قال معهد «بروكنجز»، فى تقرير له، إن عملية وضع الدستور فى مصر أنجزت فى ما يبدو بالتفاف سريع، حيث قام أعضاء الجمعية التأسيسية، التى تواجه تهديدا بحكم قضائى يقضى بحلها، بالتصويت للموافقة على مسودة دستور جديد يوم الخميس. كما كان الرئيس محمد مرسى قد دعا إلى «استفتاء عاجل» من المحتمل أن توافق فيه أغلبية من الناس على الدستور. كما طرح التقرير أسئلة حول ما إذا كانت هذه العملية الخارجة عن نطاق القانون هى التبرير الأخير لإرادة الشعب؟ أم أنها إظهار أحادى الجانب لإرادة الأغلبية وما قد يصاحبها من عواقب خطيرة على التمسك بالمبادئ الدستورية المصرية؟ يتجه المعهد فى تقريره إلى إيضاح أن الجدال الدستورى فى مصر له جذور عميقة فى النظرية الدستورية، فالرئيس مرسى ومؤيدوه يعتمدون على تقليد فكرى فى «عملية صياغة الدستور الرائجة» تعود إلى الثورة الفرنسية، التى ترى أن الأغلبية غير محددة فى قدرتها على صياغة دستور جديد، فى هذا النوع من وضع الدستور بالاعتماد على مبدأ «نحن الأغلبية»، لا يكون للمحاكم أى دور قانونى فى عملية وضع دستور ثورى. حسب تقرير المعهد، تعتمد المحاكم المصرية والمعارضة على تقليد فكرى يعود إلى التاريخ الدستورى الأنجلوأمريكى، وينص هذا المنهج ل«عملية صياغة الدستور القانونية» على أن وضع الدستور لا يجب أن يكون من صنع أغلبية مجردة، لكنها يجب أن تكون عملية توافقية وتداولية بشكل أكبر وتشمل المشاركة من قبل المؤسسات القائمة مسبقا والقانون. وشرح حنا آرندت هذا النهج الفكرى فى عملية وضع الدستور ينبغى أن لا تكون نتاجا لإرادة شعبية متآلفة موحدة للأغلبية، ولكن أن تكون نتاجا عن «الحشد المنظم الذى يمارس صلاحياته وفقا للقانون مقتصرة عليهم». أظهرت دراسة حديثة أن منهج وضع الدستور الرائج هو استراتيجية يفضلها أولئك المهتمون بالإصرار على نفوذ أحادى الجانب. فابتداء من هوجو تشافيز (رئيس فنزويلا) ووصولا إلى بوريس يلتسين (رئيس روسيا السابق)، سعى كل من الأشخاص أصحاب الكاريزما والأحزاب السياسية طويلا إلى استخدام قيادتهم للحصول على أغلبيات الانتخابية لإقصاء المعارضة وتكديس المقاعد الدستورية لصالحهم. وما لا يثير الدهشة أن تلك الإصرارات أحادية الجانب على النفوذ فى عملية وضع الدستور أعاقت فى النهاية التطور الدستورى. أما أولئك الذين اتبعوا الطريقة القانونية والأكثر تداولية كانوا أكثر نجاحا فى بناء ديمقراطية دستورية مستقرة، حيث إن جنوب إفريقيا وبولندا وإسبانيا اتبعوا جميعا هذا النموذج «القانونى» مؤخرا فى وضع الدستور، بالاستفادة الموسعة من الموائد المستديرة، والإشراف القانونى والقضائى القائم بالأساس، لضمان اتباع نهج شامل لوضع الدستور، حسب ما أوضحه التقرير. اختتم المعهد تقريره بأن مصر، حتى وقت قريب، كانت تتبع ذلك الاتجاه القانونى الواعد بالسماح للمحاكم أن تضمن عملية شاملة لوضع الدستور، لكن الإعلان الدستورى الذى أصدرته الرئاسة المصرية -حسب التقرير- لا يجعل من الدستور المصرى الجديد وثيقة للانقسام فحسب، بل أيضا يستبعد ويقوض لاعبا مؤسسيا رئيسيا -وهو المحاكم- فى تطبيق هذه الوثيقة.