ناقشت ويسترن يونيون، الشركة الرائدة في قطاع خدمات تحويل الأموال والسداد على مستوى العالم ورمزها في بورصة نيويورك WU، خلال مؤتمر عقد مبكراً اليوم أثر الثورات العربية على التحويلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تم تسليط الأضواء على أهمية التدفقات المالية الآتية من الحوالات والهجرة في دعم النمو والأداء الاقتصادي لبلدان المنطقة. ولا شك أن الثورات في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط تضم بلدان تشكل مصدراً للعمالة، وهي البلدان المتلقية للحوالات، وأخرى تمثل الوجهة، أي البلدان المرسلة، قد أثرت على العديد من اقتصاداتها. وفي تعليق له، قال جان كلود فرح، النائب الأول لرئيس ويسترن يونيون للشرق الأوسط وأفريقيا: "برغم اندلاع الثورات، إلا أن معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يسير بخطى جيدة. إن تغير الهياكل السياسية والاقتصادية للعديد من البلدان قد أثمر عن فرص جديدة. فالآفاق الاقتصادية في المنطقة بالكامل قد تحسنت العام الماضي برغم هذه الأوضاع، حيث عاودت رؤوس الأموال تدفقها مرة أخرى، وارتفعت أسعار النفط الخام، وازداد معدل الاستهلاك على المستوى الداخلي بصورة كبيرة. كما أصبحت بلدان مجلس التعاون الخليجي الوجهات المفضلة للمهاجرين الجدد، وبدأنا نشهد زيادة في عدد العمالة العربية القادمة من بلدان مثل اليمن ومصر. وفيما واجهت المنطقة فترة من حالة عدم الاستقرار ، شهدت بلدان مجلس التعاون الخليجي نشاط اقتصادي قوي خلال تلك الفترة". في عام 2011، نمت تدفقات الحوالات إلى بلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا 2.6%، وهو المعدل الذي يعد الأبطىء بين جميع المناطق المتقدمة نظراً لحالة الغموض وعدم الاستقرار المدني التي فجرتها الثورات العربية، ومن الملاحظ أن ما يزيد على 25% من الحوالات الواردة إلى بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينبع من بلدان مجلس التعاون الخليجي. وخلال المؤتمر، تم تقديم دراسة تحت عنوان "الآثار الاقتصادية للثورات العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" أجراها الأستاذ الدكتور أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة تحت رعاية ويسترن يونيون. وتسلط هذه الدراسة التي ساعدت في إجراءها كل من هبة الدقن، وهي خبيرة اقتصادية بارزة في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وأسماء عزت، مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تسلط الأضواء على التشعبات الاقتصادية للثورات، وتقدم كذلك عدة تحاليل وتوصيات سياسية لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي تعليق له على الدراسة، قال فرح: "باعتبارنا رواد على المستويين الإقليمي والعالمي في خدمات تحويل الأموال والحلول، فقد شعرنا بالحاجة الماسة إلى تكوين فهم أعمق للاقتصادات الإقليمية واحتياجات عملائنا الذين يشكلون أساس عملنا. وتأتي هذه الدراسة في إطار جهودنا البحثية المستمرة حتى نفهم الأسواق التي نعمل داخلها بصورة أفضل. إن الموضوعات التي تناولتها الدراسة، سواء السوق الإقليمية والبلدان التي تتلقى الحوالات أو ترسلها، أو تلك التي تعد مصدراً أو وجهة للعمالة، أو حالة الاقتصاد العامة وأداء الاقتصادات في أعقاب الثورات، تشكل لدينا أهمية بالغة في وضع إستراتيجيات العمل واتخاذ القرارات". قسم الدكتور غنيم اقتصادات بلدان المنطقة إلى أربع مجموعات رئيسية استناداً إلى خصائصها الاقتصادية. الأولى، وهي البلدان التي تعتمد على النفط أو الغاز الطبيعي، وتتمثل في بلدان مجلس التعاون الخليجي الست وليبيا. والثانية، البلدان التي تصدر النفط أو الغاز الطبيعي، بيد أن اقتصاداتها متنوعة، مثل مصر وسوريا. والثالثة، وهي البلدان التي لا تنتج النفط، ولكن لديها اقتصادات متنوعة، مثل المغرب وتونس ولبنان والأردن، أما الرابعة فهي البلدان التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على صادرات النفط أو الغاز الطبيعي وخاضت نزاعات محلية أو تعاني من انخفاض في معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد، مثل الجزائر والسودان والعراق واليمن وفلسطين. وأشارت الدراسة إلى أن الثورات والتراجع السياسي والاقتصادي في المنطقة قد جعلاها محل اهتمام المجتمع الدولي، فيما أوضحت أن المجموعات الأربع تختلف كثيراً في عدة جوانب، منها الهياكل الاقتصادية وأعداد السكان والأطر السياسية والمؤسسية، ولذلك فقد تباين أثر الثورات فيها. وتناولت الدراسة الظروف المختلفة ومدى إمكانية تأثيرها على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التأكيد على تأثير هذه الاضطرابات على أسواق العمل والهجرة والحوالات، كذلك القطاع المالي الذي تختلف طبيعته في كل مجموعة وتتباين الآثار الواقعة عليه. وتواجه أسواق العمل في البلدان التي قامت فيها الثورات اختلالات كبيرة، حيث ازدادت معدلات البطالة، وتفاقمت في بعض الحالات بعودة الكثير من المهاجرين من البلدان التي شهدت هذه الثورات. وقد أثر ارتفاع أسعار النفط سلباً على البلدان العربية المستوردة للنفط، خاصة ميزان المدفوعات فيها والعجز في موازنات الحكومات، الأمر الذي أثر بدوره على تدفق الحوالات إلى بعض بلدان المنطقة، مثل مصر وتونس، وفاقم في ذات الوقت من مشكلة البطالة. ومن المتوقع أن تواجه بلدان أخرى في المنطقة، مثل الأردن ولبنان، مشاكل مماثلة، ولكن في حدود أقل. وتأثرت البلدان التي لم تعاني من اضطرابات اجتماعية وسياسية جراء زيادة أسعار النفط وضغوط التضخم وزيادة عجز الموازنة في استيعاب ارتفاع الإنفاق الاجتماعي ودعم الغذاء والنفط. وتتسم التنبؤات المتعلقة بالأداء الاقتصادي والآفاق الاقتصادية لبلدان مجلس التعاون الخليجي بأنها الأفضل، وآثارها ستكون إيجابية على تدفق التحويلات إلى البلدان المُصدرة للمهاجرين، وقد تضطلع بدورٍ هام في التخفيف من الضغوط التي تتعرض إليها أسعار تحويل عملاتها المحلية. تمت المحافظة على تدفقات الهجرة والتحويلات من بلدان مجلس التعاون الخليجي بصورة كبيرة، وذلك على ضوء الخطط التوسيعة للإنفاق الاجتماعي والاستثمار. سجلت مصر، التي يزيد عدد المهاجرين منها إلى البلدان الأجنبية على 3.7 مليون شخص، أعلى نسبة في تدفقات الحوالات الواردة إليها خلال عام 2010، حيث بلغ إجمالي قيمتها 7.7 مليار دولار أمريكي، وهكذا تأتي مصر في المرتبة الثانية بعد لبنان الذي بلغت قيمة التحويلات الواردة إليه 8.2 مليار دولار أمريكي. وتعتبر المملكة العربية السعودية والأردن وليبيا أفضل الوجهات للمهاجرين المصريين، فيما بلغت قيمة الحوالات التي أرسلها المصريون العاملون من ليبيا إلى مصر 1.5 مليار جنيه مصري (ناصر، 2011). وبرغم ذلك ونظراً لحالة عدم الاستقرار، عاد إلى مصر ما يزيد على 104,000 مصري ، الأمر الذي أسفر عن نتائج جسيمة على مستوى تدفق الحوالات الواردة والبطالة في الداخل. وكانت البطالة أحد العوامل الرئيسة التي أشعلت فتيل الثورات في مصر وتونس، وما زالت حتى الآن تمثل مشكلة كبرى في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاسيما تلك التي لا تنتمي إلى مجلس التعاون الخليجي، حيث تحمل هذه المشكلة في طياتها تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية، فقد ارتفع معدل البطالة في مصر إلى 11.9% خلال الربع الأول من عام 2011، مقارنة بنسبة 8.9% خلال الربع الرابع من عام 2010 و9.1% خلال الربع الأول من نفس العام، حيث فقد 650,000 عامل وظائفهم (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الاستقصاء المعني بالقوى العاملة، مايو 2011). واختتم الدكتور غنيم الدراسة بتسليط الأضواء على عناصر محددة ينبغي أن تأخذ في الاعتبار عند مناقشة الآفاق الاقتصادية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبرغم تناولها على أنها كيان واحدة، إلا أنه ينبغي النظر إلى كل بلد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة مستقلة، مع التركيز على تحديد الخصائص النوعية لكل منطقة فرعية وكل بلد على حدة. وقد تؤثر الجوانب الاجتماعية في صياغة سياسات الحكومات في جميع بلدان المنطقة خلال الأعوام المقبلة، وقد أنبأت الثورات العربية أن تلك الجوانب، خاصةً البطالة، كانت مهمة للحكومات في المنطقة، بما في ذلك بلدان مجلس التعاون الخليجي. ومن منظور اقتصادي، ينطوي ذلك على زيادة الإنفاق العام على الجوانب الاجتماعية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة، وإبداء المزيد من الاهتمام بنوعية النمو بدلاً من مجرد التركيز على معدله. كما ينبغي أن تخضع القطاعات المالية إلى تدابير إصلاحية قوية، مع التركيز على تحسين أساليب إدارة المخاطر وتنويعها وتعزيز الائتمان الممنوح لمؤسسات الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم. واقترحت الدراسة قيام بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتعزيز آليات الحوكمة الرشيدة، فكثير من المشكلات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها في السنوات العشر الماضية وقعت نتيجة لغياب الشفافية والمحاسبة. وقالت ان تلك البلدان تحتاج إلى مراجعة منظومة التنمية لديها، وينبغي أن تظل السياسات النقدية والمالية هادفة إلى تنظيم الوظائف الأساسية للاقتصادات، إلا أنها ينبغي أن تركز على النمو الشامل الذي يضع البطالة ضمن أولوياته، كذلك توزيع الدخل والحد من أعداد الفقراء، واشتمال الاعتبارات الاجتماعية أيضاً. كما اقترحت بناء و/أو إصلاح مؤسسات السوق الحرة، واعتبار ذلك أولوية لأهميتها في هذه المرحلة الحاسمة. من المتوقع أن يرتفع التضخم كثيراً في جميع بلدان المنطقة، ولن تكون السياسة النقدية وحدها ذات جدوى في مواجهة ضغوط التضخم. ومن الأسباب الرئيسة للتضخم في اقتصادات المنطقة الممارسات المناهضة للتنافسية، وهو ما ساد لأوقات طويلة في عدة قطاعات اقتصادية دون أن تبذل حكومات المنطقة محاولات جادة للتعامل مع هذه القضية. اضافت انه ينبغي على الدول المتلقية للتحويلات أن تضع سياسات محددة بشأن تلك التحويلات، إذ لم تستخدم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التحويلات بشكل جيد لتمويل الاستثمارات الإنتاجية. إن أهمية التحويلات باعتبارها أحد أكثر مصادر العملات الأجنبية مرونة تشير إلى أنها تستحوذ على اهتمام أكبر من جانب واضعي السياسات، لاسيما في ظل الظروف التي تواجهها بلدان المنطقة حاليًا. ويعد تحديد مشاريع تنموية واستثمارية معينة للعمال المغتربين والمهاجرين إحدى وسائل استقطاب التحويلات، ويجب أن يتم تصميم هذه السياسة وترويجها بعناية فائقة. وطالبت بضرورة إدخال إصلاحات جادة وسريعة إلى القطاع المالي في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى يتمكن من تحقيق عدة أهداف، منها تسهيل الحصول على الائتمان لمؤسسات الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم، إذ أنها تسهم بصورة كبيرة في خلق الوظائف، كذلك معالجة قضية القروض المتعثرة التي تمثل مشكلة كبرى في المنطقة. ويعاني القطاع المالي في عدة بلدان بالمنطقة من عدم كفاية التنمية، حيث أن المصارف هي التي تسهم بالدور الرئيسي في التمويل، ومن الضروري استحداث مصادر أخرى للتمويل وتنويع المخاطر وتعزيز أساليب إدارتها