لقاء الوداع : قصة قصيرة .. للكاتب والشاعر \ طارق فريد في قلب الزحام كان عم سيد واصف يمشي بخطي ثقيلة يتخبط بين اكتاف المارين شارد الفكر فيما كشفت له صدف الحياة القاتلة ما قلب موازين حياته فاختلطت المكاييل وتبعثرت بين اقدام المارة في احد الاحياء المكتظة بالقاهرة القديمة .. وصل الي موقف الحافلات على مقربة من الامام الشافعي لا يعرف اي حافلة يصعد لكنه كان يبحث عن مقعد بينها حتى لو اختلف اتجاهه عن وجهته جلس بمقعد وسطي ينتظر تحرك الحافلة ..لكنه لاحظ امراة خالعة لغطاء راسها وتبدو فاتنة بشعرها المصبوغ بلون اشقر استدعت اهتمامه وهي تصرخ في وجه طفلة وتضربها بقوة كانها ليست امها … صعد شخص اخر بدي وجه مألوفا له.. انه زميله بالعمل ايمن العناني الذي بدى مرتبكا ولم يلحظه .. تابعه بنظرة للوراء فاذا به يتجه لتلك المراة ليسحبها من شعرها الذهبي ويضربها بقوة فانبري واقفا مع باقي الركاب الذين تدافعوا نحو الرجل فما كان منه الا ان اشهر سلاحه بوجههم طالبا منهم عدم التدخل قائلا هذه العبارة ( هذه زوجتي لا شان لكم بنا ) سحب الرجل زوجته وهو يُكيل لها الضربات وتركوا الحافلة امام اعين الناس الذين اسكتهم لهفة ابنته عليه حين سمعوها تقول له ( الحقني يا بابا ) لكن عم سيد الفضولي كان قد قرر شيئا اخر فهبط هو الاخر وسار خلفهم يتبعهم خطوة بخطوة وهو يستمع الي كم السباب المتبادل بين الزوجين المارقين بينما قلبه يرق لسماع انين وبكاء طفلتهم .. وفي لحظة خاطفة نظر ايمن للخلف فشاهد وجه زميله القديم ولم يكن امام عم سيد الا ان يقترب اكثر منه ويصافحه ظنا منه انه يزيد من حرج ايمن العناني وانه سُيهدي الامر بينهما لكن الاخير زاد شططا وانفعل اكثر موجها كلامه لزميله قائلا: – المرة بنت (….) سايبة بيتها وولادها وجوزها ونازلة تشتغل بدون موافقتي وياريتني باخد منها مليم او بتساهم في مصروف البيت .. ينفع الكلام ده ياعمنا ؟؟ ينفع الست المحترمة تخرج عن امر وطوع جوزها ياناس ؟؟ – وقبل ان يجيب عم سيد ارتفع صوت الزوجة تطالبه بالطلاق لكنه عاد ولطمها على وجهها فما كان منها الا ان ارتمت في احضان عم سعيد لتستغيث به قائلة – اعمل معروف ماتسبنيش الا لما تخلصني منه .. مش عاوزة اعيش وياه بكرهه .. بكرهه… – اخلصك منه ازاي ياستي وانا عارف انه طالع عينه وبيشتغل ليل نهار عشان يكفيكي انتي وعيالك… . انا فاكر انه لما جه يجوزك صرف عليكي دم قلبه عشان يرضيكي ويريحك تقومي تسيبي البيت طول النهار وترجعي بالليل وتهملي بجوزك وبيتك فين حق جوزك وبيتك عليكي وفين صبرك وطاعتك لجوزك اللي هي طاعة ربك .. استهدي بالله ياست حنان ده جوزك ابو عيالك وارضي بالقليل عشان ربنا يكرمك…. جيه بعد العمر ده تقولي انك بتكريه .. بعدين مصارين البطن بتتخانق .. جوزك بيعمل اللي عليه ومش بخيل ..ولا انتي في حياتك حد تاني ياست حنان ؟؟ فردت في غضب : – انا فكرتك حتقول كلمة حق لكن كل الرجالة صنف واحد ….ونظرت له بحدة وقالت: انا اخدت منه ايه؟ امن مستقبلي ولا كتبلي شقة باسمي ؟؟ عشان عملي فيها سي السيد علي ايه ؟ عاوز يامر وينهي على كيفه … لكن وحياة ده ( وشدت بخصلات من شعرها) لكون مورياه …وحطلع ميتين .(….) وانا مش حسيب شغلي…ده بيحلم … كان ايمن العناني بعد العلقة الساخنة لزوجته قد هدأ لكنه قال لصديقه نادما: – شفت البيئة القذرة ؟ ياريتني سمعت كلام ابويا ياسيد لما قالي ماتجوز من الناس والبيئة دي يابني.. كان عنده حق .. فرد عليه عم سيد: – انت كمان اتغيرت يا ايمن.. ماكنتش متخيل انك ممكن تعمل كده حتى اسلوبك بالكلام اتغير .. مش ده ايمن الراقي المحترم اللي كنت بعرفه .انت كمان انحدرت اوي يابني… وفي حزن وأسي جاء رد ايمن حزينا : – اعصابي تعبت منها ياعم سيد دي فاضحانا بكل مكان بشرشحتها وصوتها العالي اعمل ايه مش بايدي .. ومش عاوز اشرد العيال من بعدي وانت عارف كل حاجة .. ده انا كنت معيشها احسن عيشة وعلى ايدك .. لكن المرة دي وبعد الفضايح دي وسيرتنا اللي بقت على كل لسان واصرارها على الشغل وعنادها وقلة ادبها انا قررت خلاص اطلقها .. والعيال هما احرار الي عاوز يعيش في بيئتها هو حر ..انا صعبان عليه بس البنت دي .. دي الوحيدة اللي بتخاف عليه وماتاثرتش بكدب وبيئة امها وجشعها .. كان ايمن متأثرا للغاية رغم حبه لها اما هي فكانت ملامح السعادة ترتسم على وجهها الخبيث عندما سمعته يقول انه سيطلقها .فقالت غير مبالية… – اطمن انا حاخد معاش ابويا واعيش مع اولادي بطريقتي انا وبحريتي انا ومش حجوز ومش عاوزة منك حاجة وشغلي مش حسيبه ابدا … – ضحك ايمن وقال لها .. تمام زي ما امك مخططالك بالظبط من زمان .. انتي ست فاجرة مايشرفنيش تكوني مراتي .. انتي طالق . طالق كانوا جميعا قد اقتربوا من المنزل ولم يستطع عم سيد ان يكمل مسيرته معهم بعد ان فشل في احتواء الامر بينهما ولم يعد له مكان بعد انتهاء الحياة بينهما الان.. فقال مبتئسا لايمن : – انا ماحبش اكون حاضر في مناسبات زي دي يا ايمن ..واخذ يردد : لا حول ولا قوة الا بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله ….هو انا ناقص ياربي !! سلام عليكم.. .. صعد الاثنان الي شقتهم صحبة ابنتهم الصغري التي ظلت تبكي في غرفتها بعد طلاق امها ورحيل اباها عن المنزل اما الكبار من الاولاد فلم يعيروا الامر اهتماما وبدت عليهم السعادة لتخلصهم من سيطرة اباهم وسطوته فالان اصبحوا احرارا بلا رقيب او محاسب .. اوشكت الساعة على منتصف الليل حين اقترب ايمن من حنان قائلا لها كلماته الاخيرة .. – انا مانكرش اني حبيتك وضحيت عشانك كتير وفضلتك على نفسي عشان ارفع من شأنك كان اخواتك واهلك بيحسدوكي ع الترف والنعمة اللي كنتي فيها .. وقفت جنبك وانتشلتك من الضياع وتحملتك في ضعفك ومرضك وقت احتياجك لي .. اخذت قرض بفايدة من البنك عشان ارضيكي .. خليتك تولدي وتتعالجي باحسن مستشفيات في الوقت اللي كانت اختك بتولد بالداية في البيت .. كل ده واكتر منه اتنسي واترمي جنب الحيط وفضل جشعك وطمعك وانانيتك وعقد النقص اللي عندك اللي صورتلك وهم كبير اسمه كياني وشغلي وشخصيتي حتى لو علي حساب جوزك وبيتك .. ياريتني ربيت كلب كان حيبقا اوفي منك …انتي مش بس ناشز وفاجرة لا .. انتي احقر ست قابلتها في حياتي .. دلوقتي انا اللي بقولهالك مرة تالتة عشان انضف منك .. انتي طالق ياحنان.. لاول مرة تبكي بحرقه امامه وكأنها كانت في غيبوبة ثم استفاقت على اخطاءها واقتربت اكثر نحوه وكانها لتعتذر او تستدعي حبه لها لكنه ازاح يدها بعيدا عنه وفاجئها بقوله : – لا داعي ان نذهب سويا للماذون غدا ستصلك ورقة طلاقك .. غدا عن طريق قسم الشرطة .. فقط جهزي لي مقتنياتي وملابسي لكي ارسل من يأخذها .. ولاااريد رؤيتك مرة اخري …. تركها تبكي منهارة لكن ماكان يبكيها اكثر انها تفاجئت هذه المرة بانها كم هي صارت رخيصة في نظر طليقها … وقبل ان يخرج ذهب لغرفة ابنته ليلقي عليها النظرة الاخيرة فاحتضنها والدموع تنساب من عينيها ويبكي حرقة علي قولها له : – كنت بتقول مش حتسبني مهما حصل حشوفك ازاي دلوقتي وانت سايبني وسامعاك بتقولها مش عاوز اشوفك تاني ؟؟ وكأن المسكينة كانت تعلم ان هذه اخر مرة تري فيها أباها .. وان هذا هو.. لقاء الوداع …. ( طارق فريد)