لم أتخيل في يوم من الأيام أن تستمعَ أُذُني إلى هذا التَّصريحِ الغَريبِ، تصريح من وزيرِ الأوقافِ يُوَضِّحُ أنَّهُ مسرورٌ جدًّا؛ لأنَّه تَمَّ إلغاءُ مادةِ التربيةِ الدينيةِ بالمدارسِ، وتمَّ وضعُ مادةٍ بديلةٍ تُسَمَّى مادة القيمِ، وقد تَمَّتْ الموافقةُ عليها ومراجعَتُها مِنْ شيخِ الأزهَرِ، وقداسةِ البابا. الغريبُ في هذا التصريح بالنسبة لي أنَّه من فَمِ وزيرِ الأوقافِ المسئولِ عن بَثِّ أُسُسِ الدين في أذهانِ ونفوسِ النَّاسِ عامة، والنشءِ خاصة. وإنِّي أسائلكم بالله: هل تُريدون انحدارًا أكثرَ مِن ذلك لمناهجِ الدينِ في عقولِ الأولادِ؟! للعلم فقط ياسيادةَ الوزيرِ المسرور مادة الدين لا تَمُتُّ بالأهميةِ لطلابنا إلا النادر منهم؛ لأنَّها بالنسبةِ إليهم ليسَت إلا مُجرَّد مَادة مطلوب فيها النجاح وحَسْب، ولا داعي لحصدِ الدَّرجَاتِ العُليا بها مثل بقيَّة المواد المُهمَّة، والتي تُضاف لمجموعِهم، وبالتالي فهي في نظرِ الطلابِ مادة مُهَمَّشَة لا تحتاجُ مجهودَهم الكبيرَ لحفظِها، وحفظِ آياتِ القرآنِ الواردةِ بها، ولا أحاديثِ النبي – صلى الله عليه وسلم -. سيدي الوزير كفاكُم عَبَثًا بأخلاقِ أبنائِنَا، مَاذا تُريدون فَسادًا وانحِلالا منهم أكثرَ مِنْ أوضَاعِهم الحاليةِ؟! أبناءَنا الآن يجهلون المبادئَ البسيطةَ في الإسلامِ مِنْ طُرُقِ الطَّهَارةِ والصَّلاةِ يجهلون حتَّى أسماءِ كِبَارِ الصحابةِ، تخيَّل إنَّ الكثيرَ مِنهم يجهلون أسماءَ الخلفاءِ الرَّاشدين الذين رافَقُوا النبيَّ في حياتِهِ، وكانوا يحملون هَمَّ الدينِ ليَصِلَ إليْنَا كمَا أُنْزِل. إنَّني لستُ مُعْتَرِضًا على وجودِ مادةِ قيمٍ وأخلاقٍ؛ فهذا بالفعل شيءٌ يدعو للسُّرورِ، لكنْ لا أنْ تكونَ بديلًا لمادَّةِ الدينِ، فمَا المَانِعُ مِنْ وجودِهما سَويًّا؟! سيدي الوزير المسرور: ما أبشعَ قراراتكم المريضَة التي تنمُّ عنْ انعِدَامِ عَقْلٍ، وانعدامٍ واضحٍ للرؤيةِ المستقبليَّةِ، تظنُّونَ أنَّكم تجددون الخطابَ الدينيَ هكذا، وأنتُم – للأسفِ – تقضون على ما بقي من فُتَاتِ الدينِ في عُقُولِ الأبناءِ، فأيَن نَجِدُ صَحيحَ الأخْلاقِ إلا في دينِنَا المَجيدِ؟! بِمَ يلتَزِمُ الأبْنَاءُ بعدَ ذلكَ إنْ ضَاعَ مِنْ بين أيديهم صَحيحُ الدينِ؟! كانَتْ هذه المادَّةُ التي تَسْتَكثِرُونَها عليهم هي المدخَلُ الوحيدُ في مَنَاهِجِ التَّعليمِ العَقِيمَةِ لتربيةِ النَشْءِ، وتوجيههم إلى الآراءِ الصَّائبَةِ نَوْعًا مَا بجهدِ مدرسي اللغةِ العربيةِ الذين درَسُوا شيئًا منَ الدِّينِ. إنَّ ضَيَاعَ الأخْلاقِ وانتشار الفسادِ والرَّذَائِلِ والانحدَار الذي نَحْيَاهُ في كُلِّ وَقْتٍ أهم أسبابه ضَيَاع الدينِ في نفوسِهم، فالدينُ هو ذلكَ الأسَاسُ الذي يُرَسِّخُ فِينَا تِلكَ القيمَ والأخلاقيَّات والخوف من الوقوعِ في الخَطأ، هو الذي يجعلُ صِلتَنَا باللهِ أقوى، هو الذي يُبْقِي على ما بِنَا مِنْ مَشَاعِر، هو الذي يُعْمِلُ في نفوسِنا الضَّمَائِرَالتي أماتَتْهَا ماديَّاتُ الحياةِ. إنَّكم تَتَسَاءَلون عنِ التَّطرُّفِ والفَسَادِ الذي تَنْحَرِفُ إليه بَعْضُ فِئَاتِ المُجتمعِ الضالةِ، وصدِّقنِي هم ينحَرِفُونَ؛ لأنَّهم لم يَجِدوا صَحِيحَ الدِّينِ في تعليمِهم منذُ الصِّغر، فلو أنَّهم عَرَفُوا الدينَ على وَجهِهِ الصحيحِ، وحفِظُوا كلامَ اللهِ في نفوسِهم، وأدركُوهُ حقَّ الفَهْمِ لَمَا آلَتْ نفوسُهم وعقولُهم إلى أنْ يَعْبَثَ بها دُعَاةُ التطرفِ والإفسادِ، إنَّ ما تفعلونُهُ الآن لَهُو دعوةٌ إلى توسِيعِ الفجوَةِ بينَ الأبنَاءِ والرِّبَاطِ الرُّوحَانِيِّ والأخلاقي الذي لنْ يجدوه، ويتلمَّسُوا خُطَاهُ إلا في ثَنَايَا الدِّينِ القويمِ. أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان : [email protected]