يعد مبدأ المساواة وعدم التمييز هو حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية، بل كثيرا ما ينظر إلى العدالة الاجتماعية كمرادف للمساواة، ولكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة الكاملة أو المطلقة، بمعنى التساوي الحسابي في أنصبة أفراد المجتمع من الدخل أو الثروة، فمن الوارد أن تكون هناك فروق في هذه الأنصبة تتواكب مع الفروق الفردية بين الناس في أمور كثيرة كالفروق في الجهد المبذول في الأعمال المختلفة، أو فيما تتطلبه من مهارات أو تأهيل علمي أو خبرة، أو طبيعة الاحتجاجات. ""تمكين الشباب"" فلابد من نمينهم سياسيا واجتماعيا وتشجيعهم وتفعيل مشاركتهم في كافة المجالات واتخاذ كافة الإجراءات التي تحقق لهم العدالة الاجتماعية مما يضمن لهم ""حق الحياة"" الكريمة وعدالة توزيع الخدمات والتعليم والتدريب دون تمييز… هذا للقيام بالدور المنوط بهم في تنمية وبناء وتقدم المجتمع. وننتظر من الحكومة الجديدة تحقيق أكبر قدر من التواصل بين مختلف الوزارات وبين مختلف فئات الشعب المصري لتعريف المواطنين بحقيقة الموقف إزاء مختلف القضايا والمشروعات وإمداد المواطن بالمعلومات الدقيقة والصحيحة عن السياسات والمشروعات القومية المختلفة والتقدم الذي يتم إحرازه على صعيد إنجازها وذلك بالتعاون والتنسيق مع وسائل الإعلام. والأمر المهم هو أن تكون هذه الفروق بين الناس في الدخل والثروة أو في غيرها مقبولة اجتماعياً، بمعنى أنها تتحدد وفق معايير بعيدة عن الاستغلال والظلم ومتوافق عليها اجتماعياً، وحسب أحد المفكرين البارزين فإن اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تنظم على نحو يجعلها تقدم للأفراد الأقل حظاً في المجتمع أكبر نفع ممكن من جهة، ويجعلها تتيح في الوقت نفسه إمكانية الالتحاق بالوظائف والمواقع المختلفة أمام جميع الأفراد في إطار من المساواة المنصفة في الفرص من جهة أخرى. وعموماً فإن العدالة الاجتماعية تعني في الأساس المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة أو التكافؤ في الفرص. كذلك تعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية. ويتحقق ذلك من خلال عدد من المحاور التي يتم من خلالها توزيع الدخل، وإعادة توزيعه داخل المجتمع والمحور الأول لتحقيق هذا الهدف هو إصلاح هيكل الأجور والدخول: الذي يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم. وتشكل سياسات الأجور حجر الزاوية في تطبيق العدالة الاجتماعية، يتضمن إعادة النظر في هيكل الأجور ثلاثة جوانب يقضى الأول وضع حد أقصى وأدنى للأجور، ويستلزم الجانب الثاني اعتماد مفهوم الدخل بدلاً من الأجر أو الراتب، ويتطلب الجانب الثالث تحقيق "العدالة الأفقية" و"العدالة الرأسية" للدخول داخل القطاع الواحد. ويختص المحور الثاني بنظام الضرائب الذي يعيد توزيع الدخول من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية. وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت منحنى تصاعدي يتناسب مع المقدرة التكليفية للممولين، فإن النظام الضريبي يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة في تحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتستند فلسفة النظام الضريبي متعدد الشرائح والتصاعدي إلى أن الأعلى دخلاً، يكون أكثر استفادة من الإنفاق العام على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة الأساسية بما يستوجب عليه أن يسهم بمعدلات أعلى في الحصيلة الضريبية التي يتم من خلالها ذلك الإنفاق العام. ويختص المحور الثالث بالدعم السلعي والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وهو إنفاق عام موجه إلى الفقراء ومحدودي الدخل وشرائح رئيسية من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم، وتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقراً والعاطلين عن العمل. باعتبار أن ذلك حقهم وجزء من حصتهم من إيرادات الموارد الطبيعية في بلدهم، وكواجب ومسؤولية اجتماعية على الدولة إزاء مواطنيها وحقهم في الحياة والطعام والشراب والمسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية. ويتعلق المحور الرابع بتمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال توفير فرص العمل لهم، مما يتيح لهم الحصول على حصة من الدخل القومي بصورة كريمة من عملهم وكدهم، سواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية، وليس بطالة مقنعة لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومي وهيئاتها الاقتصادية، أو من خلال قيام الحكومة بتهيئة البنية الاقتصادية، وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها بما يخلق فرص العمل في القطاع الخاص. ترتبط العدالة الاجتماعية بقيم ومعتقدات راسخة من الصعب تغييرها من وقت لآخر، وفى المجتمعات الإسلامية يكون منبع العدالة الاجتماعية هو القرآن والسنة النبوية ومن الصعب أن يختلف مفهوم العدالة من وقت لآخر في هذه المجتمعات باختلاف الزمان والمكان مادامت تتمسك بالمعتقدات السماوية والأعراف المجتمعية، ورغم ذلك إلا أن الانفتاح على المجتمعات الخارجية ذات الأديان المختلفة والثقافات المتعددة قد أدى إلى تغير نسبى في مفهوم العدالة الاجتماعية سواء على مستوى الفرد أو على مستوى السياسات والحكومات، ويعد المسئول عن العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري في هذه الفترة وفى الفترات السابقة هي الحكومة أولاً والمجتمع المدني المساند لدور الحكومة، ففي عام 1986قامت الحكومة بتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي وكان الغرض منه هو زيادة معدلات النمو الاقتصادي على المدى البعيد وقد حدث العكس فقد أدت إلى زيادة معدلات الفقر على المدى القريب وكان من الطبيعي أن تتعالى الصيحات المشجعة للجهود الأهلية الرامية إلى مساندة الحكومة ومشاركتها في مواجهة الاحتياجات، ولهذا فقد أصبحت مسئولية الرعاية والتنمية هي مسئولية مشتركة بين الحكومة والأهالي. وتمثلت الجهود الأهلية في تزايد أعداد الجمعيات الأهلية التي تحمل على عاتقها مسئولية تقديم الخدمات الاجتماعية خاضعة في إشرافها وجزء من تمويلها للهيئات الحكومية ، وتقوم بتحديد الاحتياجات ومساعدة الفقراء وتقديم خدمات سواء كانت خدمات مادية أو عينية من خلال التبرعات من أجل الوصول للتنمية بجانب الحكومة. وفى الوقت الحالي تضاءلت تبرعات المواطنين للجمعيات الأهلية نتيجة لتوجه المواطنين بوضع أموالهم في صندوق تحيا مصر وزكاتهم في بيت مال المسلمين، كما تضاءلت الجهات الممولة وهذا ما يضيق الخناق على الجمعيات الأهلية ويهدد بإغلاق 54ألف جمعية مما يؤدى إلى إسقاط المجتمع المدني، ويعنى ذلك أن الحكومة وحدها هي المسئولة عن التنمية في مصر وقد يكون هذا بداية فشل لها في تحقيق التنمية فبدون وجود شريك لها من قلب المجتمع لايمكنها تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تقوم الدولة بواجبها في تحقيق التكافل الاجتماعي ما لم يسهم أفراد المجتمع في بناء العدل الاجتماعي، فحين يتم التعاون والتكامل بين الجهود الأهلية والحكومية تتحقق أعلى درجات العدالة الاجتماعية، ومن ثم تتحقق أعلى درجات الاستقرار الاجتماعي والسياسي للأفراد، وإن مسئولية الدولة في تحقيق التكافل وتحقيق العدالة من المسائل الشاقة فهي المسئولة أولاً وأخيراً عن الفقراء والعاجزة والفئات المشردة التي ليس لها كفيل وإذا كانت الدولة حريصة على تحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء المجتمع فلابد من مساعدة الجمعيات الأهلية على مزاولة نشاطها سواء في الرعاية أو التنمية كل حسب مجاله حتى تتلاقى القوى والجهود الحكومية والأهلية في بناء المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية. **كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وخبير بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية وعضو المجلس الرئاسي للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية ومستشار تحكيم دولي