متابعات : مر عام على الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قاعة الأزهر للمؤتمرات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، لتجديد الخطاب الديني وتصويب الأفكار الخاطئة التي توارثتها الأجيال عبر العقود، وسارعت المؤسسات الدينية (الأزهر والأوقاف والإفتاء) بإعلان تبنيها الدعوة. إلا أن أزهريين ومتخصصين بشئون المؤسسات الدينية، أكدوا عدم جدية تلك المؤسسات في تجديد الخطاب الديني لعدم وضوح الرؤية لديهم، موضحين أن ما فعلوه منذ إطلاق الدعوة حتى الآن لم يتعدَ كونه "حبرًا على ورق" و"ضجيجًا بلا طحين"، مستثنين دار الإفتاء. وكان الأزهر عقد مؤتمرًا تحضيرياً لتجديد الفكر انتهى بضرورة تنظيم مؤتمر سنوي في هذا الشأن، كما أجرى الدكتور أحمد الطيب لقاءات بالمثقفين أثمرت عنها عدة وثائق لم تظهر إلي النور حتى الآن، كما أعلن وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، تطوير المناهج الدراسية، للمرحلتين الإعدادية والثانوية الأزهرية، واستخدام أساليب حديثة ومبتكرة لتدريس المناهج الشرعية وكتب التراث الإسلامي وعقدت وزارة الأوقاف مؤتمرين، الأول في مايو الماضي بعنوان "بحث آليات تجديد الخطاب الديني"، والثاني عقد بالأقصر في شهر نوفمبر الماضي تحت عنوان "رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف" تبعه رحلات سياحية لعدد من المعالم الأثرية. ومن جانبها كثفت دار الإفتاء المصرية نشاط مرصد التكفيرية والفتاوى الشاذة، الذي صدر عنه اليوم كتاب بعنوان: " تنظيم داعش.. النشأة والجرائم والمواجهة"، كما دشنت الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى بالعالم، هذا بجانب نشاط العالمي الذى ساهم في اختيارها المرجعية الدينية للمسلمين في البرلمان الأوروبي . وفي تعليقه على جهود المؤسسات الدينية في هذا الشأن، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: "اسمع جعجعة ولا أرى طحنا"، لافتاً إلى أن تلك المؤسسات تدار بثقافة الشللية وثقافة الوظيفة وليست الرسالة، باستثناء دار الإفتاء المصرية حيث تعمل بجد وهى ناجحة محليا ودوليا ولها تأثير دولي مبهر – على حد قوله-، وذكر أن الشأن الإسلامي فيما يتصل بالخطاب الديني في واقعيته ومعالجات لمفاهيم مغلوطة ومداواته لأفكار خاطئة يحتاج إلي أناس قال الله عنهم (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ). وأضاف أن المرض الذي يعصف بالثقافة الاسلامية في وقتنا الراهن هو الركون إلي التقليد، فمازال في بعض كتب الأزهر إلي الأن مقولات "ليس فى الإبداع خير مما كان"، و"الخير كل الخير فيمن سلف والشر كل الشر فيمن خلف"، وهذه المقولة يحفظها الطالب في المرحلة الثانوية فيتخرج وهو محمل بفكر لا يقبل اجتهاد معاصر". وأشار كريمة إلى أن وزارة الأوقاف حجبت بحثين قدمهما فى مؤتمر الأقصر، لأنه تناول بالنقد الصريح العملية التعليمية الأزهرية واهتزاز الدعوة المسجدية والتى تشهد تراجع وانحدار بصورة بشعه غير معهودة، مؤكدا في الوقت ذاته أن توصيات المؤتمر كتبت قبل أن ينفض المؤتمر، مضيفا :" لابد من حصر البواعث وايجاد الحلول على أرض الواقع أما الوثائق والمؤتمرات كلها لن تجدي". وشدد أستاذ الشريعة على ضرورة إنشاء هيئة قومية للوعى الإسلامي تتبع رئاسة الجمهورية تضم فى عضويتها الخبراء والأكفاء لديهم القدرة على التعامل مع التراث الموروث والتصدي لمستجدات العصر، فضلا عن وجود إعلام ديني تخصصي، فعلى مدار ال 40 سنة الماضية دخل الفكر السلفى والشيعى إلي جميع البيوت عبر الفضاء الواسع مع عجز إنشاء قناة واحدة للأزهر. ودعا كريمة إلي التقريب بين المذاهب العلمية، لافتا إلي أن تلك المذاهب كانت إلى وقت قريب فى حدود المتاح والمقبول لكنها انقلبت إلى طائفيات وتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلي صراع سنى شيعي بأيدي العرب. فيما أكد الشيخ سمير حشيش، الواعظ بالأزهر الشريف، أن مبادرات المؤسسة الدينية حبر على ورق، مطالبًا بضرورة وضع تصور لإعادة هيبة الشيخ الأزهري في نفوس الناس مرة أخري. وأضاف: "لنكن صرحاء فإن صورة الشيخ الأزهري لدى قطاع كبير من الجماهير مهزوزة وباهته تصل أحيانًا إلى فقدان الثقة في كل آرائه سواء الشخصية أو ما يتعلق بالدين، ولهذا يجب تشكيل لجنة لدراسة هذه الأسباب دراسة واقعية وذات مصداقية ووضع حلول مناسبة بما يضمن مصلحة المؤسسة الدينية بعيدا عن أي نزاعات سياسية". أما مصطفى حمزة الباحث في شئون المؤسسات الإسلامية، فأشاد بأداء دار الإفتاء خاصة فيما يتعلق بمرصد الفتاوي التكفيرية والشاذة، إلا أنه أكد مفهوم الخطاب الديني وتجديده أوسع وأشمل بكثير من مجرد تدشين هذا المرصد. وأضاف أن الأزهر يعاني من قصور شديد في تجديد الخطاب الديني بسبب ضعف الخريجين في هذه الجوانب، من ناحية وضعف أئمة الأوقاف وخطباء المساجد في الاطلاع على ما عند هؤلاء المتطرفين من ناحية أخرى"، مشددًا على ضرورة التوسع في دراسة كتب داعش وأخواتها بطريقة علمية، ولا بأس بالاستعانة ببعض المتخصصين في دراسة هذه الجماعات من خارج المؤسسة الدينية. وطالب حمزة بتأسيس معهد قومي لمواجهة التطرف يقوم بنشر الوعي الديني السليم حتى لا يتم اختطاف الشباب المتحمس ليقع فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية.