الإخوان المسلمون.للمرة الثالثة في تاريخ جماعة "الإخوان المسلمون"، يصدر قرار بحلها بعد صدامات مع السلطة.. فالجماعة الأم للحركات الإسلامية، والتي تأسست في عام 1928 على يد المرشد العام الأول للإخوان حسن البنا، بدأت من المقاهي والأماكن الشعبية والحارات، ثم انتشرت بين المصريين لتصطدم بالدولة ويدخل زعماؤها السجون،إلى أن وصلوا إلى قصر الحكم 2012، لينتهي بهم الأمر إلى السجون مرة أخرى، والحل أيضا. صدرت ثلاثة قرارات بحل الجماعة اثنان منها عبر قرارات حكومية، والثالث صدر اليوم بقرار من محكمة الأمور المستعجلة. صدر القرار الأول بحل الجماعة في عام 1947، بعد الصدامات التي دخل فيها الإخوان مع النظام الملكي عقب انتهاء شهر العسل بين الطرفين. فمع نهاية الحرب العالمية الثانية عزل الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، حكومة الوفد بزعامة النحاس باشا وأسند تشكيل الحكومة لقيادات سياسية عرفت آنذاك بحكومات الأقلية. وانشقت جماعة "الإخوان المسلمون"، عن تحالف القوى الوطنية وتحالفت مع الحكومات الملكية غير المدعومة شعبيا واستخدمها الملك في تصفية خصومه السياسيين ولاسيما الوفد والشيوعيين. وعندما شعرت الجماعة بقوتها في الشارع المصري حاولت فرد إملاءات على حكومة النقراشي باشا الأمر الذي أثار غضب النقراشي ودفعه للتضييق على الجماعة. واستعر الصراع بين الطرفين، وما زاده اشتعالاً إقدام الجماعة على اغتيال أحمد باشا الخازندار القاضي الذي كلف بالنظر في قضية القبض على أحد عناصر الجماعة الذي ضُبطت بحوزته وثائق مهمة حول نشاطات الجماعة ومن بينها نشاطات معادية للنظام الملكي. وفي عام 1947 ، أقدمت حكومة النقراشي على حل الجماعة، فقام التنظيم الخاص للإخوان بقتل النقراشي، واستعرت الأمور بين الإخوان والنظام الملكي الذي انتهى باغتيال البنا في عام 1949، بعد أن قال عبارته الشهيرة عن الذين قتلوا النقراشي "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين". ونجحت الجماعة في عام 1949 في استصدار قرار من المحكمة الإدارية العليا، بإعادة الجماعة للحياة مجددا من منطلق المادة التي تنص على حق التجمع السلمي، وقبل اندلاع ثورة "23 يوليو"، استعادت الجماعة توازنها الذي فقدته برحيل "الإمام الشهيد"، حسب التعبيرات الإخوانية. وبعد حرب فلسطين 1948 قام عدد من شباب الجيش المصري بتشكيل خلايا داخل الجيش للقضاء على النظام الملكي الفاسد والمسئول عن هزيمة الجيش في حرب فلسطين. كان على رأس هذه المجموعة جمال عبد الناصر، وعندما قام عبد الناصر بتشكيل خلايا الضباط الأحرار لاحظ وجود اختراق من جماعة "الإخوان المسلمين"، للجيش المصري ولم يكن لدى عبد الناصر غضاضة في التحالف مع الإخوان. ونجح عبد الناصر في الحصول على قائمة الضباط الذين ينتمون إلى الإخوان في الجيش المصري من خلال أحد ضباط الجماعة بالجيش قبل وفاته، ووقع خلاف بين عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف أحد قيادات ضباط الإخوان بالجيش حول ضم الضباط لتنظيم الضباط الأحرار. كان سبب الخلاف بين الجانبين أن عبد الرؤوف تمسك بعدم ضم ضباط غير ملتزمين دينياً للتنظيم في حين كان عبد الناصر يرى أن معيار ضم الضباط للتنظيم الوطنية والولاء لمصر واحتكم الطرفان لزعيم الضباط الشرفاء كما كانوا يصفونه اللواء عزيز باشا المصري الذي حض الطرفين على نبذ الخلاف وأن يسير كل منهما في طريقه وأسلوبه لأن الهدف واحد. وبعد تحديد موعد الصفر لثورة "23 يوليو"، أرسل عبد الناصر للمستشار مأمون الهضيبي يعلمه بموعد الصفر، وكان رد الهضيبي على عبد الناصر "نحن لا نؤمن بالثورات ولكن نحذر الحكام منها... ولكن إذا كانت حركة إصلاحية فإننا سندعمها بكل قوة". وقامت ثورة "23 يوليو"، ونجح عبد الناصر في إقناع الإخوان بدعمها وتوفير الظهير الشعبي المؤيد لها، وأعلنت الجمهورية في 1953 وقام مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب وتم استثناء جماعة "الإخوان المسلمون"، من هذا القرار. وللمرة الثانية يدخل الإخوان في خلاف مع الحركة الوطنية المصرية التي كانت تؤيد ثورة "23 يوليو"، لخلاف الطرفين حول المشروع الوطني ورغبة كل منهما في جر الآخر لمعسكره، مما حدا بمجلس قيادة الثورة إلى إصدار قرار بحل الجماعة في أول يناير عام 1954. وفي أكتوبر 1954 قامت جماعة "الإخوان المسلمون"، بمحاولة لاغتيال جمال عبد الناصر خلال خطابه بالمنشية في محافظة الإسكندرية. وتم القبض على جميع أعضاء الإخوان ومحاكمتهم ودخلوا جميعا السجون ودخلت الجماعة في المحنة الثانية بعد المحنة الأولى على خلفية الصدام مع النظام الملكي. وبعد الصفقة بين الرئيس الراحل أنور السادات وعمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة والتي خرج بموجبها أعضاء الجماعة من السجون مقابل دعمهم للنظام والتصدي للناصريين واليساريين الذين هيمنوا على الحركة الوطنية الطلابية والعمالية أقام التلميساني دعوة قضائية يطالب فيها بإعادة الجماعة للحياة من جديد عام 1974. واستمرت المحكمة القضية لقرابة 18 عاما في المحاكم المصرية، وفي عام 1991 أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارا برفض الدعوة معولة على نص المادة الذي وضع في دستور 1964 والدساتير اللاحقة والذي يحصن قرارات مجلس قيادة الثورة خلال الخمسينيات من الطعن عليها أمام القضاء. "كلاكيت ثالث مرة مشهد المحنة"... فبعد الموجة الثورية الأولى في "25 يناير"، 2011 شعرت الجماعة بقوتها وباعتبارها الفصيل الأكثر تنظيما في الشارع المصري وما ساعد على ذلك النجاح الكبير الذي حققه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/ديسمبر 2011. وانشقت الجماعة للمرة الثالثة عن تحالف القوى الوطنية، وحنثت الجماعة بتعهداتها، ودفعت بالمهندس خيرت الشاطر للانتخابات الرئاسية وبالدكتور محمد مرسي مرشحا احتياطيا، واضطرت القوى الوطنية للتحالف مع الإخوان في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية للحيلولة دون وصول مرشح الحزب الوطني لقصر الاتحادية وبالفعل أعلنت النتيجة في مايو 2012 بفوز الدكتور مرسي بالمقعد الرئاسي. وعلى مدى عام، واصلت الجماعة، مساعيها للهيمنة على مفاصل الدولة والسيطرة على مكوناتها، وفي "30 يونيو"، انطلقت الموجة الثانية من الثورة مطالبة بإسقاط النظام. وانحازت القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لمطالب عشرات الملايين من المتظاهرين وأعلنت في "3 يوليو"، خريطة طريق المستقبل بعد أن رفضت الجماعة جميع الحلول التي طرحتها القوات المسلحة لحل الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالبلاد. وفي 23 سبتمبر 2013 أصدرت محكمة الأمور المستعجلة قرارا بحل جمعية "الإخوان المسلمون"، وحظر جميع نشاطاتها وكأن تاريخ الجماعة مع مصر والحركة الوطنية يعيد نفسه للمرة الثالثة.. قصة جماعة بدأت على المقاهي .. سكن زعماؤها السجن وعاشوا بالقصر.. وعادت مجددًا للحظر بوابة الاهرام