عقب مرور عام كامل على الثورة، باتت الصورة السياسية غير واضحة تمامًا، تزامنًا مع حملات التشكيك والتخوين، التي تتعرض لها كافة القوى السياسية المصرية.. تلك الحملات التي لم يسلم منها أحد، حتى مرشحو الرئاسة أنفسهم، وكافة الأحزاب والتيارات، وأعضاء البرلمان الجديد.. كان لحزب "الوفد" النصيب الأكبر من تلك الحملات، باعتباره أقدم الأحزاب السياسية على الساحة الآن.. أثيرت علامات استفهام كثيرة حول طبيعة العلاقة بينه وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبين جماعة الإخوان المسلمين أيضًا، وأشارت إليه أصابع الإتهام بأنه "باع الثورة" وغيرها من الاتهامات.. "أموال الغد" حاولت في حوارها مع الدكتورة كاميليا شكري، نائب رئيس الحزب، وعميد معهد الدراسات السياسية، تحليل الوضع السياسي الراهن، وسط جملة المشكلات والضغوط الحالية، التي جعلت الساحة السياسية المصرية تتحور وتتبدل لتصبح أقرب منها إلى العشوائية وعدم الاتزان، بما يسهم بدوره في ضياع مكتسبات الثورة. الثورة لم تتحوّر دار الحديث معها حول عدة عناصر أساسية، أولهم وضع الثورة الآن، وهل ما إن تحوّرت وغيّرت مسارها أم لا، إذ أكدت أن الثورة حققت كثير من الإنجازات، إلا أن هناك عوامل سلبية كثيرة، أبرزها تردي الأوضاع الإقتصادية، وزيادة المطالب الفئوية، لكن كلها أمور طبيعية عقب الثورات. تابعت "أكثر ما يضر الموقف الآن هو التباطئ في المحاكمات، وبخلاف هذا فإن كافة الأمور طبيعية، فدولة مثل فرنسا ظلت أكثر من 15 سنة في حالة عدم استقرار عقب الثورة ونحن أفضل بكثير منها". وبالنسبة للمظاهرات والاحتجاجات المتكررة من آن لآخر، اعتبرتها شكري ذات جدوى وأهمية، فالثورة مستمرة ولابد أن يكون هناك وقفة لتصحيح المسار كل فترة. حذرت من فلول الحزب الوطني البائد، وتأثيرهم الخطير على الثورة، قائلة "إن النظام السابق كان عتيًا في الفساد والإجرام، وكان تأثيره على الشارع المصري أسوأ وأشد من تأثير "الإحتلال" نفسه، فأثناء فترة الاحتلال ظهر بمصر مثقفين وعلماء نشروا العلم وأضافوا له المزيد من الخبرات التي سطرت اسم مصر في التاريخ، لكن ارتبط عصر مبارك بالجهل والتخلف والفقر، ولم يكن لديه رغبة حقيقية سوى يف توريث الحكم لنجله الذي أخبترته أمريكا أن الشارع المصري يلفظه، قال إنه لا يعبأ بذلك، وأن أهم شئ لديه هو رضا الولاياتالمتحدةالأمريكية وحليفتها اسرائيل.. ولذا فإن بقايا هذا النظام مازالت موجودة ومتشعبة بكافة المؤسسات في الدولة". انتفاضة أما عن المحور الثاني، فتحدثت كاميليا عن وضع المجلس العسكري، ودوره خلال العام الماضي، قائلة "الجيش حمى الثورة لحدود، لكنه حولها من ثورة لإنتفاضة، خاصة أنها لو كانت ثورة لظهرت محاكمات ثورية لأنصار النظام السابق، وظهرت عدالة ثورية، فلا يجوز محاكمة النظام السابق على خطايا التربح وإهدار المال العام دون الالتفات لحالة المصريين وشكل مصر التي أسهم في تدميرها بشكل عام، كما دمر الإنسان المصري وأعلى من قيمة البلطجة". تابعت "الجيش ظن أنه يستطيع أن يُحور الثورة لكن وقفات الشباب وجملة المظاهرات وموقف مجلس الشعب يعني كل ذلك أنه لن يستطيع أن يفعل هذا التحوير.. وكون أن المجلس العسكري يفكر في "الخروج الآمن من السلطة" فهو يعرف تمامًا أنه أخطأ". أشارت أن الجيش في عهد النظام السابق كان دولة ممنهجة، وشعر الآن أن تلك المزايا التي أعطاها له الرئيس السابق سوف تسلب منه، ولذا يسعى بكل قوة للمحافظة على وضعه، خاصة أنه كان يمتلك سلطة قوية، ومزايا مادية، فلديه مشروعات مدنية كبيرة، تمثل ربع الإقتصاد المصري، وهو ما رفضه الكثير من المواطنين. ذكاء الإخوان تطرق الحديث لوضع البرلمان الجديد، ودور الأغلبية الإسلامية وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فأوضحت أن الشرعية الآن مع الميدان، لأنه لو لم يتم تنفيذ رغبات الميدان سيحدث صدام قوي يصب في مصلحة الشارع، الذي سينتفض ضد مجلس الشعب، داعية في الوقت ذاته الثوار أن ينقوا أنفسهم من البلطجية. وعن إمكانية الصدام بين البرلمان والميدان، قالت "في تقديري فإن الإخوان أو حزب الحرية والعدالة لديهم من الزكاء السياسي ما يجعلهم يبتعدون عن أي صدام بينهم وبين الشارع، وأن يتخطوا تلك المرحلة قدر المستطاع، خاصة أن أي صدام يفقدهم الكثير من شرعيتهم". تابعت "أعقتد أن الاخوان لديهم من الزكاء السياسي ما يجعلهم يعرفون وضعهم الآن، خاصة أن هناك شرعية أخرى قوية وهي "شرعية الميدان" التي ستقف ضد طموحاتهم أو أي محاولة لتكرار تجربة الحزب الوطني القمعية أو الديكتاتورية، نافية في الوقت ذاته إمكانية أن يكون الإخوان شبيهًا للنظام السابق، فالنظام السابق قام بتقزيم مصر وتعاون مع اسرائيل والولاياتالمتحدةالامريكية ضد رغبات المصريين جميعهم. نوهت شكري أن المحك الرئيس للاخوان المسلمين هي الناحية الاقتصادية، التي لو استطاعوا أن يحققوا الرخاء للمواطنين سوف يحافظاو على مكانتهم السياسية، والتي سعوا إليها منذ عام 1928.. قائلة "إنهم لم يعلنوا حتى الآن عن خططهم وبرامجهم الاقتصادية لأنهم لا يمتلكون تلك الخطط، وسوف يستعينوا بخطط وبرامج الأحزاب الأخرى، مثل الوفد". الوفد .. 24 عاما "جهاد بالكلمة" ! أما عن حزب الوفد، أكدت أنه منذ أن أعيد تشكيله منذ 24 سنة، أسهم في الحياة السياسية بشكل عملي، جعل الجميع يتوقع حصوله على النسبة الأكبر جنبًا إلى جنب مع الإخوان المسلمين في انتخابات برلمان الثورة، وكانت استطلاعات الرأي جميعها تضع الوفد في المقدمة مع حزب الحرية والعدالة، ويأتي حزب النور السلفي خلفًا له، إلا أننا تعرضنا لحملات تشويه مُمنهجة، أثرت علينا عقب الثورة بشكل كبير. تباعت "كان كفاح حزب الوفد طيلة عهد الرئيس السابق حسني مبارك كفاحًا بالكلمة، فنحن لا ندعي أبدًا أننا اعتقلنا أو تم سجننا أو ما إلى ذلك، وتنبهنا لضرورة التوسع وإعادة شعبية الوفد مرة أخرة داخل الشارع المصري، ولذا قمنا بافتتاح مجموعة من المقرارت على مستوى الجمهورية، ونظمنا الكثير من الندوات والمؤتمرات في محاولة لجذب أكبر عدد ممكن من المؤيدين خلال تلك الفترة، وكنا نتوقع أن نجني ثمار تلك الخطوات عقب الثورة، وأن يحتل الوفد شعبية الحزب الوطني السابق بعد سقوطه، إلا أن نتائج الانتخابات البرلمانية كانت بمثابة صدمة قوية لنا". نوهت أن الإنتخابات البرلمانية دلت أن الشعب كان يريد التغيير، بدليل أن جميع الناخبين كان لديهم رغبة جامحة في إنتخاب من لا يتبع سُبل فساد أو ديكتاتورية تعيد لأذهانه عهد النظام السابق، ولذا راح ينتخبوا رجال الدين، من الاخوان والسلفيين، خاصة أن وقت الازمات يهرول الناس للدين باعتباره الملاذ الآمن من كل التخبط الدائر على الساحة، وحالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي. وعن حملات التشويه التي يتعرض لها الحزب، قالت (في تقديري، إن هناك العديد من الجهات التي أسهمت في تشويه صورتنا كحزب وسطي ليبرالي يؤمن بالحريات، منها التيار الديني نفسه، سواء من قبل الإخوان المسلمين أو السلفيين، أو حتى الكنيسة، على الرغم من كون واحدة من مبادئ الحزب والتي اتخذها شعارا له هي التآخي بين المسلمين والمسيحين ودرء الفتنة.. وفي السياق نفسه قام عدد من الاسلاميين باتهام الوفد بالتطرف واصفًا الليبرالية ب "الحرام"!، وهو ما اقتنع به عدد كبير من الشباب غير الواعي وغير المثقف، بما ألقى ظلال سلبية وخيمة على وضع الوفد عقب الثورة). أشارت شكري أن من ضمن الأحزاب أو التيارات التي أسهمت في تشويه صورة الوفد، هي التيار الليبرالي نفسه، والذي ينتمي إليه الوفد، حيث اتهم حزب المصريين الأحرار، الوفد بأنه تخلى عن دوره ومبادئه وثوابته، وراح يتبع نهج جماعة الإخوان المسلمين، ويحاول التقرب منها لجذب أكبر عدد من المؤيدين، في إشارة منهم إلى أن الحزب انضم مع الاخوان في حملة "نعمل جميعًا معًا" وهو التحالف الوطني الذي شارك فيه نحو 34 حزب سياسي، لم يتم نقد أي تيار أو اتهامه ببيع مبادئه وثوابه إلا الوفد.. كما أن "الكتلة المصرية" بشكل عام، أسهمت في ترويج شائعات عن الحزب، كانت بشكل أكبر مما يتحمله الشعب، ليدفع الوفد ضريبة تلك الحملات باهظة جدًا، ويفقد جزء كبير من شعبيته. صفقة الاخوان وفيما يخص الإتهامات التي يتعرض لها الوفد بخصوص علاقته بالإخوان المسلمين، قالت (في 16 مارس 2011 لم يكن قد تم إعلان تشكيل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، اتصل مكتب الإرشاد بحزب الوفد للتكاتف معهم تحت شعار "نعمل جميعًا معًا".. ولم نكن نريد أن يحدث إنقسامًا بمصر عقب الثورة، فوافقنا على طلب الإخوان للإنضمام لمبادراتهم، خاصة أننا لم نكن وحدنا، وكان هناك 34 حزب في التحالف الوطني، منهم الغد والناصريين وحزب التجمع الاشتراكي، إلا أن الوفد وحده تعرض لهجوم شنيع من قبل الكنيسة والليبراليين.. وللمفارقة، فإن الوثيقة التي طرحها التحالف كان معظمها من مبادئ الوفد، في الوقت الذي عندما أعد البابا شنودة وشيخ الأزهر وثيقة جديدة، لم تخرج عن الثوابت نفسها أيضًا). وعن أخطاء الحزب ، قالت كان لابد أن ينزل الشارع بصورة أكبر، ويقوم بتعريف الجماهير به وبمبادئه مرة أخرى، وبانجازات الحزب خلال الفترة الأخيرة، على نطاق واسع، لجذب أكبر عدد ممكن من المؤيدين، وتحسين الصورة التي أبرزتها حملات التشوية الممنهجة التي قامت بها تيارات سياسية عديدة. تابعت (الوفد تفوق على الأحزاب الليبرالية وحصل عل 39 مقعدا بالبرلمان، ليحل ثالثا بعد الحرية والعدالة والنور، فيما حصل المصريين الأحرار على 14 مقعدًا بالقوائم، ومقعد واحد فردي، وحصل الحزب الإجتماعي الديمقراطي على 15 مقعد، وحصل التجمع على 3 مقاعد فقط.. وفي تقديري فإن هذا التفوق على الأحزاب الليبرالية جاء نتيجة لقدم الحزب، والانجازات التي تمت في عهده، خاصة أن الوفد تربع على عرش 5عدد من الحكومات، ظلت مصر تعيش على إنجازاتهم جميعًا حتى الآن). وفيما يتعلق بالاتهامات الخاصة بطبيعة العلاقة بين الوفد والمجلس العسكري، قالت "هذه الإتهامات ليس لها دليل أو أساس من الصحة، خاصة أن الوفد اجتمع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع 13 حزب سياسي، إلا أن الاتهامات لم تنل سوى الوفد، ضمن حملة التشوية المتعمدة والممنهجة"، مؤكدة أن وثيقة الدكتور علي السلمي التي جاء فيها وضعا مميزًا للجيش بالدستور، وفتحت باب الانتقادات على الوفد، خاصة أن السلمي أحد أبنائه، فرضت موادها على السلمي من قبل المجلس العسكري، ولم يقم هو بوضعها، وهذا وحده كافيًا لتبرئة الوفد من تهمة خيانة الثورة وخدمة أجندته الشخصية على حساب مصر. استراتيجية توسعية وعن استراتيجية الحزب خلال الفترة المقبلة، قالت (نؤمن أن الأزمة الحقيقة بالشارع المصري هي أزمة "تعليم"، بدليل أن السلفيين قالوا أن "الليبرالية" كفر، فراح عدد كبير من الشباب يتبعونهم، بما مثل تحديًا كبيرًا أمام الوفد، ولذا فإن التحدي الاكبر الآن هو الإهتمام بتنمية الوعي السياسي للشباب.. بعد المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية صدمنا جدًا، فقمنا بتنظيم عدد من المؤتمرات التوعوية، وراح السيد البدوي، رئيس الحزب، يجوب القطر كله من أجل دعم الوفد، لكن الوقت لم يسعفه للأسف، وعلينا الآن أن نستمر في هذه الخطوات، لنشر الوعي السياسي، والتعريف بالحزب ومبادئه وثوابته، وتاريخه العريق.. وفي هذا الصدد قمنا بتفعيل معهد الدراسات السياسية بالحزب، الذي أنشئ عام 1987 ليقوم بدور التوعية السياسية عن طريق دورات تدريبية غير أكاديمية للشباب المصري لتنمية فكرهم السياسي وتطويره، بما لا يجعلهم فريسة لمفاهيم خاطئة أو مضللة).