بدأت تدق في وقت متقدم أكثر مما خطط له الساعة العملياتية للحرب المخطط لها للقوة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي في غزة. فلا يوجد هنا وضع من المفاجأة الاستراتيجية. إذ إنه من يوم تسلم رئيس الأركان آفي كوخافي مهام منصبه، يعنى أساساً بإعداد الجيش لهذه الحرب. ولكن هنا «مفاجأة وضعية»: فلم يتوقع أحد أن ينفذ أي تنظيم عسكري في غزة مثل هذا الاستفزاز الذي يستوجب من إسرائيل رد فعل قاس حتى قبل الانتخابات. ابتداء من مساء يوم أمس بدأت غرف العمليات في هيئة الأركان وفي قيادة المنطقة الجنوبية تعمل بوتيرة تدل على التقديرات بتدهور شامل. فالجيش ينتظر الأوأمر. ففي الساعات الأولى بعد إطلاق النار يحاولون هنا فهم ما الذي حصل: لم يكن إخطار بإطلاق نار، لم يكن هناك تصعيد شاذ في الميدان، بل العكس. ولفهم ما الذي أدى إلى إطلاق النار يوجد هنا معنى حرج وإلا فنحن في حرب. لقد قرر المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلت الأمر منذ الآن. فقد اتهم علناً أمس حماس بتنفيذ إطلاق الصواريخ نحو مدن في إسرائيل. فضلاً عن ذلك، قال، نحن ندعم بشدة حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها. بكلمات أخرى: لإسرائيل ضوء أخضر من الولاياتالمتحدة للهجوم في غزة. وبالتوازي، أعلن وفد المخابرات المصرية الذي وصل إلى غزة أمس كي يجمل بنود التفاهم مع إسرائيل وإدخال الأموال والمشاريع إلى القطاع عن مغادرته. والمعنى هو أن المصريين أيضاً يفهمون بأن حماس لم تترك لإسرائيل أي مخرج آخر غير الهجوم، وهم لا يعتزمون تعريض حياة رجالهم للخطر. أما الجهاد الإسلامي المشبوه الفوري بمحاولة تعطيل كل تسوية مع إسرائيل فقد سارع إلى النفي بأن يكون المسؤول عن إطلاق الصواريخ. من ناحية إسرائيل إن لهذا النفي معنى محدوداً. ففي إسرائيل يعرفون بأن للجهاد، مثلما لحماس، يملك صواريخ فجر بعيدة المدى منذ عقد. ومثل هذه الصواريخ سبق أن أطلقت في عمود السحاب وفي الجرف الصامد. تقول فرضية الانطلاق في إسرائيل إن نار الصواريخ بعيدة المدى من قطاع غزة لا يمكن أن تطلق دون تنسيق مع حماس أو على الأقل بعلم المنظمة، المتسللة جيداً إلى المنظمات المختلفة أيضاً. بعد نحو ساعتين من إطلاق الصواريخ رفعت حماس المسؤولية عن نفسها بواسطة المصريين. ومعقول الافتراض بأن إسرائيل تتابع ما يجري في الميدان كي تفهم هل تبذل حماس جهوداً للبحث عن منفذي إطلاق النار أم أنها تتظاهر فقط. شيء ما متطرف، شاذ، كان ينبغي أن يحصل في قطاع غزة في الأيام وفي الساعات ما قبل إطلاق النار كي يدفع حماس لأن تتخذ قرارات بكسر القواعد والمخاطرة بحرب أخرى مع إسرائيل. لا يوجد أي سبيل آخر لشرح الخطوة غير المرتقبة وربما أيضاً غير العاقلة هذه لإطلاق النار نحو إسرائيل، إلا إذا كان هذا برقاً أو قوة طبيعية عليا أخرى أشعلت هذه الصواريخ مثلما حصل في إطلاق النار نحو بئر السبع قبل بضعة أشهر. في اليوم الأخير لم يكن في القطاع سوى أعضاء وفد المخابرات المصرية الذي عرض وثيقة تفاهمات حصلت إسرائيل على بعض من بنودها، بل وكان أيضاً السفير القطري، محمد العمادي، الذي جلب معه تعهداً بإقامة سفارة قطرية في القطاع، وإقامة مسجد مركزي من أكبر المساجد في العالم وبالطبع وعد ب 30 مليون دولار لغزة في كل شهر في النصف السنة القريبة القادمة. كما أن سفير الأممالمتحدة، نيكولاي ملادينوف، لم يغادر غزة إلا أول أمس مع تعهد بإقامة حاويات سولار ضخمة تضمن تشغيل محطة توليد الطاقة. ولكن حماس، في لحظة واحدة، ألقت أغلب الظن إلى سلة المهملات بكل هذه الوعود والآمال لإعادة بناء غزة والتي انكبت عليها في أثناء الأشهر الأخيرة، وأطلقت صاورخين بعيدي المدى نحو إسرائيل دون غاية عملياتية. هذا لا يبدو منطقياً. وعليه، فإن شرح هذه الخطوة ربما ينبغي البحث عنه في خلل ما أو في نوبة خوف ألمت بزعماء حماس على بقاء المنظمة في الحكم. فالحدث الأكثر دراماتيكية الذي وقع في اليوم الذي سبق إطلاق النار في القطاع كان المظاهرات الكبرى لسكان في جباليا على خلفية الوضع الاقتصادي، في ظل تعابير احتجاجية قاسية ضد منظمة حماس. وقد قمعت المظاهرات بوحشية من قبل أجهزة أمن المنظمة. ووصف مصدر عليم في القطاع ما حصل في جباليا بأنه «نموذج ثورة شعبية». إن قوة حماس في الشارع الغزي تنبع من قدرتها على أن تقرأ جيداً المزاج في الشارع الفلسطيني. وفهم قادتها بأن هذه ليست مظاهرة أخرى بل مسيرة من شأنها أن تبشر بالربيع الفلسطيني في القطاع فقرروا وقف هذا التدهور من خلال الحل الدائم: توجيه الغضب نحو إسرائيل. إن الكرة في ملعب إسرائيل. في القدس يمكنهم أن يقروا بأن الحديث يدور عن خلل عملياتي في حماس، فيردوا بشكل مدروس وقصير، ويبقوا للشارع الفلسطيني مواصلة موجة الاحتجاجات ضد قادة حماس، أو أن يبقوا الدفتر مفتوحاً، فيضربوا حماس في التوقيت الذي يقررونه، بعد الانتخابات، وألا يتركوا لها أن تملي الجداول الزمنية. يمكن لإسرائيل أيضاً أن تنفذ هجمات جوية متواصلة وقاسية في ظل التسبب بأضرار جسيمة لمنظومة حماس العسكرية، مما سيجر لجولة أخرى من القتال في المنطقة ستؤدي على أي حال إلى تشويش السير السليم للانتخابات وينتهي برزمة عطايا أخرى إلى غزة. وثمة طريق آخر من الخطوة العسكرية الشاملة، البرية والجوية، التي هدفها الوحيد كسر قوة حماس العسكرية وإحلال الهدوء في المنطقة لسنوات طويلة، بثمن عملية برية لفترة زمنية معينة أيضاً. إسرائيل ستصل إلى هذه الطريق. السؤال المطروح الآن على طاولة رئيس الوزراء هو هل الوصول إليها منذ الآن. اليكس فيشمان