شهدت العاصمة التركية أنقره خلال الساعات الماضية أزمة عصيبة بين الجيش والقصر الجمهوري لم تشهدها منذ أعوام بعدما قدم / في خطوة مفاجئة / رئيس الاركان الجنرال اشك كوشنر وقادة قواته "البرية الجنرال اردال جيلان اوغلو والجوية الجنرال حسن اكساي والبحرية الأميرال أشرف اوغور يجيت " طلبات استقالاتهم إلى رئاسة الوزراء لاحالتهم إلى التقاعد . ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها رئيس أركان الجيش التركي استقالته للحكومة ، فقد قدم من قبل رئيس الاركان الجنرال نجدت اوروغ استقالته من منصبه في 15 يوليو 1987 ، كما قدم رئيس الاركان الجنرال نجيب تورونتاي استقالته في 30 ديسمبر 1990 احتجاجا على موقف الحكومة التركية من حرب الخليج الاولى ، إلا أن استقالة هيئة الاركان الجماعية تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية ، والتي يرى البعض فيها استمرارا للخلاف بين المؤسستين المدنية والعسكرية منذ تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في عام 2002 . كما تأتي استقالة رئاسة هيئة الأركان كإشارة واضحة للخلاف العميق بين الجيش العلماني وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم ذات الجذور الاسلامية بعد أن وصل التوتر بين الجانبين الى أبعاد جدية وتعمقت ،منذ تولي الجنرال اشك كوشنر منصبه رئيسا للاركان منذ العام الماضي . وأشارت الصحف التركية الصادرة اليوم السبت إلى أن الجنرال نجدت اوزل تولى منصب قائد القوات البرية بعد ان صادق رئيس الجمهورية عبد الله جول على المرسوم الحكومي المعد من قبل حكومة العدالة بهدف إيجاد سبيل لتوليه منصب رئاسة الاركان في اجتماع مجلس الشورى العسكري المقبل المقرر انعقاده في الأول وحتى الرابع من أغسطس المقبل ، مع العلم أنه تم تعين الجنرال نجدت اوزل رئيسا للأركان بالوكالة فور توليه منصب قيادة القوات البرية حسب التقاليد المتبعة في تركيا . ويرى المحللون السياسيون في أنقره أن التوتر بين حكومة العدالة والجيش زاد لعدة أسباب من أهمها اعتراض قادة الجيش وعدم ارتياحهم لموقف الحكومة حيال المؤسسة العسكرية واستمرار اعتقال 43 جنرالا واميرالا منهم 13 جنرالا في إطار تحقيق في مخطط يشتبه بأنه كان يهدف إلى الإطاحة بحكومة العدالة. وكان هؤلاء الجنرالات يستحقون الترقية خلال اجتماع مجلس الشورى العسكري في مطلع أغسطس المقبل ، في الوقت الذي تصر فيه الحكومة والقصر الجمهوري على الاعتراض على الترقيات المحتملة بهدف حرمان المعتقلين من الترقيات . إلى جانب زيادة الانتقادات الموجهة للجيش في الفترة الأخيرة حول أسلوب وخطوات مكافحة الارهاب ، حيث أصبح الجيش هدفا للكثير من الانتقادات في تركيا ، فضلا عن اتخاذ الحكومة قرارا بمنح صلاحيات وإمكانيات لقوات الشرطة الخاصة والتخطيط لإشراكهم في مجال مكافحة الإرهاب على حساب الجيش . ويؤكد المحللون أن تقديم هيئة الأركان طلبات إحالتهم إلى التقاعد جاءت وسط تصاعد أعمال العنف في مدن جنوب ، وجنوب شرق تركيا التي ستضعف معنويات الجيش ، وتؤثر بشكل حاد على قدرته ، وكفاءته في العمليات العسكرية ضد الارهابيين التي بدأت تزداد يوما بعد يوم. كما يرى خبراء المال والاقتصاد أن الاستقالات الجماعية قد تؤدي الى نتائج سلبية على كافة المؤشرات الاقتصادية ، وفي مقدمتها ارتفاع قيمة العملات الصعبة أمام الليرة التركية ، وانخفاض مؤشر أسهم بورصة اسطنبول بتعاملاتها صباح يوم الاثنين المقبل. ويرى البعض أن دور الجيش في تركيا أصابه الوهن منذ عام 2007 مع فتح العديد من التحقيقات عن مخططات تآمرية تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة ، فضلا عن أن الاستقالات الجماعية تعد إشارة واضحة على استمرار الخلاف بين المؤسسة المدنية والمؤسسة العسكرية. كما يشير الخبراء إلى أن الحكومة تقوم بمحاولات عديدة لابعاد كافة العناصر التي قد تعارض السلطة المدنية تحت غطاء الديمقراطية والالتزام بمباديء معايير الاتحاد الأوروبي بإبعاد الجيش عن المسرح السياسي.