بالرغم من انتهاجه سياسة الوسطية الاقتصادية لم يفلح محمود محيى الدين مدير البنك الدولى الحالى ووزير الاستثمار المصرى السابق فى أن يدير دفة شئون البلاد بما يحقق النجاح المنشود لتنعكس مردودات الاستثمار على المواطن المصرى مباشرة فى ظل سياسات الحكومة السابقة والتى وازن فيها بين حقائق المكسب والخسارة بقيم التجربة وهو الامر الذى لا يعد مؤشرا لنجاح وزارته فقد اوضحت السياسة الفاشلة للخصخصة ان مصر تدار لصالح الاجانب ورجال الاعمال وليس للمصريين مشروع الصكوك الشعبية اختفي فجأة وسمح للمواطنين بالبيع دون تحديد هوية المشترى.. وبالمقاييس الاقتصادية فإن الاستثمارات التى حققتها وزارته لم تعد بالنفع على المصرى البسيط من خلال السياق التالى نرصد اهم ايجابياته وسلبياته. بتولى محمود محيى الدين وزارة الاستثمار عام 2004 ألقى عليه عبء سياسة الاستثمار، وإدارة الأصول المملوكة للدولة ومن بينها خصخصة الشركات الحكومية وإعادة هيكلتها، والمشروعات المشتركة، والخدمات المالية غير المصرفية، وبفكر يعد مستحدثاً على التفكير الروتينى الحكومى بدأ سياسة خلق الحوار المستمر واللقاءات المتعددة مع الجهات المعنية بالاستثمار التى لم تقتصر على جمعيات المستثمرين واتحاد الصناعات والغرف الصناعية ورجال الأعمال، بل مع جهات أخرى ذات علاقة وثيقة بالاستثمار، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، والاتحاد العام لنقابات مصر، وكذلك مجلس الدولة الذى عقد معه أكثر من لقاء استهدف إصدار تشريعات ولوائح منظمة لعمل الهيئات المختلفة التى تتبع الوزارة. وقام بمقابلات مع رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشورى، والتقى المتخصصين من المستثمرين للتعرف على أهم المشكلات والتصورات المبدئية للحل حتى يتمكن من وضع البرنامج التنفيذى للعمل الذى طلبه رئيس الوزراء، وأخذ على عاتقه مراعاة الشفافية الكاملة، لذلك قرر أنه لن تكون هناك مركزية للإعلام أو الإعلان عن نشاط الاستثمار فى مصر، لكن الشركات القابضة والهيئات التى تتبع الوزير لها كل الحرية فى أن تصدر المعلومات والبيانات المناسبة، وحدد رؤيته الاستثمارية بالتكامل الاقتصادى بين الوزارات المعنية بالاقتصاد فى مصر. ويعد ملف الخصخصة أكثر الملفات سخونة فى الحياة الوزارية لمحمود محيى الدين، فقد ووجه بعاصفة من الغضب والرفض، خاصة ممن عاصروا بناء القطاع العام، اجهدوا فى إيجاده والتخطيط له، واتهم محيى الدين نفسه بأنه من الجيل الذى خرج من غرفة التكييف بقاعات الحزب الوطنى، ومن المراكز البحثية، لا علاقة له بالقطاع العام ولم يدرك ما قدم فى وقت السلم والحرب، ورغم ذلك يتحدث بكل جرأة عن ضرورة الخلاص منه، لكن محيى الدين رأى أن للخصخصة جوانب متعددة وليس جانباً واحداً اقتصادياً فقط كما يظن البعض ممن كان يعتقد أنها تعنى بيع القطاع العام، فهى وسيلة لدفع الاقتصاد إلى الأمام باختيار الأصلح، وكل القواعد الخاصة بالخصخصة ينبغى أن تتفق مع المبدأين اللذين وضعهما الرئيس مبارك وهما الحفاظ على المال العام وحقوق العمال. ويرى محمود محيى الدين أن الداعى إلى الخصخصة الخسائر الكبيرة فى القطاع العام وتغيير السياسات الاقتصادية للدولة والاتجاه نحو القطاع الخاص، وتعظيم دوره ومراقبة القطاع العام كله فى ذلك، فقد كان قطاع الأعمال العام يعادل حوالى 40 % تقريباً من الدخل القومى، لكن الوضع الراهن يفيد بأن الدخل الناتج منه لا يزيد على 70 % ، ومن يعمل فيه لا يزيد عددهم على 1.3 % من القوة العاملة في مصر، فلم يعد قطاع الأعمال العام التابع لوزارة الاستثمار هو المحرك للتنمية، ولا المحرك للنمو الاقتصادى إلا فى بعض القطاعات التى مازال له تأثير فيها مثل المنتجات الاستراتيجية المختلفة الناتجة عن بعض شركات القطاع العام، مثل الألومنيوم والسكر، فالقطاع الخاص فى مصر اتخذ سبيله ليحل محل الجزء الكبير من القطاع العام. هذا مع الوضع فى الاعتبار عدم المساس بالمرافق العامة للدولة مثل الكهرباء والماء. وبنظرة عامة نجد أن عدد الشركات العامة قد تقلص تماماً حيث يبلغ حالياً نحو 156 شركة فقط بعد أن كانت 314 شركة فى بداية التسعينيات بفضل سياسة التفريط فى الشركات العامة التى كان يتبعها كل من د. عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق ووزير قطاع الأعمال العام ود. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال العام السابق ولكن منذ أن تولى محيى الدين مسئولية هذه الشركات لم يرتد ثوب الخصخصة فى عهده سوى عدد محدود من الشركات أبرزها بالطبع شركة عمر أفندى التى أثيرت ضجة كبرى حولها خاصة أن بيعها تم ب 50 % فقط من قيمة أصولها. إلا أن الوضع تغير فى المقابل بالنسبة لحجم الاستثمارات الخاصة المحلية والعربية والأجنبية لدرجة أن القطاع الخاص أصبح يمثل نحو 75 % من الدخل القومى وتدخل سوق الاستثمار المحلىة كل أسبوع نحو 100 شركة على الأقل تعمل فى جميع القطاعات ورغم الحالة الوردية للاستثمار المحلى التى خطط لها محيى الدين فإنه سيظل فى موقف لا يحسد عليه عند النظر إلى العائد الاقتصادى الذى يبشر به محيى الدين فها هو المصرى لا يجد شقة يتزوج بها أو وظيفة يعمل فيها أو المال اللازم للمعيشة وكل هذه مؤشرات حقيقية على تقدم الاقتصاد من عدمه وليست أرقام الوزير التى يعلنها فى كل مكان يذهب إليه، وعلى الرغم من أن محي الدين يعلن عدم الاستثمار الجدى فى ذلك المجال لكن هذا الرد لايقيم حجة لها وزنها عند الشباب الراغبين فى الزواج لذلك كان ينبغى على وزارة الاستثمار تشجيع الاستثمار بكل الوسائل الممكنة فى ذلك المجال، كما أن العدد الهائل من الشركات الذى يؤسس أسبوعياً ويجعله محمود محيى الدين مؤشراً على نجاح وزارته هو فى الحقيقة عدد وهمى، فمعظمها شركات اسمية فقط لا وجود لها على أرض الواقع وإلا لو افترضنا صحة تصريحات الوزير وأنه بالفعل تتأسس 100 شركة أسبوعياً فلماذا حالة البطالة التى تزيد يوماً بعد يوم؟ وهل تعمل هذه الشركات بملائكة من السماء أم يستورد لها عمالاً من الصين؟ ومن بين هذه الأصول التى تم التفريط فيها لأسباب مجهولة بنك الإسكندرية وهو منشأة كانت تعد بالمكسب الكبير بعد تغيير مجلس إدارته حيث تم بيع 08% من أسهم البنك إلى بنك "ساس باولو" الإيطالى مقابل نحو 11.5 مليار جنيه، علماً بأن عملية إعادة هيكلة البنك وإصلاحه وتهيئته للبيع كلفت الحكومة أكثر من 10 مليارات جنيه وهو أمر يدعو للدهشة ويؤكد أن هناك ألغازاً لا تزال تسيطر على الموقف فى عملية إتمام هذه الصفقة المشبوهة. ولا يمكن أن يكون برنامج الخصخصة الذى اتبعته الحكومة منذ حكومة عاطف عبيد مؤسس الخصخصة هو الحل الأمثل لما تعانيه مصانع القطاع العام وإنما الحل فى التدخل الفورى المباشر من المسئولين لمعالجة انحرافات الشركات أو بمعنى أدق مسئوليتها ومتابعة عملها والاهتمام بعمالها وتوسعة نشاطه مما يعيدها إلى الطريق الصحيح وليس بالحل السهل وهو بيعها وليس أدل على ذلك من شركة قها التى تمت خصخصتها عام 1998 لكنها عادت إلى حضن الحكومة وذلك لفشل المستثمر فى استغلال إمكانيات الشركة وإدارتها. وفى اتهام صريح لسياسة الخصخصة بالفشل وعدم مراعاة المستثمرين حقوق العمال أو الحفاظ على نشاط الشركات اتهمت الشركة القومية للتشييد والتعمير رئيس شركة عمر أفندى جميل القنبيط بالسعى لتصفية الشركة، وبيع الفروع استناداً إلى ما ظهر فى القوائم المالية عن المركز المالى حتى 31 مارس 2009، حيث تبين وجود خسائر تؤدى إلى التصفية بلغ مجموعها 532 مليون جنيه. وهذه السياسة الفاشلة للخصخصة هى التى أدت إلى كل تلك المشكلات العمالية مع ما تحمله من شبهات خبيثة تؤكد بعض الاتهامات بأن مصر لا تدار لمصلحة المصريين وإنما لصالح الأجانب، وفئة من رجال الأعمال، وأن الخصخصة لا تميز بين مشروع ناجح وفاشل سواء كان من الممكن أو لا يمكن تحويل الخسارة فيه إلى ربح دون التخلى عن الملكية العامة، وسواء تتعلق أو لم تتعلق بالمصالح الاستراتيجية للدولة، ودون التمييز بين البيع للمصريين والبيع للأجانب.