقل لي 15 مليون جنيه وانخفض انتاج البلاد من الحديد بنسبة 40% وبلغ عجز الموازنة 8%. ودعا ذلك صحيفة واشنطن بوست الي ان تحذر من شبح الانهيار الذي يهدد الاقتصاد المصري، خاصة ان احتياطي النقد الاجنبي الذي انخفض ل20 مليار دولار بالكاد يكفي لتغطية واردات البلاد لثلاثة أشهر قادمة. وفي اليمن أصابت التوترات السياسية الأنشطة الاقتصادية بالشلل التام خاصة في قطاعي النفط والسياحة لترتفع معدلات البطالة والفقر. وفي المقابل انخفضت قيمة صرف العملة اليمنية ليصل إلي 241 ريالا للدولار الواحد، وترتب علي ذلك ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية ما بين 20 الي 25%. ربما كانت تونس هي الأوفر حظاً بين دول الربيع العربي، فعلي الرغم من ان وزير التنمية احمد نجيب الشابي، قّدر الخسائر الاقتصادية التونسية ب 3.52 مليار دولار، الا ان تقارير صندوق النقد توقعت انطلاقة سريعة لهذا البلد الصغير الذي يبلغ حجم سكانه عشرة ملايين نسمة إذا استقر الموقف السياسي. كما توقع الصندوق أن تحقق تونس نموا اقتصاديا بنسبة 3.9 % بدءا من عام 2012 بفضل قوة الصادرات الصناعية التونسية. وقد كان للثورات أثر في انخفاض معدلات الاستثمار في كامل المنطقة من 20 الي مليار دولار فقط أي بنسبة تصل الي 83% طبقاً لما قاله الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب. لكن النفط كان هو الفائز الاكبر وسط كل هذه الخسائر بعد ان ارتفع سعره لدرجة قياسية تجاوزت ال30% مقارنة بالعام الماضي. وفي النصف الثاني من العام برزت الازمة المالية في اوروبا والتي بدأت بتجاوز ديون بعض الدول حاجز ال 100% من الناتج المحلي الإجمالي ومنها ايرلندا والبرتغال واسبانيا. بل ان بعض الدول تجاوزت ديونها هذا الحد لتصل الي 160% في اليونان و120% في ايطاليا. وقد أخذت الازمة التي بدأت باليونان في التفاقم خصوصاً في ظل التباطؤ الاقتصادي الامريكي الذي كان سببا في تفجير احتجاجات "احتلوا وول ستريت". و قد كشفت المفوضية الأوروبية أن الأزمة المالية العالمية تكبد الاتحاد الأوروبي خسائر تصل إلي نحو 2.5 تريليون دولار أي ثلاثة أضعاف ما ينفقه الاتحاد علي الاقتصاد. وقدّرت مصادر مصرفية خسائر البنوك الأوروبية التي تضمنتها خطة الانقاذ التي أقرتها منطقة اليورو في اتفاقية "إنقاذ اليورو" بنحو 377 مليار دولار. بينما قدرت مصادر أمريكية حاجة البنوك الأوروبية إلي تمويلات بنحو 778 مليار دولار للخروج من الأزمة. يضاف الي هذا الرصيد من الخسائر الفاتورة الباهظة التي دفعها الاتحاد وامريكا لحرب ليبيا والتي تجاوزت المليار دولار نصيب أمريكا منه 896 مليونا حسب ما ذكرت مجلة "فيسكال تايمز" الامريكية. وبعيدا عن السياسة فقد كان للكوارث الطبيعية أيضاً نصيب كبير من النزيف الاقتصادي لهذا العام، حيث اكدت دراسة أعدتها منظمة "سويس راي" ان الكوارث الطبيعية حول العالم تسببت في خسائر اقتصادية تقّدر ب350 مليار دولار وهو رقم وصفته شبكة "يورو نيوز" بالقياسي، خاصة ان الخسائر الناتجة عن كوارث طبيعية العام الماضي لم تتجاوز ال226 مليار دولار.