في إطار سعي الدولة المصرية لاستعادة ريادتها في وبعد أن اكتملت منظومة الدعم الإفريقي لمصر ومصر لإفريقيا وعادة العلاقات إلى سابق عهدها وأكدت إلى إفريقيا دعمها لمصر كي تكون عضو غير دائم في مجلس الأمن للدورة 2016- 2017 ولسان حال إفريقيا في هذا المحفل اتجهت السياسة الخارجية المصرية إلى الاتحاد الأوروبي من خلال الزيارات التي تمت لكل من فرنسا والفاتيكان وقبرص واليونان واسبانيا وتأتي ألمانيا والمجر لتكون ختام أول عام للسيد الرئيس في الحكم. يأتي هذا بحثاً عن المصالح المصرية وتمهيداً للاستفادة الكاملة من افتتاح مشروع قناة السويس في شراكة كاملة لهذه الدول بما يسمح بضخ استثمارات جديدة إلى شرايين الدولة المصرية بما يعود بالنفع على المواطن المصري وفي إطار رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة. استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجمل تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر على مدى السنوات الأربع الماضية، مؤكدًا التزام الدولة بعقد الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام الجاري ليكتمل بذلك البناء المؤسسي والديمقراطي في مصر. سير العلاقة بين مصر وألمانيا وفقًا لمبدأ المصالح المشتركة سياسيًا، واقتصاديًا، وفي كافة المجالات الأخرى كانت ألمانيا من أوائل الدول الداعمة لثورة 25 يناير، كما دعمت ألمانيا مصر في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، وشاركت ألمانيا في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ بوفد رفيع المستوى، رأسه نائب المستشارة أنجيلا ميركل وزير الاقتصاد الحالي زيجمار جبراييل، كما شارك عدد من ممثلي الشركات الألمانية الكبرى بالمؤتمر الاقتصادي مثل "سيمنس" و "تيسين كروب" و "باسف" و "أر دبليو أي". وتأتي زيارة الرئيس السيسي لألمانيا اليوم لتبرهن على قوة العلاقات الاقتصادية بين مصر وألمانيا، فتعد مصر من أكبر الدول التي تحظى بمساعدات إنمائية من ألمانيا، إذ بلغ حجم المساعدات من عام 1963 وحتى الآن 5.5 مليار يورو إلى جانب العديد من الاستثمارات في مصر خاصة في مجال السيارات، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات. وتعد العلاقات الاقتصادية بين مصر وألمانيا من أقوى العلاقات الاقتصادية في العالم، وتقع في المرتبة الأولى أوروبيًا، ويتضح ذلك من تواجد الكثير من الشركات الألمانية على أرض مصر، إذ بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2014 بين مصر وألمانيا 4.4 مليار يورو، وهو الأعلى في تاريخ العلاقات بين البلدين، ويبلغ منها صادرات مصرية بقيمة 1.5 مليار يورو، و2.8 مليار يورو واردات مصرية، كما بلغ إجمالي حجم الاستثمارات الألمانية في مصر 2 مليار و430 مليون يورو في نهاية عام 2014، لتحتل ألمانيا بذلك المرتبة ال20 لأهم الدول المستثمرة في مصر. ويقع في مصر أهم المؤسسات التابعة للغرف التجارية الألمانية بالخارج "الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة"، الذي تعمل منذ 60 عامًا على توطيد العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا ودول شمال إفريقيا والشرق الأوسط وخاصة مصر، وتسعى ألمانيا لتقليل معدلات البطالة بمصر من خلال مبادرة تسمى "المبادرة القومية للتوظيف" التي أطلقها مجموعة من رجال الأعمال المصريين والألمان بالتعاون مع الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة ، فضلا عن تأثير السياحة على الاقتصاد المصري وما تجلبه من منافع، إذ بلغ في عام 2014 عدد السائحين الألمان 800 ألف سائح.كما استعرض الرئيس الرؤية المصرية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، منوهًا إلى أهمية مكافحة كل التنظيمات الإرهابية التي تستقي أفكارها المتطرفة والعنيفة من ذات المصدر لان الدور الذي تلعبه مصر فكريا لمعالجة جذور التطرف وتجديد الخطاب الديني، كما حذر الرئيس من انتشار ظاهرة المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف الجماعات الإرهابية في المنطقة، ولاسيما حال عودتهم إلى دولهم في أوربا. وردًا على استفسار المستشارة الألمانية بشأن أوضاع المؤسسات الألمانية العاملة في مصر، نوَّه الرئيس إلى حرص مصر على التوصل إلى حل لتقنين نشاط تلك المؤسسات، حيث يتم العمل مع الجانب الألماني للتوصل إلى حل يأخذ في الاعتبار كل الأبعاد القانونية والمجتمعية وبما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين، واستعرض الرئيس الخطط الاقتصادية والإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية على الصعيدين التشريعي والإجرائي لتحسين بيئة الاستثمار في مصر، وفي مقدمة ذلك إصدار قانون الاستثمار الموحد. ونوّه الرئيس إلى حرص الحكومة المصرية على تحقيق التوازن بين ضرورة خفض العجز في الموازنة العامة للدولة وبين تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم فإن دعم الشركاء، سواء في ألمانيا أو في الاتحاد الأوروبي، من خلال الاستثمارات المباشرة والتمويل التنموي يعد ضروريًا لمساندة هذه الإجراءات. هناك العديد من الاتفاقيات التي سيتم عقدها خلال هذه الزيارة فيما يخص النواحي الاقتصادية هناك مخطط لإنشاء 3 محطات كهرباء بما قيمته 10 مليار دولار ومصنع لطاقة الرياح بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى سيتم تفعيلها طبقاً لما تم الاتفاق عليه في المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ. أما فيما يخص الشأن العسكري سيتم عقد العديد من الاتفاقيات البينية في ظل سعي مصر الدائم لتنويع مصادر السلاح لكافة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة خاصة القوات البحرية. أما في المجال السياحي فإنه قد عقد في الأقصر مؤتمراً برعاية السفير المصري بألمانيا للشركات السياحية الألمانية حوالي 300 شركة في إطار جذب السياحة الألمانية لمصر خاصة لمدينتي الأقصر وأسوان. ربما لا يعرف الكثيرون لماذا تثير زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لألمانيا كل ذلك الاهتمام سواء من مؤيديه أم من معارضيه، ولماذا حاولت جماعة الإخوان المسلمين إفشال الزيارة والتي تنتهي غدًا بعد نجاح يومها الأول، الأمر ببساطة أن لألمانيا أهمية إستراتيجية كبيرة على خريطة العالم، فالدولة التي تركها الحلفاء كومة من التراب في الحرب العالمية الثانية ثم انفصلت تمكنت بشكل كبير من العودة لمكانتها وحفظ موقع في الصفوف الأولى ضمن ترتيب دول العالم في العديد من المجالات التي يمكن بتعاون صحيح وعلاقات قوية أن تشكل حليفًا قويًا للغاية. ألمانيا تعتبر الآن هي الرائد الثاني في مجالات مهمة للغاية كعلوم الطب والهندسة والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة، كما تعتبر واحدة من أكبر دول حلف الناتو. وعلى المستوى الاقتصادي فهي ضمن مجموعة الثمانية التي تضم كبرى الدول الصناعية في العالم، وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية، واليابان، وروسيا الاتحادية، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا. وأيضا تعتبر عضوًا مؤثرًا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهى منظمة دولية مكونة من مجموعة من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر، وتعتبر قوة اقتصادية كبرى حيث إنها أكبر مصدر للسلع وثاني أكبر مستورد لها في العالم لما تتمتع به من قدرات صناعية فائقة وقدرات شرائية وسوق قوى. ألمانيا واحدة من دول الاتحاد الأوروبي بخلفية تاريخية قوية حيث كانت عضوًا مؤسسًا في السوق الأوروبية المشتركة منذ عام 1957، وهى واحدة من الدول الأوربية المنتمية إلى اتفاقية "شينجن" التي يسمح لسكانها أو الحاصلين على تأشيرتها بالتنقل منها وإليها دون فيزا وبدون حدود، والحقيقة أن ألمانيا وتحديدًا الغربية، شاركت في التأسيس لتلك الاتفاقية مع دول كبرى منها فرنسا وهولندا. جانب آخر مهم لو حاولنا الاستفادة من التجربة الألمانية وبعيدًا عن النظرة التاريخية لدولة هزمت هزيمة ساحقة ثم قسمت لجزأين وعادت بكل قوة، فألمانيا تشبهنا تحديدًا في التعداد السكاني الذي يصل في آخر إحصاء عام 2014 إلى أكثر من 80 مليون و700 ألف، وهى الدولة الأكثر عددًا وكثافة بالسكان في دول الاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر دولة من حيث عدد المهاجرين إليها، ولكن تجربة العمل هناك تكفل للفرد دخلاً سنويًا بما يعادل القوة الشرائية يزيد عن 40 ألف دولار أمريكي. ألمانيا تتمتع أيضًا بنظام برلماني ديمقراطي قوى، والأهم نظام اتحادي يضمن عدم المركزية بشكل كبير، فهي مقسمة إلى 16 إقليمًا اتحاديًا يتمتع كل منها بسيادته وحكومته المحلية الخاصة. زيارة الرئيس السيسى لألمانيا يمكن استغلالها في دعم العديد من الجوانب سواء في التعاون العلمي أو الاقتصادي أو حتى السياسي، ودراسة التجربة الألمانية بعمق واستيراد ما يتماشى مع المجتمع والظروف المصرية منها يمكن أن يقدم خطوات كبيرة لمصر في طريقها الحالي. **كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية