تتجه أنظار العالم اليوم إلى العاصمة الصينيةبكين حيث تعقد القمة السادسة عشرة بين الاتحاد الأوروبي والصين والتي تصادف الذكرى السنوية العاشرة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، كما أنها تعتبر القمة الأولى التي تعقد بين الجانبين بعد تولي القيادة الصينية الجديدة السلطات في مارس الماضي. ومن المقرر أن تركز القمة هذا العام على وضع خطة للتعاون خلال السنوات العشر المقبلة من منظور استراتيجي بعيد الأمد، كما ستناقش موضوعات التعاون الأمني والتبادل الثقافية والتنمية المستدامة والمناخ والاقتصاد الأخضر إضافة إلى إنطلاق المفاوضات بشأن اتفاق للاستثمار الثنائي والذي من المتوقع أن يؤدى إلى تنظيم اتفاقيات حماية الاستثمارات الثنائية الحالية بين الصين والدول الاعضاء فى الاتحاد فى وثيقة واحدة ومتسقة. كما ينتظر أن تتطرق القمة أيضا إلى تطورات الأزمة السورية وقضايا حقوق الإنسان. ويتمتع كل من الاتحاد الأوروبي والصين بواحدة من أكبر وأهم العلاقات التجارية في العالم حيث يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للصين في حين تعتبر الأخيرة ثاني أكبر شريك تجاري له بعد الولاياتالمتحدة مع بلوغ قيمة التجارة في السلع 434 مليار يورو والخدمات 43 مليار يورو في عام 2012، وهو ما يمثل زيادة بأربعة أضعاف مقارنة بعشر سنوات ماضية. وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، زادت التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنسبة 0.5 في المائة على أساس سنوي بالمقارنة بانكماش نسبته 0.8 في المائة خلال الأشهر العشرة الأولى من 2012. وقد بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين نحو 71 مليار يورو خلال النصف الأول من العام الجاري بينما بلغت وارداته 134 مليار يورو. ولا يزال حجم التعاون الاستثماري أصغر كثيرا من حجم التعاون التجاري، حيث لم تصل الاستثمارات الأوروبية في الصين سوى إلى 2.1 بالمائة، بينما لم تصل الاستثمارات الصينية في أوروبا إلا إلى 3 بالمائة. وعلى الرغم من ذلك ارتفعت الاستثمارات الأوروبية فى الصين هذا العام بنسبة 23 في المائة عن العام السابق خلال الفترة بين شهري يناير وأكتوبر، كما تضاعفت الاستثمارات الصينية في الاتحاد الأوروبي خلال نفس الفترة. ووقع الجانبان في أواخر الشهر الماضي على عدة اتفاقيات لستة مشروعات استثمارية وتجارية بقيمة 270 مليون دولار وذلك أثناء فعاليات معرض غربي الصين الدولي الذي عقد في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان بجنوب غربي الصين. واشتملت المشروعات الستة على ثلاثة مشروعات استثمارية بقيمة 190 مليون دولار، وثلاثة مشروعات تجارية بقيمة 80 مليون دولار. وظلت الروابط الاقتصادية والتجارية حجر الأساس للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي. ورغم التغيرات السريعة في العلاقات التجارية العالمية ظل حجم التبادل التجاري بين الجانبين محافظا على تطوره منذ منتصف التعسينيات. ومع تزايد العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين كان من الطبيعي أن تنشأ نزاعات تجارية بينهما ولكنها تصاعدت في يوليو من العام الماضي عندما قدمت شركات أوروبية، تعمل في مجال الطاقة الشمسية، شكوى رسمية إلى المفوضية الأوروبية مطالبة بإجراء تحقيق حول احتمال "إغراق" منتجات من شركات صينية، تعمل في هذا المجال، للأسواق الأوروبية. وبدأت المفوضية الأوروبية تحقيقاتها وبعدها صدر قرار بفرض رسوم إغراق على المنتجات الصينية من الألواح الشمسية. غير أنه قد تم حل هذا النزاع مؤخرا وقرر الاتحاد الأوروبي إنهاء إجراءات مكافحة الإغراق المفروضة ضد الصين. ونشأت نزاعات مشابهة في مجالات أخرى غير أنه تم حلها في النهاية بين الجانبين. الحوار الاقتصادي: وخلال الحوار الاقتصادى الرابع عالى المستوى الذي عقد بين الصين والاتحاد الاوروبى في بروكسل الشهر الماضي، تعهد الجانبان بالاستخدام الحكيم للإجراءات العلاجية التجارية التى تتضمن عادة مكافحة الإغراق ورسوم التعويض واجراءات الحماية واتفقا على اللجوء إلى الحوار والمشاورات أولا عند التعامل مع الخلافات التجارية. ومع الإقرار بوجود اختلافات في المواقف السياسية إزاء العديد من القضايا الدولية، تتشاطر كل من أوروبا والصين هدفا مشتركا لتحسين الأمن الدولي بما في ذلك تعاونهما للحد من الانتشار النووي في العالم وحل القضية النووية الإيرانية لكون الصين جزء من مجموعة (خمسة زائد واحد) التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تترأسها الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. كما يتفق الجانبان على ضرورة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية لضمان الاستقرار في منطقة شرق آسيا. وخلال الثلاثة عقود الماضية حرص قادة الاتحاد الأوروبي على تقوية العلاقات مع الصين، باعتبارها قوة عالمية واقتصادية صاعدة. ورغم أن العلاقات بين الصين وأوروبا تعود إلى عصور قديمة غير أن العلاقات الدبلوماسية بدأت رسميا بين الجانبين عام 1975. ونظرا للأهمية التي حظت بها العلاقات التجارية، وقع الجانبان في مايو عام 1978 اتفاق تجارة و تم الاتفاق على إنشاء لجنة مشتركة لدفع الروابط التجارية. وفي فبراير 1979، قام رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق روي جينكينز بزيارة الصين حيث التقى برئيس مجلس الدولة الصيني الراحل الزعيم دنغ تشياو بنغ، وتوالت بعدها اللقاءات والاجتماعات بين المسئولين الأوروبيين والصينيين. ومنذ نشأة الاتحاد الأوروبي رسميا عام 1991 أبدى اهتماما ملحوظا بتطوير العلاقات الأوروبية مع الصين في مختلف المجالات، ولم تعد بعض حكومات الاتحاد تنظر إليها باعتبارها خطر أو تهديد يجب احتوائه كما كان في السابق. ومع تطور الأوضاع، طُرحت فكرة عقد لقاءات القمة بين الصين والاتحاد الأوروبي خلال اجتماع بين دول آسيا وأوروبا (الأسيم) في مطلع عام 1998، واتفق الجانبان على عقدها سنويا وبانتظام. وبالفعل انعقدت القمة في ربيع نفس السنة وبعدها صدر بيان مشترك يؤكد على بناء شراكة راسخة بين الجانبين على المدى الطويل. واستمرت القمم بالانعقاد في كل السنوات التالية، ماعدا عام 2008 الماضي حيث طالبت الصين بتأجيلها بسبب تدخل بعض الدول الأوروبية بشئونها الداخلية، ثم عادت للانعقاد بعدها في إشارة إلى عودة الأمور إلى طبيعتها بين الجانبين. وخلال لقاءات القمة المنتظمة سنويا بين الجانبين، كانت النتائج مثمرة فعلا ، ولكنها تكللت في عام 2003، بتطور العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وبذلك شهدت العلاقات تطورا إيجابيا ومثمرا حتى أصبحت الصين حاليا ثاني أكبر شريك تجاري لأوروبا بينما تمثل أوروبا أكبر شريك تجاري للصين، إذ وصلت قيمة تبادلاتهما التجارية إلى مليارات الدولارات.