على مدار سبعة عشر جلسة متتالية للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري (ما يزيد على عامين) استمر فيها الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة (الكوريدور) عند مستوى 8.25 % للإيداع ، 9.75 % للإقراض، قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي فى اجتماعها بتاريخ 24 نوفمبر الماضي رفع سعر عائد الإيداع لليلة واحدة بمائة نقطة مئوية ليبلغ 9.25 % وسعر الإقراض لليلة واحدة بخمسين نقطة مئوية ليبلغ 10.25 %، كذلك رفع سعر الائتمان والخصم بخمسين نقطة ليبلغ 9.5 %، وفى ضوء ذلك بدأت البنوك المختلفة وعلى الفور برفع أسعار الفائدة على الودائع والشهادات الادخارية لديها، وهو الأمر الذي بدأت تزداد معه أفراح المودعين وتزداد معه أيضا أوجاع الاقتصاد. فما من شك فى أن رفع أسعار الفائدة له تأثير إيجابي على حجم الإيداعات وعلى صغار المودعين وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر على معدلات الادخار في مصر، كما أن هذه السياسة تؤدى إلى تخفيض الضغوط التضخمية من خلال امتصاص فائض السيولة المتاح داخل الاقتصاد، وكذلك الحد من ارتفاع أسعار الصرف وانتشار ظاهرة الدولرة، خاصة فى ظل تراجع صافى الإحتياطيات الدولية من حصيلة النقد الأجنبي خلال شهر نوفمبر 2011 للشهر الحادي عشر على التوالي وليسجل أدنى مستوياته منذ 26 شهراً وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، حيث سجلت تلك الاحتياطيات نحو 20.15 مليار دولار. غير أنه ومع هذا يظل الأضرار التي يمكن أن تتحقق في ظل ارتفاع معدلات الفائدة على مستوى الاقتصاد القومي ككل أكبر بكثير. حيث أنه من شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يؤثر على قيمة وتكلفة خدمة الدين العام المحلى، وما يزيد من أهمية وخطورة ذلك بالنسبة للاقتصاد المصري هو تضاعف حجم ذلك الدين والذي سجل مع بداية عقد الثمانينات ما يقرب من 11 مليار جنية، ثم ارتفع مع بداية عقد التسعينات ليصل إلى 98.4 مليار جنية، ثم واصل الارتفاع ليصل إلى ما يقارب 840 مليار جنية بنهاية عام 2008، ثم ارتفع ليتخطى حاجز 1.1 ترليون جنيه مع نهاية هذا العام. ومن شأن استمرار الاتجاه العام لزيادة أسعار الفائدة أن يؤدى الى المزيد من تفاقم حجم الدين العام المحلى، وزيادة الأعباء المستقبلية على الموازنة العامة للدولة من خلال زيادة الإنفاق العام في ظل الالتزام بتكلفة وأعباء خدمة هذا الدين، مما سوف يؤثر على قدرة وأداء الحكومات المتعاقبة على الوفاء بخدمة البعد الاجتماعي خاصة فى مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. كذلك من شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يؤدى إلى انخفاض حجم الاستثمارات وما يرتبط به من انخفاض حجم التوظيف ومن ثم انخفاض مستويات الدخول و كذلك انخفاض معدلات النمو بشكل عام . وذلك لأن أسعار الفائدة عادة ما تلعب دورا محورياً على شكل وحجم الاستثمار، حيث أن المستثمرين لا يقبلون عادة عوائد على استثماراتهم في الاقتصاد الحقيقي تقل عن العوائد المتاحة والممكن تحقيقها في الاقتصاد المالي. ومع التأكيد على كافة الأضرار التي تتحقق من وراء ارتفاع معدلات الفائدة داخل الاقتصاد، إلا أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لم يكن لديها بدائل أخرى فى ظل تصدى إدارة السياسة النقدية لكافة المشاكل الناتجة عن التخبط فى إدارة السياسات المالية والتي يُسأل عنها بشكل أساسي الحكومات المتعاقبة. إنها أحد القضايا الهامة التي تواجه حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزورى وتحتاج إلى إعادة التفكير.