يقول رئيس بورصة إسطنبول إن المؤسسة التي يرأسها لم تواكب صعود تركيا في الساحة العالمية، ويريد أن يحول قطاع المال والأعمال في البلاد بحيث يكون متناغما مع خطوات البلاد في المجالات الأخرى. وفي لقاء مع "فاينانشيال تايمز" في مكتبه القريب من المنطقة المالية في إسطنبول، بدا إبراهيم تورهان في بعض الأحيان إنسانا تفيض بداخله الخطط والطموحات. وخلال الأسابيع المقبلة ستعاد تسمية البورصة التي كانت واحدة من أفضل بورصات العالم أداء في العام الماضي، ليصبح اسمها "بورصة إسطنبول"، وهو الاسم الذي يناسب لغات كثيرة، ليس أقلها التركية. وبعد ذلك بفترة قصيرة، وبحلول منتصف العام، يريد تورهان وضع اللمسات الأخيرة لاتفاقية ربط استراتيجية مع شريك أجنبي لم يتم تحديده بعد، وينتقل إلى إدراج السلع، وأن تمضي المشتقات بخطى سريعة. والهدف الأطول أجلا هو طرح البورصة للعامة قبل نهاية 2015. ومع ذلك يكمن تحت هذه الأهداف التي تتحقق واحدا تلو آخر، طموح أكبر. فلدى تركيا معدل منخفض في مجال المدخرات، وقيود جدية على تكوين رأس المال، واحتياجات ضخمة للاستثمار خلال العقد المقبل. وحتى أكبر الشركات لا تزال خاضعة لسيطرة العائلات، وسوق الدين المحلي طويل الأجل تظهر في المشهد ببطء. ومن خلال جعل البورصة أكثر فاعلية في جذب رأس المال، يأمل تورهان أن يعوض المسافة بين أهداف تركيا المتبجحة ومواردها المحدودة. وهذه مسألة تتعلق بالسياسات العليا أيضا. فقد وضِع تورهان في منصبه الحالي منذ ما يزيد على عام فقط من قبل حكومة حريصة على إحداث هزة في ما تعتبرها مؤسسة سيئة الأداء. وبالحكم عليها من خلال مقاييس مثل ثقلها داخل مؤشر "إم إس سي أي" للأسواق الناشئة، فشلت أسواق رأس المال في تركيا، كما يقول تورهان، في الوصول إلى نسبة 1.7 في المائة التي تمثلها تركيا في إجمالي الناتج المحلي العالمي، أو 3.5 في المائة من التجارة العالمية. ويبلغ إجمالي رسملة السوق للشركات المدرجة في البورصة 340 مليار دولار تقريبا، تحقق ثلثها تقريبا من خلال أسهم المصارف. وهذا أقل بشكل ملحوظ من أسواق مثل المكسيك والبرازيل، على الرغم من أن إجمالي الناتج المحلي في تلك الدول يتجاوز أيضا اقتصاد تركيا الذي تقدر قيمته ب800 مليار دولار تقريبا. ويقول تورهان: "في تركيا يوجد تفاوت بين أداء الاقتصاد، والتجارة، والأعمال المصرفية، وأسواق رأس المال. ومهمتنا الآن أن نملأ هذه الفجوة ونعكس قوة الاقتصاد التركي والصناعة التركية". وهدفه هو الوصول إلى رسملة سوقية تبلغ تريليون دولار في الأعوام المقبلة. ويحدد تورهان سريعا الأسباب الأساسية للمشكلة، قائلا: "لا تزال الشركات في تركيا شركات تدار بواسطة عائلات غالبا، ويستغرق الأمر وقتا لإقناعهم بتغيير أساليبهم". وحتى المجموعات المدرجة في بورصته تملك متوسط تداول حر بنسبة 30 في المائة فقط "لا يوجد لدى الشركات التركية أو المستثمرين الأتراك تقليد الاستثمار في أسواق رأس المال على المدى الأطول". لكن التغيرات تحدث خارج حدود البورصة، وتغيِّر الطريقة التي تمارس بها السوق عملها. وقال إن الحكومة التركية تصدر الآن سندات لمدة 30 عاما، وهو نضج لم يكن من الممكن التفكير فيه قبل خمسة أو ستة أعوام فقط. وفي تشرين الثاني (أكتوبر) الماضي، فعلت شركة أنادولو إفيس التركية الشيء نفسه تمثل في إصدار بقيمة 500 مليون دولار يستمر لعشرة أعوام، وهو أول سند من الشركات يحمل تقييما استثماريا في تركيا. وبحسب تورهان: "هذه فقط الخطوات الأولى لهذه السوق. لكنني متأكد من أن الأمور ستستمر في هذا الاتجاه وسنرى قريبا جدا انفجارا في جميع جوانب أسواق رأس المال التركية". ومن زاوية معينة، أصبحت البورصة بالفعل تتسم بالقوة إلى حد ما، إذ قفز المؤشر الرئيس بنسبة 30 في المائة تقريبا في العام الذي انتهى بنهاية كانون الثاني (يناير)، قبل الانزلاق في الأيام الأخيرة. وقال تورهان إنها كانت الأفضل أداء في العالم العام الماضي، بصرف النظر عن فنزويلا. وعلى الرغم من ذلك لا تزال العوائق موجودة. فقد يكون من الصعب «في بعض الأحيان» التنبؤ بتنظيم القطاع. حيث استبدلت الحكومة فجأة رئيس هيئة سوق رأس المال في أواخر العام الماضي. وفي وقت سابق توصلت الهيئة إلى عدد من التغييرات في قواعد إدارة الشركات، أدت بالفعل إلى تهدئة معركة عالمية هدفها السيطرة على "تركسيل"، شركة المحمول التي تعد من أكبر الشركات في البورصة. وفي إشارة إلى بعض العوامل الثقافية، أعرب تورهان عن أمله في أن تفضي "بعض الأسباب الهيكلية إلى أن تدرس الشركات أسواق رأس المال أكثر وأكثر باعتبارها منصة مناسبة للتمويل". ومع وضع مثل هذه التوقعات في الحسبان، زار مع موظفيه مئات عدة من الشركات في العام الماضي لتشجيع حدوث تحول. وقال إنه يتوقع أن يقوم عدد أكبر من الشركات الكبيرة بعمليات طرح عام أولي هذا العام، وأكثر من ذلك في عام 2014. لكنه أضاف: "أنا لا أستخف أيضا بأن أغلب الشركات التركية في الوقت الراهن لديها رأسمال جيد جدا، وتلك التي يلزمها تمويل إضافي لا تشكل حقا أغلبية الشركات التركية". ويظل الجزء المهم في عمله هو التواصل، وبخاصة مع العائلات القلقة من فقدان السيطرة على مجموعاتها لصالح المساهمين الجدد. وقال: "هؤلاء الرفاق لا يخططون لغزو شركاتكم. سيصبحون فقط أولئك الأشخاص الذين تتشاركون معهم في أرباحكم".