لعلها آفة أصابت تنظيم الإخوان، ثم انتقلت لأفراد التنظيم، وكان فى هذه الآفة نهايتهم، أظنكم تعرفونها، نعم هى بعينها ورسمها آفة «الشيفونية» والشيفونى هو الذى يرى أن قوميته أو جماعته وتنظيمه وحزبه هم «النقاء» المطلق والحق الذى لا شك فيه والجمال السرمدى، ولأنهم يرون هذا فإنهم يتعصبون لجماعتهم أو قوميتهم تعصبا مقيتا غبيا لا عقل فيه، ولأن التعصب هو الآخر آفة فقد أصبح من باب اللزوم أن تتحول الشيفونية من مشاعر حب إلى مشاعر كراهية، قطعا مشاعر كراهية، فلأنك ترى أن الحق معك وحدك، فغيرك هو الباطل، ولأنك ترى أنك وحدك الصواب فغيرك هو الخطأ، ولأنك ترى نفسك وحدك الجمال فغيرك هو القبح، الشيفونى باختصار هو من ينظر للعالم من خلال مرآة فلا يرى إلا نفسه وما عداه باطل! ولعل هذه الآفة تفسر لنا كيف يفكر الإخوان، هم لا يفكرون إلا فى أنفسهم وأولوياتهم ومصالحهم فقط، لا وطن لديهم، فهم وطن أنفسهم، لا دين لهم، فهم دين أنفسهم، كل العالم باطل إلا أنت يا «إخوان»، ولأن هذه الطريقة تحكمت فى طريقة تفكيرهم لذلك انتقلت «نفسيا» إلى كثير من أفرادهم، فالشيفونية كما قلت آفة تتحكم فى النفسيات والمشاعر، لذلك لا بد أن يكون لها إسقاطاتها، ولابد «إنسانيا» أن تتسلل إلى النفوس برفق، خطوة خطوة. حينما عاقب الله إبليس الرجيم وطرده من رحمته لم يكن ذلك لأن إبليس رفض السجود لآدم فحسب، ولكن أيضاً لأن إبليس ادعى الخيرية لنفسه فقال «أنا خير منه» لذلك حذرنا الله فى القرآن الكريم من أن ينسب المرء لنفسه التقوى، فقال «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى» ثم أوصانا الله ألا نقع فى أخطاء الأمم السابقة، فقال لنا «وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم * قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» ومع ذلك خرجت علينا جماعة الإخوان ذات يوم من أيام سنة 1928 وهى تحمل فى نفسيتها غرورا وزعما بأنها هى الأتقى، وأن أفرادها هم أهل الجنة لأنهم أمة ناجية!. كانت رحلتى مع جماعة الإخوان هى رحلة البحث عن الحقيقة، رحلة البحث عن اليقين، ظللت أبحث عنها وأنا فى داخل الجماعة، إلا أننى لم أجدها، وظللت أبحث عنها بعد ذلك، وما زلت، حتى أمسكت ببعض خيوطها، وبعد تجربتى الطويلة وجدت ملخصها فى كلمتين هما: «أيها الناس هل أحببتم الله؟ لو أحببتموه لأحبكم الناس.. أيها الناس، هل تحبون الناس؟ لو أحببتموهم لأحبكم الله، أيها الناس هل تواضعتم لله؟ لو تواضعتم لرفعكم الله» فماذا كان موضع كل هذا من جماعة الإخوان؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد أن ينتهى من طعامه: «الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» وحينما كنت فى أواخر أيامى فى تلك الجماعة رأيت بعض أشياخهم وهو يحاول أن يعلم أتباعه حب الجماعة فكان يقول: «الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا من الإخوان المسلمين»! فتبدل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أيديهم، لذلك لم أتعجب حينما تعجب الناس عندما قال القيادى الإخوانى صبحى صالح: «اللهم أمتنى على الإخوان المسلمين» لم يرد فى بال صبحى أن يدعو الله أن يميته على الإسلام؛ لأنه تعلم فى هذه الجماعة أن الإخوان هم أصحاب الدرجة العليا فى الإسلام، وكأن الله أنزل على الرسول صلوات الله عليه رسالة الإسلام، وعندما فهم الناس رسالة التوحيد أرسل إليهم حسن البنا ليرتقى بهم إلى الإخوانية! ويحهم إذ تصوروا ذلك. زكّى حسن البنا إيمان جماعته على إيمان الأمة، حكم على القلوب، لم يحكم فقط على قلوب أفراد يعرفهم بأعينهم، ولكنه حكم على قلوب عباد الله من كل الأمة، فماذا قال وهو يخالف «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى»؟ قال فى إحدى رسائله: «الفرق بيننا وبين قومنا أن الإيمان عندهم إيمان مخدر نائم فى نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ فى نفوس الإخوان المسلمين»! وحين يتم تدريس هذه الرسالة للإخوان الجدد تنطبع فى ضمائرهم صورة سلبية عن الأمة وإيمانها المخدر الغائب، ويشعر الواحد فيهم بالزهو لأن إيمانه هو الإيمان الصحيح اليقظ، ألم يقل لهم حسن البنا ذلك!. وبين السطر والآخر فى رسائل البنا كان يقول: «دعوتنا إسلامية» ثم يؤكد المعنى بألفاظ مختلفة، وبعد أن يترسخ هذا المعنى فى النفوس إذا بالبنا ينتقل بأتباعه نقلة نوعية، فيقول لهم: «نحن أصحاب دعوة ربانية، جماعتنا ربانية وعالمية» ولأن جماعتهم ربانية كان لا بد أن ينتقل البنا بجماعته إلى طور آخر من أطوار النقاء العقائدى، إذ يقول لأتباعه فى رسالة أخرى: «إذا سألكم الناس من أنتم أيها الإخوان؟ إننا لم نفهمكم بعد، هل أنتم طريقة صوفية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسى؟ فأجيبوهم: نحن الإسلام»!. وهكذا، جماعة الإخوان فى يقينهم يعيشون على وهم أسطورى أنهم تحولوا من بشر عاديين يرد عليهم الخطأ والصواب، إلى نور ربانى، وإلى دين إلهى، أصبحوا إسلاما! وهل يقع الإسلام فى الخطأ؟! هذا يستحيل، إنما يقع الخطأ من آحاد الناس! وهم دين لا ناس، وكان من آفة ذلك التصور الشيفونى أن قام البنا بإلغاء الفارق بين الدين والتدين، الإسلام والمسلم، ومن أجل هذا لا تتعجب حين يقول الإخوان عن البنا إنه إمام ربانى، ولا تأخذك الدهشة حينما يقول محمد مرسى عام 2009 فى حوار له عن سيد قطب: سيد قطب هو الإسلام، وليس لك أن تمتعض إذا قرأت شيخ الإخوان محمد عبدالله الخطيب وهو يكتب مقالا عنوانه «حسن البنا رضى الله عنه»!.