التي أعدها المدعي العام للمحكمة زاعماً تورط ميلشيا الجنجويد التي يدعمها حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في ارتكاب جرائم حرب وإبادات جماعية في دارفور. ولم تصدر المحكمة - التي تتخذ لاهاي مقرا لها، وتتكون من ثلاث قاضيات من البرازيل ولتوانيا وغانا، قرارها بعد- حيث لم تتمكن من تحديد موقف قانوني استناداً إلي ما قدم إليها من وثائق ، إلا أن القرار أصبح من المؤكد صدوره خلال الأسابيع القادمة بناءً علي تسريباتٍ أمريكية المصدر .. كما يري دبلوماسيون في الأممالمتحدة أن قضاة المحكمة سيصدرون علي الأرجح قرارا يؤيد إصدار أمر الاعتقال . وتتهم الأوساط السياسية الحكومية في السودان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، الذي طالب في يوليو الماضي بتوقيف البشير لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في دارفور، بتسييس القضية. وتدور حرب أهلية في إقليم دافور ، الواقع غرب السودان ، أوقعت حتي الآن ما يقارب من 300 ألف قتيل بحسب تقارير الأممالمتحدة، ونحو عشرة آلاف أو أقل بحسب الحكومة السودانية . وبدا المشهد ضبابياً بالنسبة للداخل السوداني والخارج ، فعلي مستوي الداخل ، يطمئن الرئيس السوداني ، الذي يتمحور حوله الأمر ، في معظم خطاباته بأنه غير مشغول بأمر هذه المحكمة ولن يتعامل معها ويدعو الشعب إلي نسيان امرها،كما يتعهد بألا يسلم أحداً من أركان نظامه أوأي سوداني للمحكمة التي لم توقع بلاده علي ميثاق تأسيسها . ورغم حالة الترقب، تسير الحياة في السودان بشكل عادي ولا تشعر أن هناك ما ينم عن توتر أو اكتراث حقيقي لما سيستجد علي الساحة السياسية ، وقد يكون هناك بصيص من الأمل الذي يعتقد البعض في وجوده في نهاية النفق تفسيراً لهذه الحالة. ويرجح البعض - وغالباً ممن يؤيدون وجهة النظر الرسمية- ان عواقب القرار ستدمر كل شيء في السودان وستوقف عملية السلام في الجنوب ولن تجد أزمة دارفور خلاصاً قريباً، كما أن العقوبات التي تلوح بها امريكا ستفشل كسابقاتها، وألمح مسئول سوداني بارز إلي اتجاه بلاده للفوضي والتظاهرات والاعتداء علي الأجانب وطرد مسئولي الأممالمتحدة ، لكنه تعهد بالسيطرة علي الوضع . وتراوح المعارضة السودانية بين الرفض التام للتعامل مع قرار المحكمة الجنائية الدولية ، والمطالبة بالقبول بقرارها ، وكانت الأحزاب المعارضة الكبري مثل الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني وحزب الامة الذي يتزعمه الصادق المهدي قد حذرا من خطورة قرار توقيف البشير ، في حال صدوره ، فالصادق المهدي يؤيد الرأي الذي يطالب بضرورة التحرك في مواجهة المحكمة الجنائية وأن يكون هذا علي صعيدين: الأول علي الصعيد الداخلي ، حيث أنه حتي هذه اللحظة لا يجد تحركاً ملموساً ، خاصة أن الرهان هو علي رجل الشارع، وعلي الأحزب السياسية رغم أنها ليست في أفضل أحوالها فبعضها منشق والآخر ضعيف، فالحزب الحاكم في السودان يسيطر علي مقاليد السلطة بقوة وبشراسة..أما علي المستوي الخارجي فإن الدعم العربي دون المستوي المطلوب سياسياً وكذا الدعم الاوروبي ، فإذا كان في ظاهره أنه يدعم السودان إلا أنه في مضمونه ضد السودان العربية الاسلامية ، والإسلام لديها مقابل للإرهاب هذا مأزق حقيقي ..أما الحزب الشيوعي فإن أمينه العام محمد إبراهيم ، انتقد بشكل واضح أي قرار تصدره المحكمة، فيما تعمل منظمات مجتمع مدني محسوبة علي حزبه علي تأييد اي قرار للمحكمة ، وتقول هذا خارج السودان ولا تصرح به داخل السودان ، وهذه كانت إحدي القضايا الخلافية التي برزت داخل المؤتمر العام للحزب الشيوعي حيث تم تحويل موقف الحزب من المحكمة الجنائية الي اللجنة المركزية للحزب. فيما يعلن حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده د. حسن الترابي منذ اللحظة الأولي تأييده لأي قرار تصدره المحكمة ،بل طالب مؤخراً الرئيس البشير بضرورة تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية ليفدي السودان، وهو ما أدي لاعتقاله . تخوف عام بينما الحركة الشعبية التي وقعت اتفاقا مع المؤتمر الوطني واقتسمت بموجبه السلطة والثروة في السودان تتحدث في امر الجنائية الدولية بلسانين الأول داخل السودان مؤكدة رفضها لأي قرار تصدره المحكمة بحق البشير، ولكن هذا الموقف يتبدل عندما يكون بعض قادة الحركة خارج السودان امثال باقان اموم وياسر عرمان وغيرهما ، حيث ينقلب موقفهم إلي الضد. ويبقي - بحسب مراقبين ومتابعين للشأن الداخلي السوداني - السودانيون علي اختلاف توجهاتهم السياسية متخوفون من تداعيات اصدار مذكرة توقيف بحق البشير علي النزاع في دارفور، وفي الوقت الذي يسعي نظام الخرطوم إلي الظهور في مظهر الحريص علي الوحدة الوطنية مع بدء العد العكسي لاحتمال صدور المذكرة ، يري هؤلاء المحللين أن هذه المذكرة تهدد ايضا بتعطيل اتفاق السلام مع جنوب السودان الذي أتاح العام 2005 وضع حد لاطول حرب اهلية في افريقيا، خلفت علي مدي عقدين مئات الآلاف من القتلي وأربعة ملايين نازح. وعلي المستوي الخارجي .. فإن الحرب الإسرائيلية الوحشية علي قطاع غزة وارتكاب جرائم حرب ، وخاصة في ظل تضاؤل فرص ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لمجرمي الحرب الإسرائيليين بدعوي عدم وجود ولاية قانونية علي غزة وأن إسرائيل غير موقعة علي ميثاق المحكمة ، مما أظهر ازدواج المعايير بالنسبة للسودان غير الموقع أيضا علي ميثاق المحكمة ، منح الأمل للبعض بان القرار ربما يتأجل لفترة طويلة، خاصةً ان الصين وروسيا جددتا موقفهما الداعم للسودان مؤخراً، الأمر الذي من شأنه أن يمدد الجدل حول القرار لفترة أخري فيما يتفاعل العالم في الوقت نفسه مع قضية غزة، هذا علي الأقل ما ترجحه بعض التقديرات المتفائلة. سماسرة المحكمة وفي ظل هذه الغيوم ، نشطت مجموعات كبيرة من السماسرة بين المحكمة الجنائية وبعض المنظمات الدولية وبين الحكومة السودانية وظهر هذا واضحاً عندما أعلن د. نافع علي نافع مساعد الرئيس البشير في خطاب جماهيري بمدينة القضارف بشرق السودان بأن بعض المجموعات طرحت علي الحكومة عرضا غريبا وهو عدم ترشيح الرئيس البشير لانتخابات الرئاسة مقابل الغاء اجراءات المحكمة، الأمر الذي يؤكد بان أمر المحكمة الجنائية الدولية هو أمر سياسي مستهدف به النظام السوداني كله في شخص رئيسه ، لأنه في حالة عدم ترشيح البشير لانتخابات الرئاسة سيفوز شخص آخر الامر الذي سيؤدي إلي تغيير النظام برمته. وعلي الرغم من التقديرات المتفائلة ، فإن بعض المراقبين يتوقعون ان الاسابيع القليلة المقبلة ستشهد تسريعا للملاحقة الدولية في مراحلها التمهيدية وقد تحمل مفاجآت دراماتيكية في الملف الدارفوري المعقد اصلاً ، ويعبرون عن اعتقادهم بأن هجمات الفصيل الدارفوري المتشدد ( العدل والمساواة ) هذه الايام يعد جزءا من محاولة استغلال الموقف للتصعيد بكل السبل. وعلي الأرض ، بدأت الحكومة في تكثيف وجودها الأمني في مناطق معينة تحسباً لأي هجوم قد تقدم عليه الحركات المناوئة فور صدور قرار باعتقال البشير ، خاصةً وأن حركة العدل والمساواة والتي توصف بانها الذراع العسكرية لحزب الترابي قيل انها حشدت مئات السيارات العسكرية استعدادا للهجوم علي مدينة الفاشر كبري مدن غرب السودان، وكذلك علي مناطق البترول في كردفان المجاورة لدارفور . والحكومة السودانية تعتقد أن المقصود هو تكرار محاولة غزو العاصمة الوطنية ام درمانوالخرطوم مرة ثانية، ولذلك فقد بدأت في التحرك والحيطة الأمنية تحسباً لذلك، إلي جانب اجراءات أخري أمنية أخري لحماية الاجانب من اعتداءات محتملة من قبل متطرفين . ورددت مصادر سودانية أن هناك قوات من منطقة الدمازين في شرق السودان سوف تلتحق بقوات من حركة العدل والمساواة التي يتزعمها خليل إبراهيم ، مشيرة إلي أنها مدعومة بالقوات التشادية هذه المرة في غرب السودان للهجوم علي مدينة امدرمان مرة اخري ، وبهذا تكون الفوضي التي يرجح المسئولون الرسميون أن امريكا تسعي لاثارتها من خلال المذكرة قد ذهبت أدراج الرياح من خلال الاستعداد العالي الذي أعلنته الحكومة وحشدت له كل كوادرها وامكاناتها الاستخباراتية والعسكرية. مع ذلك ترجح بعض التقديرات حدوث انقسام في الحزب الحاكم نفسه إذا ما صدر القرار ، حيث يدعم الأمريكيون النائب علي عثمان محمد طه رئيسا للسودان ، الذي اكد ان الحزب الحاكم يقف وقفة رجل واحد مع الرئيس البشير ولا مجال لأي اختلاف في هذا الأمر . المواقف الدولية وقالت الولاياتالمتحدةالأمريكية ان "قلقا عميقا" يساورها من تصاعد العنف في دارفور بعد معارك عنيفة بين القوات الحكومية والمتمردين في المهاجرية، وهي بلدة استراتيجية تقع علي بعد 80 كيلومترا من نيالا عاصمة جنوب دارفور. واتهمت سوزان رايس السفيرة الامريكية لدي الأممالمتحدة القوات السودانية بقصف البلدة حتي مع انسحاب قوات المتمردين لمسافة تتراوح بين 50 و60 كيلومترا من المهاجرية واقترحت تحويل المنطقة إلي منطقة منزوعة السلاح يمكن ان تنتشر فيها قوة حفظ سلام تابعة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي المعروفة باسم يوناميد لحماية المدنيين، وهو ما ترفضه الخرطوم. أما الصين فقد أكد رئيسها هو جينتاو مساندة بلاده للسودان ، وتعتبر الخرطوم حليفا اقتصاديا كبيرا لبكين لا سيما في المجال النفطي، اذ استوردت الصين نفطا خاما من السودان قيمته 6.3 مليار دولار في 2008 وقال "هو" إن الصين مستعدة لبذل جهود مشتركة مع السودان لمواصلة صداقتها التقليدية وتعزيز التعاون العملي ودفع التعاون الودي الي مستوي مرتفع جديد"، مضيفا ان "الصين تحترم سيادة السودان ووحدة اراضيه". واشار الرئيس الصيني الي ان بلاده تؤيد ايضا جهود هذا البلد الافريقي لتحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز عملية السلام وتنمية الاقتصاد الوطني وتحسين مستويات معيشة الناس. وفي افريقيا، أكد الزعماء المجتمعون في اديس ابابا خلال قمتهم الثانية عشرة تضامنهم مع البشير في ملف المحكمة الجنائية الدولية واعلنوا رفضهم اصدار مذكرة توقيف بحقه. واعرب الاتحاد الافريقي عن قلقه العميق من طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة لاعتقال الرئيس السوداني، وبعد ان جدد "التزامه الثابت بمكافحة الافلات من من العقاب" ، اكد الاتحاد انه "نظرا للطابع الحساس الذي تتميز به عملية السلام الجارية حاليا في السودان، قد تؤدي المصادقة علي هذا الطلب الي عرقلة المساعي الجارية بشكل خطير". واعتبر مستشار الرئيس السوداني مصطفي عثمان اسماعيل ان " الاتحاد الافريقي اتخذ قبل ذلك موقفا مطالبا بارجاء (البت في التهمة) وسندعم اي قرار يتخذه الاتحاد الافريقي .. كما دعم الاتحاد الافريقي السودان بقوة في السابق نتوقع ذلك الدعم مرة اخري". ويؤكد عبد الله مسار مستشار الرئيس عمر البشير أن السودان لديه اقتناع كامل أن هذه الاتهامات والمحكمة كلاهما سياسي وليس قانونيًا، وكل الادعاءات ليست قائمة علي أن البشير ارتكب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو عدوان في الجنوب وفي دارفورتحديدا ، وإنما لأن السودان كدولة مستهدفة من قبل الدول الكبري وقرار إحالة قضية دارفور كان من مجلس الأمن في منتصف مارس 3991 إلي هذه المحكمة التي نري أنها لا قيمة لها عالميًا، لأنها بعيدة عن الدول الخمس الأعضاء فيها، فهي صوت يوجه إلي الدول الضعيفة والخارجة عن هذا النطاق. إن السودان ليس عضوًا في هذه المحكمة أو من الموقعين عن ميثاقها وغير مصدق عليها، وليست له علاقة بها نهائيًا، وينبغي ألا تحال قضيته إليها، لأنها غير مستندة علي قانون. وعن طريقة التعامل مع الجنائية الدولية يقول " سندي "هناك دول كبري صديقة للسودان، تتحرك في قضيته مثل الصين والاتحاد السوفيتي والمجموعة السبعة والسبعين والمجموعة العربية والاتحاد الإفريقي والمجموعة الإسلامية، وكذا هنالك منظمات شعبية مثل اتحاد العمال السوداني ومعه منظمات أخري في إطار مذكرة، وأؤكد أن الأجدر بهذه المحكمة أن تطلب محاكمة "ايهود أولمرت" مرتكب جرائم الحرب والإبادة الجماعية والاعتداء علي المدنيين العزل وانتهاك حقوق الإنسان كما جري في أحداث مجزرة غزة الأخيرة، والكف عن طلبها ضد البشير، لأنها إذا فعلت هذا وطلبت هي ومدعوها العام أوكامبو محاكمة قادة تل أبيب والجيش الإسرائيلي، ستثبت لنا أن بها عدالة ومحقة فيما تطلب.