على أصوات القصف, والدمار الناتج عن الحروب نسجت روايتها "أغنية لمارغريت"في سيمفونية عن الحب والحرب بما تجلبه من هلاك ومشاعر العزلة والفقد والألم, انها تتعامل مع واقعين أحدهما يحكي عن أحداث حرب لبنان مع اسرائيل في " يوليو" 2006, والآخر يروي قصة حياة الكاتبة الفرنسية "مارغريت دوراس" التي جمعتها مع "يان أندريا" علاقة غرامية رغم أنه يصغرها ب ̄ثلاثين عامًا حين كانت في الخامسة والستين من عمرها,انها الروائية اللبنانية "لنا عبد الرحمن" والتي صدر لها قبل روايتها الثالثة هذه, روايتان هما "حدائق السراب", و"تلامس", كما تميزت بقراءاتها النقدية في الرواية العربية, وفي هذا الاطار صدر لها كتاب "شاطئ آخر", بخلاف مجموعتين قصصيتين "أوهام شرقية", "الموتى لا يكذبون", وحول أحدث أعمالها رواية "أغنية لمارغريت" يدور الحوار التالي ل ̄"السياسة" معها: - يبدو أن الذكريات المؤلمة المتعلقة بالحرب في لبنان كانت محفزًا أساسيًا ومادة ممتدة لكتاباتك.. فالى أي مدى أثرت الحرب عليكِ وعلى أعمالك? أنا أنتمي للجيل الذي عانى في طفولته من نتائج الحروب السابقة, التي استمرت حتى أوائل التسعينيات, وقد شكلت تلك الحروب بداخلي من دون وعي أو قصد جزءًا من ذاكرتي, يمكنك أن تقولي أن هذا ليس اختيارًا, وانما هو قدري. كما أننا نكتب عن ذواتنا وواقعنا, فلا يمكننا أن نتحدث عن عالم جميل ووردي وحياة مستقرة ونحن لا نعرف عنها شيئًا, بينما الواقع الذي نعيشه خربا, لذا فالحرب تشكل خلفية لمعظم نصوصي, حتى ان لم يتم التطرق اليها بشكل مباشر, هذا ما يبدو في مجموعتي القصصية "الموتى لا يكذبون", وفي روايتي السابقة "تلامس". ولكن في رواية "أغنية لمارغريت" كنت أكثر اقترابًا من حرب 2006 وعملت على الكتابة عن الحياة حين تصير ركامًا بفعل الحرب, وعن الطفولة العمياء, والموت الذي يصير حدثًا عاديًا لا يستوقف أحدًا. - لماذا اخترت شخصية الكاتبة الفرنسية "مارغريت دوراس" لتكون محورًا لروايتك "أغنية لمارغريت"? لقد كان اختياري لزمن محدد, في حياة "مارغريت دوراس", يتمثل في المرحلة الأخيرة من حياتها, في زمن العلاقة التي جمعتها مع "يان أندريا", وهو كاتب شاب يصغرها بقرابة ثلاثين عامًا, انتقل للحياة معها, حين كانت في ال ̄65 من عمرها, وظل معها حتى وفاتها. ولقد أثارتني تلك العلاقة للبحث فيما وراء الشكل الظاهر والمألوف للعلاقات العاطفية بين المرأة والرجل, فما الذي يمكن أن يجمع شابًا في مقتبل العمر مع امرأة تجاوزت الستين تعيش عزلتها,وقلقها الوجودي المرعب!! وهذا ما حاولت البحث عنه خلال النص. - وصف البعض "زينب" بطلة الرواية في علاقتها بحبيبها "مازن" بالرائقة, وكان ينقصها فقط قليل من التحرر عند كتابة مشاهد الحب, فما رأيك? ربما هذه وجهة نظر, لكني خلال الكتابة تتبعت ما تفرضه علي حالة النص, فجاء على هذا الشكل غير محمل بتفاصيل حسية زائدة عن الحد. - وما سبب اختيارك لتقنيتي الراوي العليم, والرسائل, في كتابة تلك الرواية? "أغنية لمارغريت" نص تجريبي على مستوى المضمون حيث التنقل في الحكي والوصف بين حاضر وماضٍ, ففي الوقت الذي يتناول فيه الزمن الماضي حياة الكاتبة "مارغريت دوراس" في سنواتها الأخيرة, ويقدم مشاهد مفترضة في علاقتها مع "يان أندريا", يقدم أيضا الزمن المعاصر الذي يحكي عن فتاة شابة "زينب" التي تعيش أحداث حرب "يوليو 2006", وتكتب الرسائل لشخص بعيد تحكي له مشاهداتها للحرب وما تفعله في حياتها, وحياة من حولها. ومن هنا كانت الحاجة لتعدد مستويات السرد, فالراوي العليم يكشف ما لا تقوله "زينب" في رسائلها, ويفضح مخاوفها وهواجسها, واضطراباتها النفسية. كما يحكي عن "مارغريت", ويصف يومياتها سواء مع "يان أندريا", أو في عزلتها الخاصة, وتخيلاتها و"هلوستها". - تكرر في الرواية الحديث عن مشاعر العزلة والفقد والخوف والألم, لمَ? كان اختياري للكتابة عن عالم "مارغريت دوراس" في سنواتها الأخيرة, محاولة لتفكيك فعل العزلة, والدخول بعمق الى من يختارها, وهل العزلة هي اختياره فعلا أم مفروضة عليه? ومن هنا تقول "مارغريت" عن نفسها خلال الرواية انها مع أبطال نصوصها لا تكون معزولة, وأن الكتابة فعل حياة, وديمومة استمرار, لكن الحياة تحمل في ثناياها مشاعر الفقد والعزلة والخوف, أليس كذلك? - ولماذا تعمدت اثارة تساؤلات فلسفية عن حقيقة وماهية الحياة والوجود والزمن في الرواية? تلك التساؤلات, كانت تشغلني قبل وأثناء كتابتي للنص, وكان من الطبيعي أن أطرحها عبر ابداعي, وهذا لا يعني أني تخلصت منها, لأن ثمة أسئلة تظل معلقة في الفراغ بلا اجابة. ولكنني على الأقل وصلت لحالة من التصالح معها, بحيث تكون مقبولة كجزء حتمي من الحياة. - الى أي مدى تحمل "زينب" بطلة روايتك ملامحك الخاصة ومشاعرك الداخلية? حاولت في هذا النص ايجاد مسافة بيني وبين البطلة "زينب", على مستوى الشكل والمضمون. أي أنني اشتغلت على نموذج لشخصية بعيدة عني, لكن هذا لا يعني أني لم أُحملها بعض التساؤلات التي تشغلني, ففي كل نص يضع الكاتب شيئًا منه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, وقد يكون هذا الشيء اختيارك لمكان تحبه, أو لنوع الموسيقى, أو القهوة التي يفضلها بطل النص. بين عالمين - قارئ "أغنية لمارغريت" يجد نفسه أمام واقعين, أحدهما: ساخن دامع مرعب وصادم, والثاني حالم آسر, كيف جمعت بين عالم "زينب" وعالم "مارغريت" المتناقضين? لم يكن العالم الواقعي في "أغنية لمارغريت" حالمًا على الاطلاق, لأن البطلة "زينب" تحكي عن الحرب, وتصف وقائع يومياتها خلال الحرب, وهي هنا تبحث عن خصالها عبر الكتابة, فتكتب رسائل الى شخص بعيد ومجهول, كما لو أنها تهرب من خوفها من اقتراب النهاية, دون أن تكون حصلت على اجابات لتساؤلاتها, وليس في هذا نوع من الحلم, أكثر من التمسك بزمن آخر يسمح بالبحث, واكتشاف ذاتها عبر الكتابة والتأمل. - لماذا أنتِ مهمومة بفكرة تحولات الجسد في مجرى الزمن? لأن السيرورة الحتمية للحياة هي في تحولات الجسد, وهنا من الممكن أن نوسع مفهوم الجسد ليكون جسد العالم ككل, فكل ما حولنا عرضة للتحول, ربما لا نلحظ هذا يوميًا من كثرة قربنا من الصورة, الا أن هذا لا يعني أن التحول لا يحدث, بل الأمر الأكيد أننا نتحول بشكل بطيء وحتمي, وأنا مشغولة بفكرة "الجسد" على مستوى تحولاته الكثيرة, وعلاوة على ذلك فنحن اليوم نعيش في ثقافة تقدس الصورة, وتمنح الأولوية للشكل على حساب المضمون, والشكل هنا يعني جسدًا جميلاً, فتيًا, وشابًا. لكن ماذا عن الأجساد التي لا تنطبق عليها معادلة العصر الحديث!! وبالتالي لا يمكننا تجاهل حقيقة أن جسدنا يسير نحو هرمه بشكل طبيعي وحتمي, وانطلاقًا من تقبلنا لهذه الحقيقة تصير رؤيتنا للعالم أكثر اتساعا من فكرة محدودية الجسد المادي. - أيهما أحب الى قلبك: لنا عبد الرحمن "الروائية" أم "الناقدة"? بالنسبة لي أنصت لايقاعي الداخلي أكثر, وهو يدلني لزمن كتابة الابداع أو النقد, أو لكتابة مقالة صحافية, لا يمكن مثلاً استحضار الكتابة الابداعية في كل الأوقات, فأنا قلما أكتب في أشهر الصيف, لذا تكون هذه المساحة الزمنية مخصصة أكثر للقراءة وللكتابة النقدية. عوالم اللامعقول - في روايتك "تلامس" تناولت علاقات مبتورة واقتربت من عوالم اللامعقول, كيف تمكنتِ من اقناع القارئ بها? طرحت في "تلامس" علاقات مبتورة, مشوهة بفعل الحرب التي أدت لكثير من العلل النفسية, فالبطلة "ندى" تخاف أن يكون مصيرها مثل مصير عمتها,مجنونة ونزيلة في مصحة للأمراض العقلية, هذا الهاجس يسيطر عليها طوال النص, مما يجعلها تنزلق أحيانا لنوع من التخيلات والأوهام, كونها تعيش وحيدة. وجاءت هذه المخاوف والتخيلات ضمن النسيج المتكامل للعمل, ربما لهذا السبب تقبلها القراء كأمر من الممكن حدوثه في حالات تشبه حالة ندى, أي أن الجنون, هو نتيجة منطقية جدًا لتسلسل الأحداث, أو كما يقول شكسبير في مسرحية هاملت:"اذا كان هذا جنونًا فان بداخله منهجا". - في كتابك "شاطئ آخر", لماذا ركزت في معالجتك على الروايات التي تحكي عن القمع والاستلاب والهزائم النفسية والسياسية? كتاب "شاطئ آخر" هو أول تجربة نقدية لي في الكتابة, كنت حينها أدرس في السنة الأولى من الدراسات العليا, وكنت منهمكة في قراءة كثير من الروايات, لكن بعد مرور الوقت لاحظت أن هناك خيطًا رفيعًا تشترك فيه هذه النصوص, وهو فكرة الاستلاب والهزائم النفسية والسياسية, سواء بالنسبة للكتاب أو الكاتبات, فالكتاب يتحدثون عن قمع السلطة, والكاتبات عن قمع النظام الأبوي, وكما لو أن هناك تدويرًا للقمع, وهذا ما وضحته في مقدمتي للكتاب. - البعض يدعى أن العمل الصحافي من الممكن أن يؤثر بالسلب على الابداع الأدبي لصاحبه, فما رأيك في ذلك بحكم عملك كصحافية? هذا الكلام صحيح الى حد كبير, ولكن في المقابل أي عمل سيؤثر سلبًا على الابداع, وفي العالم العربي لا يوجد من هو "كاتب" فقط, أي ليس هناك كاتبً متفرغً لابداعه, ويعيش من مردود كتبه.