لم يكن الحديث معه سهلاً ..فهو رجل الصناعة الغامض الذى حامت حوله العديد من التساؤلات خاصة خلال ال 18 يوماً التي سقطت خلالها امبراطورية مبارك إذ غادر البلاد لأكثر من 5 مرات متجهاً إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من بلدان أوروبا ..أطلق عليه الصناع المصريون مهندس اتفاقية الكويز واعلن مراراً وتكراراً انه اتفاق سياسي لا مانع من تعديله او إلغائه .. إنه جلال الزربة رئيس اتحاد الصناعات المصرية الذي استنكر الهجوم المستمر على القطاع الخاص خصوصاً بعد الثورة،لافتا إلى أن ضعف الدولة الذي بدا مؤخراً ما هو إلا نتيجة طبيعية لضعف الموارد . وقال الزربة في حواره ل"أموال الغد" إن ما يحدث فى حق الصناعة المصرية لا يمكن وصفه إلا بعبارة "فُجراً وتدميراً" ،خاصة أن هناك تشريعات عفى عليها الزمان ومازالت تحكم العلاقة بين منظومة الإنتاج "صاحب العمل والعمال والجهات المختصة"، لافتا إلى أن دور الدولة التى تريد تقدماً لابد أن ينحصر فى الرقابة وليس الإنتاج مادامت اختارت لنفسها الاقتصاد الحر سبيلاً. وأضاف الزربة أن السياسات العامة التى ينتهجها بعض المسئولين اليوم لا تصلح أبداً لقيادة بلد بحجم مصر بمكانتها السياسية والاقتصادية إذ يتبع البعض سياسة "اضرب الكبير حتى يخشاك الصغير" وهذا مبدأ لا يليق أبداً بمصر الثورة على حد تعبيره.. ما ذكرياتك عن ال18 يوماً الأشهر فى تاريخ مصر منذ 25 يناير إلى 11 فبراير؟ الكل يعلم الظروف التي مرت بها مصر خلال تلك الأيام العصيبة خاصة إنه انتابتنا حالة من الفوضى العارمة التى كادت تقضي على كل شيء ، ولكن دعنا نقول ان الصناع المصريين استطاعوا خلال تلك الفترة وما أعقبها من انفلات أمني من توفير السلع الاستهلاكية بالأسواق ومع ذلك كانت الهجمة شرسة على المنتجين المصريين وتم الخلط بين المستثمر الجاد وغير الجاد او السماسرة وتاهت الحقيقة. حامت تساؤلات عديدة خلال تلك الفترة حول مغادرتك البلاد لمرات كثيرة ما تعليقك؟ تلك الفترة كثر الحديث عن أشياء لا حصر لها ولا تعليق .. فمطار القاهرة لم يتوقف لا هو ولا موانئ مصر كلها فهل كل من خرج من مصر أو دخل حامت حوله تساؤلات، والكل يعلم أننا باتحاد الصناعات قمنا بتأمين المبنى والأوراق والمستندات التى كانت بداخل مقره ومقرات الغرف الصناعية خلال تلك الفترة فالامر لا يحتاج مزايدة فمصلحة مصر أكبر من أن نهتم بأشياء تافهة. اذًا ما السر وارء الهجوم على رجال الأعمال بعد الثورة بشكل عام؟ طموحات المنتجين المصريين لا سقف لها لكن الظروف التى يمر بها العالم بشكل عام ومصر بشكل خاص وقفت دون تحقيق المستهدف من تلك الطموحات ،المشكلة ليست مشكلات صناعة بل مشكلة بلد بأكملها ورجال الأعمال الشرفاء يدفعون الثمن على جرائم لم يرتكبوها ويحاسبون بذنب قلة تربحت ؛وليس معنى ذلك أن كل رجال الأعمال فى مصر مدانون، والغريب أن ملف السياسة أصبح هو الشغل الشاغل فى مصر على كافة المستويات وتحولنا الى فقهاء ومحللين دون دراسة ؛ الكل يتحدث فى السياسة وتركوا الاقتصاد ينهار،واذا كنا ضد مصلحة مصر او ندعم الفلول كما يرددون فلماذا وافقنا على كافة مقترحات الحكومة بتفتيش كل الشحنات التى تدخل مصر حتى شحنات المواد الخام ؟ليس هذا فقط بل لماذا تناسى الجميع دور المنتجين المصريين الذين حرصوا على توفير كافة الاحتياجات من السلع الأساسية والاستهلاكية اثناء وبعد الثورة الاسئلة كثيرة والإجابات واحدة هى أن مصلحة مصر فوق الجميع. لكن الهجوم عليك شخصياً لا علاقة له بالثورة خاصة فيما يتعلق باتفاقية الكويز..فما تعليقك؟ بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة المعروف ب الكويز، هو اتفاق سياسي قبل أن يكون اقتصادياً، وإذا رأت الحكومة أن من مصلحة الوطن والأمن القومى إعادة النظر فيه أو إلغائه فليس من حق مجتمع الأعمال الاعتراض على ذلك ، وأكرر أن إلغاء الاتفاق أو استمراره شأن سياسي وليس لنا دخل فيه. لكن الشائع أنك مهندس هذا الاتفاق؟ "مفيش هندسة فى الاقتصاد" .. ولا تعليق. و ما قولك في أن اتفاقية الكويز دمرت الصناعة في مصر؟ صادرات الكويز لا تقل سنوياً عن مليار دولار ..هل هذا ضرر؟ لكن الضرر فى المصانع التى اغلقت ولم تستطع التصدير مثل مصانع الكويز؟ لينضموا الى الاتفاقية اذا كان هذا السبب. كلامكم يدلل على ان هناك سببا آخر؟ نعم الأسباب كثيرة تتعلق بالعمالة والمطالب الفئوية وعدم التحديث فمنذ السبعينيات من القرن الماضى وخسائر قطاع النسيج لا تقل عن مليار جنيه سنوياً وهذا كان قبل الاتفاق "الكويز"، وقد نادينا كثيرا فى اتحاد الصناعات وحذرنا من الفجوة الرهيبة بين سوق العمل والخرجيين والعمالة الفنية المدربة بل وقعنا شوطاً كبيراً فى انشاء مركز التدريب الصناعى وغيرها من المراكز التي من شأنها النهوض بالصناعة المصرية. لكن معظم تلك المراكز كانت طرفاً فى قضايا فساد بعد الثورة مثل مركز تحديث الصناعة؟ المشكلة أن القضايا التي تفجرت بعد الثورة تم تعميمها وسادت حالة من الشك أصابت بعض المراكز الأخرى بالشلل ولم يستطع أى مسئول لفترة اقتربت من العام ونصف العام الموافقة على أية قرارات تخص تطوير الصناعة المصرية أو دعمها بسبب التعميم ؛وهذا جرم كبير فى حق المنتجين. و ما الذي تحتاجه الصناعة المصرية للعودة من جديد؟ لابد من العمل على تشجيع الابتكار والاهتمام بالتعليم الفنى لأنه النواة الرئيسية لضخ عمالة ماهرة إلى سوق العمل وتوسيع قاعدة دعم الصادرات وإعادة هيكلة طريقة الدعم والعمل على زيادة عدد المصدرين، مع إعادة النظر فى التشريعات الحاكمة للعلاقة بين عناصر منظومة الإنتاج "صاحب العمل والعمال والجهات المختصة". أتقصد التشريعات التى ساهمت فى زيادة المطالب الفئوية إن جاز القول؟ لا استطيع تعميم القاعدة هنا، ولكن بشكل عام كيف تسطيع دولة بحجم مصر تحقيق نهضة وتفرض الحكومة على المنتجين صرف علاوة سنوية ثابتة قدرها 7% وعلاوة اجتماعية 15% ويشرع لنا مجلس شعب نصفه من العمال والفلاحين مع كامل الاحترام لهما وقانون عمل وحماية مستهلك تغلفه البيروقراطية وتتحكم فى مصائرنا فصائل انتقامية تنظر الى الخلف وحكومة تطبق فى كثير من الاحيان قاعدة "اضرب الكبير يخشاك الصغير"، وحتى لا نكون قاسين هناك مطالب عمالية مشروعة وليست كل المطالب فئوية لكن الغالبية العظمى منها على باطل. وماذا عن دور الحكومة الإنتاجي والمشاركة مع القطاع الخاص؟ انا ضد مبدأ أن تكون الحكومة منتجة بل يجب عليها أن تقوم بدور الرقيب فقط والمشرع بما يعمل على تسهيل ضخ رؤوس الأموال وعدم تقييدها من خلال التلاعب فى شرائح الدخل أو الضرائب على الأرباح الرأسمالية كما حدث فى المرحلة الأخيرة. إذّا هل رفضتم الضريبة التصاعدية؟ بالطبع لا .. هي من الخطوات التي تمكن الحكومة من تحقيق العدالة الاجتماعية التى نادت بها الثورة ،خاصة أن التزامات الحكومة كبيرة والخدمات أصبحت متدنية لكن ليس بيدها شيء لذلك لابد قبل الحديث عن ضعف دور الدولة يجب أن نراعي ضعف مواردها . ولماذا لم تقدموا للحكومة أفكارا لسد عجز الموازنة الذي يقودنا إلى الاقتراض الخارجي؟ بداية لابد أن نكون واثقين أن ملف الاقتراض من الخارج يعتمد فى الأساس على ثلاثة ملفات رئيسية هى الملف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فقبل الثورة كان الملفان الاقتصادي والاجتماعي على ما يرام لكن الخلل كان فى الملف السياسي اما بعد الثورة فقد انقلبت الموازين وانصلح الملف السياسى نسبياً لكن عاد للارتباك مرة أخرى ،لكن المف الاقتصادي إصابه الجمود ولهذا تتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكننا على أتم الاستعداد للمشاركة الفترة المقبلة. الأزمة الكبيرة الثانية هي الدستور ما موقفكم منه ؟ أزمة الدستور هى أزمة مصطنعة ولا تعليق عليها .. إلا إننا قدمنا مقترحاتنا الاقتصادية كاتحاد صناعات فبالنسبة لما يتعلق بهوية النظام الاقتصادى والمنهج والمقومات الاقتصادية، أكدنا أن النظام الاقتصادي فى مصر يهدف إلى تحقيق النمو المتوازن المستدام والعدالة الاجتماعية، والرخاء الاقتصادي والاجتماعي لجميع المصريين ويعتمد فى تحقيق هذه الأهداف على آليات السوق المنضبطة، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، وضمان تكافؤ الفرص والمشاركة فى عوائد التنمية. وطالبنا فى المادة "123" أن تكون الموارد الطبيعية والثروات المعدنية بجميع أشكالها ملكاً للدولة، وهى التى تكفل استغلالها لصالح المجتمع وحماية البيئة، بشكل يتسم بالشفافية وإتاحة الفرص بشكل متساوٍ أمام الجميع، وبشكل يراعي الاحتياجات الحالية وحقوق الأجيال القادمة، علما بأن القانون يحدد القواعد والإجراءات المنظمة لذلك. وفيما يتعلق بالأراضى، يقترح الاتحاد إضافة مادة أخرى جديدة، وهى أن يتم إنشاء مجلس أعلى يمثل فيه جميع الجهات ذات الصلة بأراضى الدولة، ويحدد اختصاصاته القانون ويكون له الاستقلالية ويختص بتحديد وتخطيط أراضى الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والأمن القومى، وأن يكون له الحق فى تخصيص الأراضى وتخطيطها الإقليمى والعمرانى والزراعى والإنتاجى والتعدينى والسياحى، واستغلالها والتنازل عن حقوقها لأجهزة الدولة المعنية، كما ينظم القانون الشروط والحالات الخاصة لتلبية احتياجات القوات المسلحة فى حالة الحرب أو التعبئة، أو من أجل مواجهة حالات طارئة قد تعرض النظام العام أو الصحة العامة للخطر. وإذا وجهت رسالة للدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء فماذا تقول لها؟ باختصار أقول له ولوزير الصناعة مصر تفتقد السياسات الواضحة فى تخصيص الأراضي ولا توجد منظومة واضحة للطاقة وتحتاج الصناعة إلى أراضى مرفقة ، وأخيراً أى مشروع على وجه الأرض يقاس بمدى ربحيته والعائد الاجتماعي منه حتى مشروع بناء الدولة.