السيسي يوجه التحية لرجال القوات المسلحة لما يقدمونه من جهود وتضحيات    بالأسماء.. حركة تنقلات رؤساء الوحدات المحلية ب الدقهلية    رئيس شعبة الدواجن بغرفة الجيزة: لا توجد أزمة في الإنتاج.. والسلاسل تغالي في أرباحها    وزيرة التخطيط تشارك في المنتدى الرابع للطاقة والمناخ للاتحاد من أجل المتوسط    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: يجب مواصلة ضرب «حزب الله» بقوة    استشهاد 7 فلسطينيين في قصف للاحتلال على جباليا ومخيم النصيرات بوسط غزة    «السمسار الملاكى» يثير أزمة «القندوسى» و«بوبينزا» فى الأهلى والزمالك    سيموني إنزاجي يُعلن تشكيلة إنتر ميلان لمواجهة تورينو في الدوري الإيطالي    تحذير برلمانى من انتشار مواقع وتطبيقات المراهنات: تهدد السلم الاجتماعى    التصريح بدفن سيدتين لقيتا مصرعهما في حادث تصادم بمدينة نصر    حبس عاطل في اتهامه بارتكاب سرقات متنوعه ببولاق أبو العلا    بينها توليد الصور بالذكاء الاصطناعي .. 7 ميزات جديدة ل«فيسبوك» و«ماسنجر» تعرف عليها    «لعل الله يراني» و«الرؤية» يقتسمان جائزة أحمد الحضري بالدورة 40 من مهرجان الإسكندرية السينمائي    قبل إحيائه ب12 يومًا.. ريهام عبدالحكيم تشارك جمهورها اختيار أغاني حفل «الموسيقى العربية»    دعم غير مشروط لفلسطين ولبنان فى افتتاح مهرجان وهران للفيلم العربى ال 12    «أكتوبر» فى الذاكرة المصرية    منها تناول الثوم النيء.. 7 طرق لعلاج التهاب الجيوب الأنفية في المنزل    النني يسجل في اكتساح الجزيرة ل دبا الحصن بسداسية في الدوري الإماراتي    عبور وإنقاذ.. وثائقي يكشف العديد من أسرار حرب أكتوبر (فيديو)    11.7 تريليون جنيه ودائع مصريين وزيادة 181% في حساباتهم بالبنوك مقارنةً بعام 2016.. «البنك المركزي» يفحص 3210 شكاوى وطلبات    الادّعاء الروسي يطالب بسجن "مرتزق" أمريكي 7 سنوات    تأجيل محاكمة المتهم في قضية الهجوم الإرهابي على فندق الأهرامات    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    محافظ الجيزة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين لبحث الطلبات والشكاوى    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    النيران تلتهم أسرة بالشرقية    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    أوروبا تعتمد فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الكهربائية الصينية    محافظ القاهرة يضع إكليلًا من الزهور على مقابر شهداء المنطقة العسكرية بالخفير    شاهندة المغربي: أتمنى تحكيم مباراة الأهلي والزمالك في دوري الرجال    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    وزير البترول يناقش مع رئيس شركة توتال توسع أنشطتها الاستكشافية بمصر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    «ترامب» و«هاريس» يتنافسان لكسب أصوات العمال في الانتخابات الأمريكية    السد يعلن تفاصيل إصابة يوسف عطال.. ومدة غيابه    خاص- محامي أتشمبونج: فيفا سيخطر الزمالك بايقاف القيد    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بطريق «كفر داوود السادات» بالمنوفية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبود التميمي يكتب من العراق عن :عتبات الأردنيّة (سناء شعلان) في رواية (أدركَها النسيانُ)
نشر في الزمان المصري يوم 30 - 03 - 2020

تسعى هذه (المقالة) إلى الوقوف عند عتبات رواية (أدركَها النسيان) التي أصدرتها الروائية الأردنيّة (سناء شعلان) في العام 2018 عن دار أمواج للطباعة ، والنشر ، والتوزيع في عمّان، وقد وصفتها الروائية بأنّها انتصار للذّاكرة الإنسانيّة حيث يقبع الدّرس البشريّ بكلّ تفاصيله القبيحة ، والجميلة في الحياة ، لكنّ النّصر والبقاء يكون حليف الحقّ ، والحقيقة مهما طغت الأكاذيب على التّفاصيل، فهي رواية نقد سياسيّ ، واجتماعيّ، وأخلاقي ، فضلا عن أنّها رواية (عتبات نصيّة) لما تشتمل على شفرات تحظى بقيمة تشكيليّة، وسرديّة عالية أسهمت في رسم صورة المسرود، وتوجيه القراءة نحو فهم عميق لطبيعة الإشكاليّة في مجتمع الرواية .
أولى عتبات الرواية :(الغلاف) الذي يُعدّ (أيقونة) تحيل على مضمون ، وتعمل على تسريع الدخول إلى القراءة ، فهي تمتلك شكلا بصريّا يمكن الاهتداء إلى علاماته اللسانيّة التي تنفتح على جملة عتبات هي : العنوان ، والأيقونة ، واسم المؤلف ، واسم الدار الناشرة…كان غلاف الرواية قد أشبع باللون الصحراويّ المائل إلى الصفرة ليذكّر بماضي الشخصيّتين (الضحّاك) و(بهاء) اللذين عاشا طفولتهما الأولى في صحراء اليتم والفاقة، وفي أعلى جانبه الأيمن برزت كلمة (رواية) محيلة على مرجعيّة أجناسيّة لها موقعها اليوم في الكتابة السرديّة وتلقيها، وتحتها مباشرة ظهر عنوان الرواية (أدركَها النسيانُ) بحجم كبير أسود اللون دال على الحزن والموت، وهو ينفتح على تركيبيّة نحويّة مؤدّاها تقدم المفعول به (الهاء) التي تعود على (البطلة) على الفاعل في لعبة التقديم والتأخير التي تحيل على ادراك للنسيان عجيب ! ، وللعنوان وظائف أربع تمكّن منها النقد السيميائيّ هي : التعيين: أي تعيين اسم الكتاب الذي به سيشتهر و يُتداول، والوصف : أي تحديد مضمون الكتاب، والإغراء: أي إغراء القارئ باقتناء الكتاب، والإيحاء: أي التلميح بالقيمة الإيحائيّة للكتاب التي تسهم في تقبله ، وهذه الوظائف تبدو واضحة في عنوان الرواية الذي ينتمي دلاليّا إلى عدم الاستذكار الذي يتهاون في استرجاع الذكرى ، أو المناسبة فيدعها تتهاوى بين غياهب الضياع ، والفقد، والبؤس.
وإذا كان النسيانُ معلوم الدلالة عند المتلقي فإن ضمير الهاء في العنوان يحيله على امرأة يسكت العنوان عن تحديد اسمها بسبب إيجازه ، وافتقاره إلى التوضيح ليترك أمر تفصيله إلى المتن الذي أخبرنا أنّها (بهاء) مريضة بالسرطان ، وقد آن لها أن ترتاح في مرحلة من عمرها الأخير ، وأن يدركها نسيان الماضي ، في ظلّ حضور مكثّف للحبيب ، ويظهر العنوان ثانية في أقصى اليسار من أسفل الصفحة الثانية للغلاف الداخلي ليكون سيّد النقش في الصفحة كلّها ، تاركا للروائيّة في قابل الأيام تسجيل إهداء الرواية لمن تشاء على بياض الصفحة الواسع ، وللقارئ أن يجد الغلاف الأخير للرواية مشتملا على صورة الروائيّة ، وهي ساهمة في أمر ما.
أمّا أيقونة الغلاف فقد توسّطت المساحة الكائنة بين العنوان، واسم الروائيّة ، وهي تشتمل على صورة منزل أوربيّ محاط بالثلج ،وأشجار كثيفة يستدل المتلقي فيما بعد أنّه منزل (الضحّاك) في منفاه الجميل ، وللمتلقي أن يوازن بين اللونين : الصحراوي ، والثلجي ليدرك مقدار المفارقة .
ما بين العنوان الرئيس ، والثاني تتسّوط صفحة (المعلومات) مشيرة بعناية ببليوغرافيّة إلى رقم الطبعة، وتأريخها، واسم الروائيّة ، ودار النشر ، ورقم الإيداع ، والرقم المعياري الدولي ، والمواصفات الأجناسيّة للكتاب ، فضلا عن تحديد مسؤوليّة المؤلّفة ، وحقوق الناشر ، وإيميل دار النشر مصحوبا بأيقونة الدار.
أخذ عنوان الرواية موقع الصدارة في أعلى الغلاف الثالث الداخلي ، وتحته عنوان مواز آخر(حكاية امرأة أنقذها النسيان من التذكّر)،والعنوان الموازي له سمة شارحة مهمتها تفسير العنوان الرئيس ، والإحالة على نوعه النثري، لكنّه في رواية (سناء شعلان) جاء ملتبس الدلالة في لحظة تلقيه الأولى ، فالعنوان الأول يحيلُ على ادراك النسيان فحسب ، وفي العنوان الموازي تتصدّر النص كلمة (حكاية) لتشير إلى قصّة تقليديّة ، أو محكي مشهور يتم نقلُه شفاها ، والحكاية هنا تتّسع لأن تكون رواية امرأة انقذها النسيان من التذكّر، فالعنوانان يحيلان على تسويغ النسيان الذي كان نعمة الحال لبهاء .
في صفحة (المقتبس) الذي هو عتبةٌ موجزةٌ مستعارةٌ من خارج المتن دالّةٌ على قصده ، كانت الروائية قد شكّلتها من ثلاثة نصوص أخذتها من ملحمة (مزامير العشاق في دنيا الأشواق) هي: (من عشق حجّة على من لم يعشق ، ومن تألم حجّة على من لم يتألم) و(عندما تحترق الأوطان يصبح العشق محرما) و(إنّه اليتم في كل مكان)، هذه الاقتباسات يمكن تفكيكها بحسب الوصف الآتي : يشير متن الرواية في ص201 إلى أن (مزامير العشاق…) كتابٌ ملحميٌّ من سبعة أجزاء ألّفه الضحّاك ، وهذا يعني أنّ المقتبسات من ابداع الروائيّة ، ولم تكن مستعارة ، وأنّها وصفت على لسان الساردة على أنّها (نجوم الأوريغامي)، وقد استعارتها من فنون يابانيّة تعتمد طي الورق الملون ، والكتابة على ظهره لصناعة البهجة ، وأن هذه (الأوريغاميّات) تستفتح بها الروائية فصول الرواية أيضا ، ومنها ما كان جزءا من متنها ؟ ولكن للتذكير بصورة الألم ، والبؤس الذي يواجه الحياة.
عتبة إهداء الرواية كانت قد وُجّهت إلى الأديب العراقي المغترب (عباس داخل حسن) بتوصيف أفضى إلى أنّه مصلوبٌ تحت سماء القطب مثل نجمة الفينييق ، كناية عن غربته ، فهو بحسب الإهداء : دافئٌ في زمن الصقيع، اسطوريٌّ على الرغم من مواجعه، مخلصٌ للتذكّر ، يرسم دفئا على الصمت البارد…، لاشكّ في أنّ هذا الإهداء قيّمٌ ببعده الجماليّ ذي المظهر التقابليّ الذي يتحكم بالصفة وضدها، فضلا عن أنّه إهداءٌ شخصيٌّ بوظيفة إشاريّة تتعلّق بطريقة الإتصال بالمهدى إليه ، كاشفا عن أهميّته، وطبيعة التواصل معه ، لكنّ هذه العتبة بدلالتها الإحاليّة سرعان ما تتغاير في المتن ص201لتكون إهداء خاصّا من (الضحّاك) إلى حبيبته في صدر الجزء الأول من الملحمة في مفارقة يوجبها السرد الحديث.
بعد عتبة الإهداء تواجه المتلقي عتبة أخرى : بياض صفحة تتوسطها عبارة (إنني أراكَ) فهذا السواد في بياضه المكثّف نطقٌ صامتٌ عن حال الضحّاك ، ثم تتوالى سلسلة فصول الرواية التي لم تنصّ (الروائيّة) على أنّها فصول ، فهي بافتتاحيّاتها الاقتباسيّة (الأورتغانيّة) كانت بمنزلة الفصول إلى متن الرواية ، والفصول كلّها بعنوانات دالّة على النسيان، وقد بلغت ثلاثين (نسيانا: فصلا) ، لتُختتم الرواية بعتبة (ما بعد النهاية) مؤكّدة خلوّها من نهاية تقليديّة ، فقد قدّر لمتنها أن يكون مفتوحا على تأويلات شتى، بدليل نهوض عتبة (البداية) في الصفحة الأخيرة من الرواية بتكرار لازمة (إنني أراكِ) التي كان مكانها الاستهلال مع تغاير في شكل الخطاب بوصفها نطقا صامتا عن حال بهاء ، وهذا يعطي فكرة عن دوران المتن حول نفسه في حركة سرد مؤسطرة تنتهي فيها الأحداث في نقطة ما ، ثمّ تعود في شكل دائريّ يسترعي الانتباه والتلقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.