على الرغم من أن العلاقات المصرية الصينية لها أصول تاريخية وواضحة إلا أنها على مستوى الواقع الفعلي لم تكن أكثر من علاقات دبلوماسية باردة سياسيا وذات اتجاه واحد اقتصاديا حيث لم تستفد مصر من هذه العلاقات بصورة كافية تدعم فكرة إقامة تحالف واضحح كالذي دشنته مصر مع روسيا في ستينيات القرن الماضي. فعلى المستوى السياسي كانت مصر أول من يعترف بالجمهورية الصينية وتقيم معها علاقات دبلوماسية عام في 30 مايو عام 1956. وفي 4 أغسطس 1956 أيدت الصين قرار مصر بتأميم شركة قناة السويس واستنكرت محاولات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة شن حرب ضدنا، وعقب وقوع العدوان أدانت الصين هذه الحرب في نوفمبر 1956. وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات وعلى الرغم من قيام الثورة الثقافية الصينية بقيادة الزعيم الشيوعي ماو تسي تونج وسحب سفراء الصين من المنطقة العربية كانت مصر الدولة الوحيدة التي استثنتها الصين من هذا القرار. أما في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك فقد شهدت مياه العلاقات المصرية الصينية الراكدة منذ الثورة الثقافية حراكا حقيقيا عام 1999 عندما تم توقيع على البيان المشترك بين الدولتين حول ضرورة إقامة علاقات تعاون استراتيجية بين البلدين. وخلال العقود الماضية تمت 7 زيارات دبلوماسية بين البلدين أولها كان في نوفمبر 2009 حيث زار رئيس مجلس الوزراء الصيني ون جي باو البلاد لحضور الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي في شرم الشيخ تلاه زيارة لعضو المكتب السياسي الشيوعي وانج فانج في يونيو 2010 في إطار الدورةالرابعة لآلية التواصل البرلمانية بين البلدين. وفي أغسطس 2012 زار الرئيس الأسبق محمد مرسي الصين وقام بتوقيع 8 اتفاقيات ثنائية في مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والسياحة والاتصالات والبيئة، ثم زيارة أخرى بعد ثورة 30 يوني قام بها وزير الخارجية السابق نبيل فهمي في ديسمبر 2013 التقى فيها نظيره الصيني وانج يي. وفي العام التالي في شهر أغسطس استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي وزير الخارجية الصيني الذي كان محملا برسالة من الرئيس الصيني شي جين بينج للتهنئة بانتخابه رئيسا للجمهورية، وكانت أخر الزيارات، في سبتمبر 2014 عندما وصل مبعوث الصين لشئون الشرق الأوسط قونج شياو شنج مسئولي الخارجية وممثلين عن الجامعة العربية. على الصعيد الاقتصادي فالأرقام تدل بوضوح على أن الواردات المصرية إلى الصين ضئيلة للغاية خلال الفترة من 2003-2007 وشهدت ارتفاعا طفيفا بين عامي 2008 - 2009 ثم انخفضت مجددا عامم 2010 لتعود وترتفع من جديد بعد قيام الثورة. وفيما يتعلق بالواردات الصينية إلى مصر فقد حققت أقل مستوياتها عام 2005 وأخذت ترتفع تدريجيا حتى عام 2009 وتشير الأرقام إلى أن صادرات مصر للصين عام 2003 كانت 598 مليون و299 ألف جنيه ووصلت عام 2012، 371 مليون و100 ألف جنيه، أما الواردات فكانت في عام 2003، 12 مليار و598 مليون و788 ألف وبلغت في 2012، 32 مليون و957 ألف إلا أن وزير التجارة الصيني المفوض في السفارة الصينيةبالقاهرة أشار إلى عدم دقة هذا الرقم حيث أن استثمارات شركة هاواوي وحدها في مصر تبلغ 30 مليار جنيه فضلا عن 3 مليار استثمارات نفطية صينية في القاهرة. وفيما يتعلق بالتبادل الثقافي المصري الصيني فيعود إلى عام 1931 حينما توجهت أول بعثة تعليمية صينية للدراسة بالأزهر الشريف، وفي العام التالي أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما بإقامة قسم خاص لقبول المبعوثين الصينيين بالأزهر الشريف وأهدى الجانب الصيني 400 نسخة من الكتب الدينية القيمة وسافر اثنان من علماء الأزهر لرفع مستوى التعليم هناك. وفي عام 1956 تأسست جمعية الصداقة المصرية الصينية العربية، وفي فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك أقيمت في القاهرة عام 1987 الدورة الأولى للتعاون العلمي والتقني بين مصر والصين. وفي عام 1990 أقامت مدينة تشينجداو الصينية معرضا فنيا تلاه احتفالية خاصة بجمعية الصداقة المصرية الصينية في بكين عام 1991. وفي القرن الجديد وتحديدا عام 2001 تم توقيع برنامج تعاون ثقافي مصري صيني مشترك في مجال الآثار ثم أقيم في الأسبوع التالي أسبوع ثقافي تاريخي مصري في حيدقة العلم ببكين. وبخلاف ما سبق هناك العشرات من اتفاقيات التبادل التعليمي المصري الصيني المشتركة. وعلى صعيد التعاون العسكري بين البلدين فقد كانت أبرز مظاهره في أغسطس 2014 عندما زار مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح اللواء فؤاد عبد الحليم بكين للاطلاع على الأسلحة الصينية وأنظمة الصواريخ الحديثة. من جهته قال الإعلامي نشأت الديهي والخبير في الشئون الدولية إن مصر حاليا في مرحلة إعادة ترتيب السياسة الخارجية في إطار استراتيجية واضحة بعد أن كانت الزيارات الخارجية تتم بالقطعة وبدون استراتيجية واضحة. ويعتقد الديهي أن مصر في سياستها خارجية حاليا تتجه شرقا بعد أن اتضحت سياسات المعسكر الغربي تجاه مصر، كما أنها تتجه جنوبا لحماية مصالحها المائية في منطقة حوض النيل. وعن العلاقات المصرية الصينية يرى الديهي أن الصين كانت دوما شريكا تجاريا من جانب واحد لحساب الصين، فسلعهم أغرقت السوق المصرية وحتى العمالة الصينية أصبحت حاضرة بصورة ليست قليلة في مصر. وبحسب الديهيي فالعلاقات المصرية الصينية كانت دوما علاقات هشة غير مجدية لمصر على المستويين السياسي والاقتصادي وصورية وأن مصر لم يعد لديها وقت تضيعه في هذا النوع من العلاقات وأنه يجب على هذه الزيارة أن تكون ذات أهداف واضحة ومحددة ويكون هناك اتفاقات بعينها نسعى إلى توقيعها كما حدث في زيارة روسيا وفرنسا الأخيرتين وأن هذا ما كانت يتم بالفعل خلال الزيارة التحضيرية التي قام بها كل من الوزيرين نجلاء الإهواني وزيرة التعاون الدولي وهاني ضاحي وزير النقل. وأكد الديهي أن الرئيس السيسي لا ينوي أن يسير على درب سابقيه من خلال تعليق أمال الناس على مشروعات وهمية غير مدروسة وأكبر دليل على ذلك أنه عندما شعر أن المحطة اللوجستية العالمية التي أعلن عنها سابقا وزير التموين د. خالد حفني ينقصها مزيد من الترتيب والدراسة قرر تأجيل افتتاحها. وفيما يتعلق بمستقبل العلاقات المصرية الصينية يقول الديهي إن الصين قوة شرائية كبيرة وتمثل هي والدول الأعضاء في تجمع بركس الاقتصادي اقتصاد الغرب مجتمعا وأنها باتت تستخدم عملتها في التقييم والتي باتت تناطح الدولار الأمريكي. وعما تحتاجه مصر من الصين خلال هذه الزيارة يقول الديهي إنه يجب على مصر أن تعمل عل ضبط المنظومة الاقتصادية المصرية الصينية من خلال العمل على محورين كالتالي: أولا منع التلاعب في فواتير البضائع التي يستورد بموجبها رجال الأعمال البضائع الاستهلاكية إلى مصر بحيث تكون أقل من القيمة الحقيقية بهدف التهرب من القيمة الجمركية الحقيقية لهذه البضائع، وهنا يقع الدور أيضا على الجانب المصري في ضبط هذا التلاعب من خلال مصلحة الجمارك وقرية البضائع. ويواصل الديهي: "ثانيا مراقبة جودة السلع الواردة من الصين لأن رجل الأعمال يستسهل في استيراد البضائع الأقل جودة بهدف تحقيق الربح وهذا دور وزير التموين لأن المستهلك المصري أصبح ضحية هذا الإهمال". ووفقا للديهي فإذا نجحت مصر في ضبط المنظومة الاقتصادية المصرية الصينية سوف توفر ما لا يقل عن 7 مليارات جنيه أرباح. وعلى المستوى السياسي يرى الديهي أن التحالفات يعاد ترتيبها وبنائها الآن، وأنه يجب على مصر التخلص من دور التابع وأن يكون حاكمها في هذه المسألة هو المصلحة الاقتصادية والإقليمة، وأن تدشن المعادلات التي تحقق هذا الهدف، وأن لا تكون محسوبة على معسكر شرقي أو غربي لأنها دولة محورية إقليمية يجب أن تربطها علاقات استراتيجية بالجميع. من جهته قال السفير سين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق إن مصر بالتأكيد لا تسعى من هذه الزيارة إلى تنمية الصادارات المصرية إلى الصينية التي أصبحت تصدر للعالم أجمع ولا تحتاج صادراتنا في شئ وأنه يجب التركيز على تنمية الاستثمارات المصرية الصينية المباشرة. وتابع هريدي: "يجب أيضا تنويع الاستثمارات الصينية في مصر حيث تمثل قيمة مضافة للصناعة والاقتصاد المصري". كما تحدث هريدي عما يطلق عليه التوطين التكنولوجي أي الاستفادة من الخبرات الصينية التكنولوجية في مجالات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وكذلك النقل والمواصلات. ويعتقد هريدي أنه يجب على مصر أن تستغل هذه الزيارة أيضا في الاستفادة من الصين في قطاع التشييد بعد أن اكتسبت خبرة هائلة في مجال التخطيط العمراني نظرا للكثافة السكانية الهائلة التي تتمتع بها، وعلى مصر أن تستفيد منها في بناء مدن جديدة في الصحراء بعيدة عن بعضها البعض ويتم ربطها من خلال شبكة نقل ومرافق تحقيقا للتنمية المنشودة. المراجع: - موقع الهيئة العامة للاستعلامات - دراسة شريفة فاضل بعنوان "العلاقات المصرية الصينية بين الاستمرارية والتغيير 2013 - 2014". نقلا عنبوابة الاهرام