روسيا تدعو إلى النظر في إنهاء العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية    الجيش الإسرائيلي يلقي قنابل ضوئية بشكل مكثف شمال مخيم النصيرات وسط غزة    إصابة 30 راكبا جراء مطبات هوائية خلال رحلة من إسبانيا إلى أوروجواي    حملات مكثفة لمتابعة تطبيق غلق المحال التجارية بالبحيرة| صور    كوبا أمريكا.. أوروجواي 0-0 أمريكا.. بنما 0-0 بوليفيا    بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 2 يوليو 2024    رئيس حزب «الغد»: يجب على الحكومة الجديدة إعطاء الأولوية لملفي الصحة والتعليم    العنف في شوارع واشنطن.. 6 حوادث إطلاق نار وطعن تهز العاصمة الأمريكية    برلمانية: تنفيذ توصيات الحوار الوطني أولويات على أجندة الحكومة الجديدة    أحمد حجازي يحسم مصيره مع اتحاد جدة.. ويكشف تفاصيل عرض نيوم السعودي    عصام عبد الفتاح: حالة واحدة تمنع إعادة مباراة بيراميدز والمقاولون في الدوري    مصرع وإصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالأقصر| صور    تفاصيل منح وزير التعليم الدرجة الكاملة للطلاب فى 3 أسئلة بامتحان الفيزياء.. فيديو    تزامنًا مع أولى الجلسات.. اعترافات المتهم بذبح طفل شبرا الخيمة    الفنان أحمد أمين: سعيد جدا إنى أكون رئيس مهرجان نبتة الأول للأطفال    محسن محيي الدين: استمتعت بحياتي بعد اعتزال الفن    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    مخاطر الأجواء الحارة على مرضى الصحة النفسية.. انتكاسة العقل    3 مشروبات عليك تجنبها إذا كنت تعاني من مرض القلب.. أبرزها العصائر المعلبة    حيل ونصائح تساعد على التخلص من النمل في المنزل بفصل الصيف    متى تنتهي أزمة نقص الدواء في مصر؟..البرلمان يجيب    فرنسا تضرب موعدا مع البرتغال في ربع نهائي يورو 2024    الزمالك يتقدم بشكوى رسمية لرابطة الأندية ضد ثروت سويلم    «نيبينزيا» يعطي تلميحا بإمكانية رفع العقوبات عن طالبان    جامعة الأزهر تعلن تسخير جميع الإمكانات لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة    إسرائيل ستنتقل للمرحلة الثالثة من حربها على غزة خلال شهر يوليو    «الأرصاد»: ارتفاع جديد في درجات الحرارة ذروته الخميس وتصل ل45 درجة    قضايا الدولة تهنئ المستشار عبد الراضي بتعيينه رئيسًا لنيابة الإدارية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده وإصابة آخر في انفجار قنبلة بالضفة الغربية    حملات رقابية مكثفة مع بدء تطبيق مواعيد فتح وغلق المحال التجارية بالبحيرة    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    فى ذكرى ميلاده ال«80».. وحيد حامد الذى «كشف المستور»    ماذا طلبت الإعلامية سهير جودة من نقيب المهن التمثيلية بشأن دار المسنين؟ (فيديو)    «زي النهارده».. وفاة السلطان العثماني محمود الثاني 2 يوليو 1893    دولتان تتصدران مشتريات خام الأورال الروسي في يونيو    عبدالله جورج: الزمالك سيحصل على الرخصة الإفريقية    أمين الفتوى يحسم الجدل عن الهدايا بعد فسخ الخطوبة: لا ترد إلا الذهب    النيابة تستعلم عن الحالة الصحية ل 7 أشخاص أصيبوا في سقوط مصعد بالمهندسين    تهانينا للنجاح في امتحانات الدبلومات الفنية لعام 2024    نكبة 30 يونيو.. الحصاد المر والعلاج "الأمرَّ"    موعد الإعلان عن الحكومة الجديدة وأداء اليمين الدستورية.. أحمد موسي يكشف (فيديو)    الوصول ل "زايد والهرم وأكتوبر" في دقائق.. 20 صورة ترصد محور 26 يوليو الجديد    مستشار ترامب السابق يتوجّه إلى السجن لتنفيذ لحكم قضائي    وظائف خالية بهيئة الإسعاف المصرية.. «تفاصيل وطريقة التقديم»    العالم علمين| عمرو الفقي: المهرجانات محرك أساسي لتنشيط السياحة وترويج المدن الجديدة.. وتخصيص 60% من أرباح مهرجان العلمين لفلسطين    تعرف على توقعات برج الثور اليوم 2 يوليو 2024    تنسيق الثانوية 2024.. تعرف على أقسام وطبيعة الدراسة بكلية التربية الموسيقية حلوان    برلماني: المكالمات المزعجة للترويج العقاري أصبحت فجة ونحتاج تنظيمها (فيديو)    فيديو.. الكهرباء: تخفيف الأحمال سيكون جزءا من الماضي    استخراج الجثة السابعة لفتاة إثر انهيار منزل بأسيوط    «ليس بدعة».. نشأت الديهي عن قرار غلق المحلات    التعادل يحسم الوقت الأصلي من مباراة البرتغال وسلوفينيا في يورو 2024    ميدو: الكرة المصرية تستند على لوائح جار عليها الزمن    انطلاق فعاليات المسح الميداني بقرى الدقهلية لاكتشاف حالات الإصابة بالبلهارسيا    أمين الفتوى عن الهدايا بعد فسخ الخطوبة: «لا ترد إلا الذهب»    غدا.. "بيت الزكاة والصدقات" يبدء صرف إعانة يوليو للمستحقين بالجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشابك بين الرواية والصحافة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 05 - 2019

الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.
الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.