من المفترض فى اى قرار ان تتم دراسته بشكل متأنى من جميع النواحى, ودراسة سلبياته وايجابياته قبل الشروع فى تنفيذه, هكذا تعلمنا, ولكن ما نراه الان على ارض الواقع عكس هذه المبادىء الاوليه تماما, فالقرار يتم اتخاذه وتنفيذه وبعدها يتم التفكير فى اثاره السلبيه والايجابيه وغالبا ما ينتهى الامر بالغائه او تأجيله دون مراعاه لحجم الخسائر المترتبه عليه, ولنا فى هذا امثله عديده, ولعل ابرزها ضريبة البورصه وما تسببت فيه من خسائر ضخمه قاربت على ال 90 مليار جنيه بسبب قرار خاطىء من مسؤول اعتبر ان سوق المال ما هو الا غرفه وصاله ولا يحتاج لكل هذه الضجه, وانتهى الامر بتأجيل القانون ولكن بكل اسف بعد ان تحققت الخسائر . وعلى الرغم من حجم الخسائر التى تعرضت لها البورصه المصريه بعد هذا القانون, الا انه لا يمكن مقارنتها اطلاقا بتلك التى تسبب فيها البنك المركزى المصرى فى فبراير الماضى, حين قام بوضع سقف يومى للايداع بالعملات الاجنبيه عند 10,000 دولار للافراد و50,000 دولار للشركات وذلك بهدف القضاء على السوق الموازيه والمضاربه على الدولار دون دراسة للتبعات السلبيه لهذا القرار, فاذا عدنا بالذاكره خلال عام 2000 وتحديدا فى فترة تولى السيد اسماعيل حسن محافظا للبنك المركزى, تواترت بعض الانباء عن وضع قيود على السحب والايداع بالعمله الاجنبيه بعد اجتماع قام بعقده مع مسؤولى البنوك, وعلى اثره, قامت الدنيا ولم تقعد, وخرج السيد المحافظ لينفى هذا الامر جملة وتفصيلا وقال نصا, "نحن لا يمكن ان نأخذ قرارا مثل هذا قد يضر بالسوق, بل اكدنا على البنوك ضرورة توفير متطلبات المستوردين من العمله الصعبه بشكل فورى", وبعيدا عن تلك الحادثه, فنحن نعلم تماما ان للمركزى المصرى اتخاذ ما يراه من اجراءات لصالح دعم قيمة العمله والحفاظ على حجم الاحتياطات الاجنبيه ودوره فى سوق الصرف وغيره, ولكن, كما سبق واسلفنا, هناك بعد القرارات تكون اثارها السلبيه اكثر من الايجابيه, كما هو الحال فى هذا القرار, وعلى الرغم من انه قوبل فى بادىء الامر بالارتياح من جانب الكثيرين, اعتقادا منهم ان المركزى يملك سيوله كبيره من الدولار تمكنه من السيطره على سوق الصرف, الا ان الواقع قد اثبت العكس, حيث عجز المركزى عن توفير متطلبات السوق, واكتفى بمزاداته الاسبوعيه التى تصل باجمالى ما يضخه بالسوق لما يقارب ال 6,5 مليار دولار سنويا فى مقابل حجم واردات قارب على ال 65 مليار دولار, ولذا كان من الطبيعى ان يلجأ المستوردون للسوق السوداء مره اخرى لتوفير احتياجاتهم بل والتحايل احيانا بالعديد من الطرق سواء عن طريق ال GDR بالبورصه المصريه او عن تسلم الدولار بالخارج بفارق سعرى بعد سداد القيمه بالجنيه فى مصر , ناهيك ان تثبيت البنك المركزى لقيمة الجنيه فى مقابل العملات الاخرى قد تسبب فى إغراء البعض على زيادة الورادات فى مقابل تراجع الصادرات بسبب توقف العديد من المصانع لعدم توفر المواد الخام كنتيجه طبيعيه لاختفاء الدولار وعدم قدرة المستوردين على استيفاء نموذج 4 الذى قامت البنوك بتفعيله نهاية مارس الماضى على بعض السلع, وبطبيعة الحال تسبب هذا كله فى توقف شبه كامل فى قطاعات عده وخسائر بالمليارات للمستوردين, ومن نجح منهم فى توفير الدو لار باسعار مرتفعه لاقى صعوبة كبيره, والنتيجه تحمل المستهلك لفارق الاسعار, ولنا فى قطاع السيارات عبره ومثلا, فاحد كبار التوكيلات فى مصر يقوم بزيادة اسعاره بشكل يومى وكله على حساب المستهلك, اما قطاع الاغذيه فحدث ولا حرج, خسائر بالمليارت عدا عن فساد الاف الاطنان على الميناء وغرامات تأخير وارضيات وكله بسبب عدم توفر الدولار!, والنتيجه بالطبع تحميل كل هذه الخسائر على المستهلك, واذا افترضنا ان هناك سلع يمكن الاستغناء عنها, فماذا عن قطاع الادويه!؟, فقد شهدت الاسواق مؤخرا اختفاء العديد من الادويه سواء لاختفاء الماده الخام "95% من مكونات الدواء يتم استيرادها" او الادويه المستورده التى لا يوجد لها بديلا وكله بسبب اختفاء الدولار, ولذا كانت النتيجه الطبيعيه خسائر وارتفاع فى الاسعار ادى لزيادة معدل التضخم بمقدار 2,8% فى سبتمبر الماضى وهى الزيادة الاكبر منذ اكتوبر 2014, واضف لهذا كله توقف صناعات عده وتسريح الاف العاملين, وتراجع الواردات من الدولار بعد لجوء بعض شركات الصرافه لحجز الدولار بالخارج سواء الناتج من عمليات تصدير او من تحويلات العاملين بالخارج او حتى تهريبه وتسليمه للمستوردون بعد سداد القيمه بالجنيه فى مصر بفارق من 3 - 4%! اذن فلم تحقق تلك الاجراءات اهدافها, فالسوق السوداء لازالت موجوده وفعاله, ولا أدل على هذا من ان الخفض الاخير الذى قام به البنك المركزى نهاية الاسبوع الماضى بمقدار عشرة قروش ليصل بسعر الجنيه الرسمى امام الدولار الى 7,93 جنيه ما كان منه الا ان ارتفع الدولار بالسوق الموازيه ليسجل 8,25 جنيه ومرشح للزيادة, واذا كان الهدف الحفاظ على الاحتياطى النقدى فقد تراجع ايضا بمقدار 1,7 مليار دولار فى اخر اعلان للمركزى المصرى ليصل الى 16,3 مليار دولار بسبب سداد مديونيات سندات وفوائدها منذ عام 2005 ,واما الوضع الاقتصادى فقد اوضحنا الاثار السلبيه التى تسبب فيها هذا القرار, فما هو السبب فى اصرار السيد محافظ البنك المركزى فى الابقاء على تلك الاجراءات رغم كل هذه الاضرار!؟ , اهو موقف شخصى؟, ام عدم الرغبه فى الاعتراف بالخطأ للحفاظ على ثقة القياده السياسيه!؟, ام ماذا!؟ , هذه الاسئله نتوجه بها للسيد المحافظ عله يملك الاجابه التى قد تكون غائبه عنا وعن الجميع!!