لعل حمدين صباحى يختلف عن غيره كثيرا من أعضاء ورؤساء الأحزاب المصرية ، فمعرفة الشعب المصرى به لم تكن عن طريق انتمائه الحزبى ، فلقد عرفه الشعب المصرى ؛ ولا سيما المعارضون السياسيون من الشباب وغيرهم مناضلا مطالبا بحقوقهم في الحرية والتغيير ، ولم يكن هذا غريبا عليه فلقد بدأ حياته النضالية وهو مازالا طالبا بكلية الإعلام جامعة القاهرة ؛ عندما شارك فى المظاهرات الطلابية المطالبة ببدء الحرب ضد الاحتلال الصهيوني لسيناء وفى أعقاب نصر أكتوبر 73 تأكد لدى حمدين ورفاقه أن السادات يقود ردة على ثورة يوليو ومكتسباتها ، فبدأوا فى تأسيس نادى الفكر الناصرى بجامعة القاهرة والذى نما وتوسع إلى أن أصبح نقطة البداية التى رسخت لنمو المشروع الناصرى، وكأن حمدين اقسم أن يسير علي خطى الناصرية التى رسمها الزعيم جمال عبد الناصر فى التصدي للكيان الصهيوني ومشروعه فى الشرق الأوسط . ثم تم انتخابه رئيسا لاتحاد طلاب كلية الإعلام عام 1975 و تم تصعيده ليصبح نائبا لرئيس الاتحاد العام لطلاب مصر ، وها هو يقود الحركة الطلابية للضغط من اجل إصدار لائحة طلابية ديمقراطية ، وهو ما نجح فيه بالفعل بمساندة زملائه وتم إصدار قرار جمهورى يرضخ لإرادة الطلاب بإعمال لائحة 1976 الطلابية . وفى أعقاب انتفاضة الشعب المصرى ضد غلاء الأسعار وإلغاء الدعم ، حاول السادات امتصاص حالة الغضب الشعبى بعقد مجموعة من اللقاءات المباشرة مع فئات مختلفة من المجتمع ، وجاء لقاءه الشهير مع إتحاد طلاب مصر والذى اثبت فيه حمدين انه مازالا يسير على خطى الناصرية مناضلا يحتذى خطى زعيمه، فلقد تحدث بجراءة قل أن توجد وقتها فى غيره ، حيث انتقد سياسات السادات الاقتصادية والفساد الحكومى المستشرى بالإضافة لموقف السادات من قضية العلاقات مع العدو الصهيوني فى أعقاب حرب أكتوبر ، ولعل حمدين دفع ثمن ذلك غاليا فلقد حرم بعد ذلك من التعيين فى الوظائف الحكومية والتضييق عليه . وفى عام 1981 وقبل اغتيال السادات بأسابيع قليلة جاءت موجة اعتقالات سبتمبر الشهيرة ضد قيادات ورموز الحركة الوطنية ، ولم يكن حمدين مستبعدا من ذلك فلقد تم اعتقاله من بينهم وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره ليكون أصغرهم سنا . ثم خرج من الاعتقال ليشرع فى إنشاء الحزب الاشتراكى العربي مع المناضل فريد عبد الكريم ، وفى عام 1987 جاءت قضيه تنظيم ثورة مصر بقيادة المناضل محمود نور الدين الذى قام مع مجموعة من رفاقه بعمليات اغتيال لعناصر صهيونية ، وجرى اعتقال حمدين صباحى على خلفية تلك القضية متهما بأنه احد قيادات الجناح السياسى لهذا التنظيم المسلح . وفى عام 1990 ومع بدء الحرب على العراق بمشاركة قوات مصرية وعربية على خلفية غزو الكويت ، اندلعت انتفاضة الشارع المصرى وكان حمدين من قادة تلك المظاهرات الغاضبة وجرى اعتقاله على أثرها ، وخرج من الاعتقال ليصبح أكثر إصرارا من الأول ليكمل العهد الذى أخذه على نفسه بإكمال المشروع الناصرى العظيم ، فساهم فى تكوين الحزب العربى الديمقراطى الناصرى مع الأستاذ ضياء الدين داود . وقرر حمدين أن يخوض تجربة انتخابات مجلس الشعب لأول مره عام 1995 وحظى ذلك القرار بتأييد شعبى حقيقي ترجم إلى واقع فلقد وصل الأمر الى استشهاد الحاجة فتحية والحاجة لطيفة بسبب العنف الأمنى ضد أنصار حمدين ، وكان ثمن إسقاط حمدين فى تلك الانتخابات بسبب التزوير بمثابة الإعلان عن مولد مناضل جديدا فى الشارع المصرى ولقد جاءت الهتافات من أبناء دائرته بمثابة الصاعقة للأنظمة المستبدة حيث اخذوا يرددون(يا صهيونى ما تفرحش عبد الناصر لسه مماتش )، وفى أعقاب 1997 جاء قانون العلاقة بين المالك والمستأجر والذي سعت السلطة من خلاله من انتزاع الأراضى من الفلاحين وإعادتها إلي الإقطاعيين الجدد وبرز دور حمدين في ذلك مناضلا ومدافعا عن حقوق الفلاحين وتم اعتقاله علي خلفيه ذلك . وخرج حمدين من الاعتقال ليصبح أكثر إصرار وتحديا وشرع فى تكوين حزب الكرامة ليحيى شعار تم اغتياله من قبل النظام الحاكم ولكن النظام وقف له بالمرصاد وتم رفض إنشاء هذا الحزب . وفى عام 2003 وبداية الاحتلال الأمريكي ضد العراق خرجت المظاهرات فى شتى أرجاء مصر تندد بذلك وكان حمدين من أوائل المنددين بذلك وهو فى هذا الوقت عضوا بالبرلمان المصرى ، ولم يكتف كبقية المعارضين بالتنديد تحت قبه المجلس بل خرج بالمظاهرات تطوف الشوارع حتى وصل الأمر إلى الاعتداء والقبض عليه رغم تمتعه بالحصانة . وفى 22 سبتمبر 2004 وبالتوافق مع انعقاد المؤتمر العام للحزب الوطنى والذى أعلن فيه النظام ثلاث لاءات " لا لتعديل دستورى ديمقراطي ، لا لتداول السلطة ، لا لنهضة اقتصادية حقيقية " جاءت ال " لا" الرابعة من حمدين ورفاقه بإعلانهم الحركة المصرية من اجل التغيير ( كفاية ) رافعين شعار لا للاستمرار والتوريث ، وبدأت الحركة الوطنية الاحتجاجية المصرية فى الظهور والتحول إلي واقع مفروض ، ومن ثم ظهور الحركات العمالية والطلابية المنادية بالتغيير إلى أن خرج الشعب المصرى بأكمله فى ثوره من أعظم الثورات فى التاريخ " ثوره 25 يناير " ولقد كان حمدين ورفاقه من أوائل الخارجين والمؤيدين لخروج الشعب المصرى . هذا هو حمدين صباحي ، عذرا .. هذا هو المناضل حمدين صباحى .