أكدت ثورات الربيع العربي أن المساعدات العسكرية الأمريكية لم تعد درع واشنطن الواقي ضد الغضب العربي، مما قد يجبر الإدارة الأمريكية علي تغير نهجها الذي كانت قد دشنته مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بمنح المساعدات العسكرية. يري المؤرخ البريطاني، لويد جاردنر، أستاذ التاريخ الدبلوماسي بجامعة روتجرز، والخبير في تاريخ السياسية الخارجية في القرن العشرين، أن المساعدات العسكرية الأمريكية لم تعد ضمانات للحفاظ علي إخلاص الحلفاء، ويكتب في مقال له بجريدة الجورديان البريطانية، أنه منذ ما يقرب من أربعة عقود كانت الولاياتالمتحدة قادرة على الاعتماد على مصر باعتبارها حليفًا يمكن الاعتماد عليه في إدارة شئون الشرق الأوسط وفق ما يتماشي مع رغباتها. ويستكمل جاردنر أنه منذ عهد السادات وخلال سنوات حكم مبارك، شجعت المساعدات العسكرية الأمريكية الحكومة المصرية على الحفاظ على السلام مع إسرائيل، وتنفيذ أوامر واشنطن، سواء من خلال توفير قوات عسكرية رمزية لحربي الخليج أو توفير جهات ترحيل سرية خلال ما يسمي ب "الحرب على الإرهاب". ويرصد أن هذا الاتجاه كان قد بدأ منذ أن أدار السادات ظهره للسوفييت أكبر مورد للسلاح لمصر ولطموح عبدالناصر في توحيد العالم العربي، ورغم أن المساعدات العسكرية لم تبدأ فعلا في التدفق إلى مصر إلا بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978، إلا أن نمطًا جديدًا كان قد بدأ، حيث تمتع الغرب مرة أخرى بمكانة خاصة في القاهرة في عهد السادات، مثل تلك التي كان يتمتع بها في سنوات ما قبل حرب السويس عام 1956. ويرصد جاردنر أيضا أنه مع تداعي نظام مبارك ومقاومته للاقتراحات الأمريكية بتقديم تنازلات، معتبرًا ذلك تدخل أجنبي، طالب قادة الولاياتالمتحدة منه التخلي عن السلطة. غير أن الضغط الحقيقي وفق رأيه جاء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وقتها قارن الرئيس أوباما ما بين الأحداث المشجعة في مصر وقمع المعارضة في إيران قال: "حتى الآن، على الأقل، نرى إشارات صحيحة تنبعث من مصر".وفقا لبوابة الاهرام ويكمل المؤرخ البريطاني أنه في غضون أسابيع قليلة، عاد المحتجون إلي ميدان التحرير، مطالبين النظام العسكري المؤقت بالحفاظ على وعوده حول اتخاذ خطوات نحو حكم مدني. أي أن رهان الإدارة الأمريكية على ثقل الجيش لم تعد كافية لضمان وضع خطط تخص سياستها الخارجية في مصر، وفي الوقت نفسه عمقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة المخاوف من دفع القوي الإسلامية للسياسة المصرية باتجاه التيار الإسلامي الراديكالي. وهنا يؤكد جاردنر أنه من الواضح أن نفوذ واشنطن على سير الأحداث في مصر ودول عربية أخرى قد تقلص نتيجة لثورات الربيع العربي، فخلال السنة الماضية وقفت الولاياتالمتحدة مكتوفة الأيدي ببساطة مع قيام المملكة العربية السعودية بإخماد الاحتجاجات في البحرين، حيث تبقي الأسرة الحاكمة علي قاعدة بحرية أمريكية رئيسية علي أراضيها، وأظهرت واشنطن أيضا غموض مدروس تجاه الأحداث في اليمن باعتبارها دولة تناضل من أجل وضع حد للدكتاتورية الرئيس علي عبدالله صالح. وحين قررت الولاياتالمتحدة في نهاية المطاف الانضمام إلى المطالب بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وقادت الأحداث لإسقاط الديكتاتور الليبي الأزلي معمر القذافي، كانت الصورة العامة التي نقلتها السياسة الأمريكية أنها قوة احتياطية بلا قيمة تخشي فقدان سيطرتها. وفي المقابل، صعدت تركيا وعلى نحو متزايد إلى الأمام في مناطق كانت الولاياتالمتحدة تضعها تحت سيطرتها. تجد الولاياتالمتحدة نفسها أمام إغراء ملح للحفاظ على مكانتها الراسخة في المنطقة، وهو ما تسعي إليه من خلال مضاعفة سياساتها السابقة، لكن ووفقا لما قاله مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة العام الماضي "المساعدات العسكرية لمصر كانت دين تم سداده منذ زمن طويل جدًا". في عام 2009، لاحظت وزير الخارجية هيلاري كلينتون أنه رغم قيام الأمريكيين بعقد الكثير من الصفقات العسكرية وبيع الكثير من أنظمة التسلح لعدد من البلدان في الشرق الأوسط والخليج، إلا أن عائد ذلك على أمريكا في المستقبل هو محل شك كبير، وهو ما يتفق جاردنر معها فيه. قبيل أحداث الربيع العربي في أكتوبر 2010، أعلنت إدارة أوباما أنها سوف تأذن بمبيعات عسكرية إلى المملكة العربية السعودية (طائرات متطورة للغاية وقنابل موجهة بالأقمار الصناعية) تبلغ قيمتها أكثر من 60 مليار دولار على مدى الخمسة عشر عامًا القادمة. هذه المبيعات التي كانت ذات يوم جزءًا من طقوس الحرب الباردة المصاحبة للتنافس مع الاتحاد السوفيتي، وكان دائما الهدف المزدوج منها يتمثل في حفظ النظام الداخلي والحفاظ على توازن هش مع تسليح إسرائيل. يري جاردنر، الذي نشر له مؤخرا كتاب: "الطريق إلى ميدان التحرير.. مصر والولاياتالمتحدة منذ صعود ناصر إلى أفول مبارك"، أن هذا التوجه كان قد خدم أيضا المصالح الأمريكية الداخلية من خلال تخفيف مشكلات ميزان المدفوعات التي بدأت في السنوات الأخيرة من حرب فيتنام. بعبارة أخري كانت مبيعات الأسلحة الأمريكية للعرب وسيلة لحل أزمات تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي. يري المؤرخ البريطاني، أنه ينبغي علي الولاياتالمتحدة أن تقوم بإعادة النظر بشكل جاد في تصميم سياسات جديدة تهدف إلى حماية الوضع الراهن في الشرق الأوسط، فضلا عن مراجعة عمليات توريد الأسلحة إلى الأنظمة المتحللة، ومن الناحية الأخرى فان الشعوب العربية لم تؤجل كثيرا تساؤلاتها حول حقيقية الأسلحة الامريكية، فكما لاحظ السيناتور الأمريكي باتريك ليهي أنه في الوقت الذي يتباهي فيه الأمريكيون بالمساعدات الاقتصادية لمصر، يتم ضرب المتظاهرين بقنابل الغاز مكتوب عليها: "صنع في الولاياتالمتحدة". لقد هبطت المساعدات الاقتصادية لمصر في الأعوام الأخيرة لبضع مئات من ملايين الدولارات، في حين أن المساعدات العسكرية لا تزال مستمرة بمبلغ 1.3 مليار دولار، ومع ذلك فإن الجيش المصري ما زال محبطًا من وعود خطاب أوباما في القاهرة عام 2009 المشجعة علي تطور السياسة في الشرق الأوسط. ولكن مع الركود الاقتصادي، تبدو صادرات الأسلحة الأمريكية وكأنها النقطة المضيئة في الأفق لدفع اقتصاد مدن أمريكية تعتمد على مصانع الأسلحة، لكن الاعتماد على المساعدات العسكرية وغيرها من الأساليب القديمة لتأمين نفوذ الولاياتالمتحدة داخل دول الشرق الأوسط قد يكون له عواقب خطيرة، فعلي الإدارة الأمريكية الآن أن تضع رهاناتها على لاعبين جدد.