قضية "الاغتصاب الزوجي" مصطلح تردد مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وظهرت مطالبات بتجريمه، كما ظهر من استنكر مفهومه من الأساس، ورغم حسم الدين لهذه المسألة، فقد أثير الجدل بين عدد من رجال الدين والدعاة المعروفين حول مشروعية قيام الزوج بمعاشرة شريكته دون رضاها. وقال د. عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق، إن مصطلح الاغتصاب الزوجي من المصطلحات الكثيرة الوافدة التي تسللت إلى ثقافتنا وقيمنا، وحلت بأحكامها محل ما جاءت به الشرائع السماوية، ففي بلاد الغرب؛ يمكن للزوجة أن تتقدم شاكية زوجها ومتهمة له باغتصابها لمجرد أنه عاشرها معاشرة الأزواج في وقت لم تكن ترغبُ في المعاشرة، وهنا يحق للقاضي أن يعاقبه غير معتبر لعقد الزواج الذي وقع الفعل تحت مظلته. وأضاف: وإذا كان للغرب أن يفعلوا ما يحلوا لهم، حتى في عقد الزواج نفسه، حيث إنه عقد مدني لا علاقة له بالشرع عندهم، فإنه من التجني على شريعتنا وثقافتنا التسوية بين المعاشرة تحت مظلة عقد مدني لا تعرفه شريعتنا ولا تعترف به، وبين المعاشرة التي يضمنها عقد الزواج في شريعتنا، لما فيه من تعطيل لأثر من آثار عقد الزواج في شريعتنا، والذي بني على المودة والرحمة، ويختلف عقده عن عقود المعاملات المادية الأخرى. وتابع: لذا ذكرنا الخالق عند الإقدام عليه بهذه المعاني الراقية حيث قال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فالمودة والرحمة لا يناسبهما اعتبار فعل من آثار عقدهما جريمة من الجرائم، وكيف يوصف الفعل المباح بالعقد؟ والذي هو أحد مقاصده بوصف مجرم في شريعتنا قبل القانون. وأكد "شومان"، أنه لا يشترط في نكاح الزوجة؛ الرضا، مستدلاً بقول الله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ }. ولفت إلى تساءل حول اشتراط مبدأ الرضا لتحقق اللباس في الأية الكريمة السابقة؛ في آية أخرى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، فهل يرى هؤلاء محذوفًا في الآية تقديره متى رضيت الزوجة؟ واستطرد قائلاً: ولست أدري موقف هؤلاء من قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. وأكمل: وهل علموا أن النشوز منه إعراض الزوجة عن زوجها أو لا؟ فليعلم هؤلاء بقول رسولنا الأكرم في الحديث المتفق عليه: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». وأشار إلى أن العشرة بين الزوجين يجب أن تكون في ظل التراحم ومراعاة كل طرف لحالة شريكه، والتماس العذر له، حيث إن المروءة لا يناسبها أن يكره الرجل زوجته على معاشرته وإن كان حقه؛ لأنه حتى إن فعل، فلن تتحقق له حاجته من الإشباع خلافًا لمباشرة الفعل في وجود الرغبة من الطرفين معًا. وأردف "شومان": المرأة لها كرامتها ومشاعرها، وإن الحرص على صونها واحترام مشاعرها هو الذي يحقق حياة سعيدة، فاحرص على ذلك في أم أولادك فاعذرها بما نقص من حقك لانشغالها ببيتك وأولادك، فليست الحياة كلها متعة جسدية، وتذكر وصية رسولنا بها: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» ولكنني أرفض التمادي مع هؤلاء؛ فأجعل الرضا التام من شروط حل المعاشرة وإلا كانت اغتصابًا. وفي السياق ذاته، قال الداعية الإسلامي؛ د. عبد الله رشدي، إن من مسلمات الدين أن الزوجة التي يطلبها زوجها إلى الفراش لإقامة علاقة حميمة فتمانع بدون عذر شرعي أو مرض حرام شرعًا، وتلعنها الملائكة حتى تُصبح، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها". وتساءل "رشدي" قائلاً: الزوجة التي تأبى على زوجها وتمانع العلاقة الحميمة لأن"معندهاش مزاج"… لو الزوج رفض ذلك وشد عليها ومارس معها العلاقة الحميمة بدون رضاها يقال "اغتصبها"، فماذا نفعل مع هذا الزوج نقتله أم نحبسه؟! وأضاف: لو الزوج أراد مداعبة زوجته ووضع يده عليها ولعب بشعرها وهي رافضة، فهل يعد هذا تحرشًا بالزوجة يوجب العقاب والردع؟ ومن ناحيته، قال الشيخ شوقي عبد اللطيف، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، إن مصطلح "الاغتصاب الزوجي"، ليس من الإسلام، وإنما مصطلح غربي لا يجب الاعتداد به في المجتمعات المسلمة العربية فهو مصطلح دخيل على مجتمعاتنا، موضحًا أن الزوج لو طلب زوجته وهي "على ظهر بعير"، عليها أن تلبي طلب زوجها، ولا يعتبره الإسلام اغتصابًا. وأكد عبد اللطيف، أن الزوجة المطيعة لزوجها مكانها الجنة وفق ما ذُكر في الحديث النبوي، "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"، مضيفًا: وإذا كانت الزوجة متضررة من معاملة زوجها لها من تعنيف أو ضرب فعليها أن تطلب الطلاق. وعلى الجانب الآخر، قال د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ما ورد في بعض الأخبار حول أن المرأة تجبر ولو كانت على ظهر جمل وما إلى ذلك، فإن هذا الكلام غير مسلم به فقهيًا ومطعون فيه، لأن هناك من الآثار الثابتة التي تخالف ذلك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقع أحدكم على زوجته كما يقع البهيمة، فلابد من أن يرسل رسولًا، فقالوا ما الرسول؟ قال: القبلة والكلام الطيب، فلابد من الكلام الطيب الذي يؤنس قلب الزوجة ويجعل العلاقة الحميمية في مشاعر متبادلة بين الزوج والزوجة. ويؤكد "كريمة" أن الإكراه أو الإجبار أو الممارسة في غير ما رسمته الشريعة الإسلامية هو ممنوع شرعًا ويتنافى مع كرامة الآدمي إذ قال تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، مشددًا على أنه في حال امتناع الزوجة عن زوجها بغير عذر، فالزوج عليه أن يعذرها، فإن لم يكن لها أعذار عضوية فقد يكون لها أعذار نفسية ولا يجوز له أن يجبرها على العلاقة الزوجية مؤكدًا أن الإجبار ممنوع قولًا واحدًا. وقالت د. آمنة نصير، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، إنه على الزوجة أن تروض سلوك زوجها غير اللائق، خاصة لو كانت حريصة على استمرارية الحياة الزوجية وبقاء البيت، لافتة إلى أنه لا مانع من أن تتمنع عنه وتبدي غضبها ورفضها له ولتلك المعاملة، وعليها أن تمنع عنه المحبة والحنان إذا استمر في تعنيفه لها، وأن تظهر أنه لا مكان لضرب أو عنف بينهما في الحياة الزوجية. عماد عبد المنعم شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)