لا يعرف الكثيرون أن أصحاب المعاشات كانوا أكبر ضحايا إجازة تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي "الإجبارية"، حيث أغلقت مكاتب البريد أبوابها في وجوههم، بينما كانوا يفترشون الأرض للحصول على جنيهات قليلة ينفقون منها على أنفسهم ومن يعولون، بدعوى "الإجازة الرسمية"، وتسببت عطلة مكاتب البريد في هذا اليوم إلى تكدس رهيب في الأيام التي تلته. وأمام مكتب بريد المطرية في الشارع المؤدي إلى محطة مترو الأنفاق، وقف أصحاب المعاشات منذ الساعات الأولى من صباح اليوم، الكثير منهم افترش الرصيف بعدما عجزت قدماهم على حملهم، كل هذا الساعات في انتظار "الفرج"، للحصول على مبلغ يعينهم على قضاء حوائجهم لباقي الشهر أو ربما منتصفه. وبمجرد النظر إلى مكتب البريد لا تستطيع أن تحدد من يقف أين وكيف، فالأجساد تلاحمت مع بعضها البعض، واشرأبت عنق الكثير منهم، في محاولة للوصول إلى شباك صرف المعاشات أو لإعطاء أنفسهم بعض الأمل بأن دورهم اقترب، فمحيط المكان صغير للغاية مقارنة بالأعداد ولا مكان لموضع قدم، أجساد هزيلة البعض يأتي بها يسارًا وآخرون يمينًا لا يستطيع الصراخ للاعتراض على هذه المهزلة، ربما يدخرون تلك القوة المتبقية معهم، للوصول إلى شباك صرف المعاشات، وما زاد الطين بلة هو وجود الكثير من طلاب المدارس في مكتب البريد ذاته، لاستخراج "بيان نجاح". على الرصيف، جلست الحاجة عطيات عبد اللطيف، صاحبة ال70 عامًا أمام مكتب البريد، كانت الساعة وقتها دقت الثانية عشر، في الوقت الذى تواجدت هي منذ الثامنة صباحًا وطابور المعاشات يتحرك خطوة ويقف 10، قالت: أتواجد هنا منذ الساعة الثامنة صباحًا، ولم أتمكن حتى الآن من الحصول على المعاش ويبدو أنني سأنتظر حتى الثالثة عصرًا، ولن أتمكن من صرفه بسبب هذا التكدس غير الطبيعي. وحملت الحاجة عطيات الإجازة التي تم إقرارها بالأمس للاحتفال بتنصيب عبد الفتاح السيسي، رئيسًا لمصر، مسئولية تكدس أصحاب المعاشات اليوم أمام مكاتب البريد؛ قائلة: "في العادي الدنيا بتكون تمام إلى حد ما، لكن ده أكتر شهر يكون زحمة كده بسبب إجازة احتفالية تنصيب السيسي"، حيث أغلقت مكاتب البريد. "الغلابة، اهتم بالغلابة يا سيسى والشباب".. هكذا كانت مطالب الحاجة عطيات صاحبة ال70، لافتة إلى أن تلك الفئة هي التي تعاني الأمرين في خضم الأحداث السياسية المتوالية. وفي مشهد آخر، وقفت "نبوية" التي لا تعرف كم من العمر تبلغ، ولكن يبدو أنها تخطت ال80 عامًا، جسدها هزيل للغاية، وأعباء الزمن محفورة في كل مكان في وجهها، وقالت: "مشكلتي الزحمة اللى انتي شايفاها.. أنا مش بقدر اقف ومينفعش استنى ليوم تانى، لأني بصرف على ولادي بعد وفاة زوجها". وتابعت: "أنا بفضل واقفة كل ده عشان أقبض ألف جنيه وبيخلصوا نص الشهر"، وحين سألتها عن مطالبها ردت وهى تحاول ألا تنزل أي دموع من عينيها: "لا مبطلبش".