سعر الدولار الآن والعملات العربية والأجنبية السبت 5 أكتوبر 2024    بعد انخفاض عيار 21 رسميا.. أسعار الذهب اليوم السبت 5 أكتوبر 2024 بالصاغة    تعطل خدمات انستاباي.. والتطبيق يكشف السبب وموعد العودة    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    هوكشتاين: الولايات المتحدة لم تعط "الضوء الأخضر" للعمليات العسكرية في لبنان    جيش الاحتلال يعلن إطلاق حزب الله 222 قذيفة باتجاه إسرائيل    سياسي: جيش الاحتلال يسعى إلى إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان بطول 61 كليومترا    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    نداء من علماء المسلمين إلى الأمة بمناسبة عام من المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين    عبداللطيف: طه إسماعيل قام بالصلح بيني وبين محمد يوسف بعد إصابتي في سوبر 94    «تصريحات ماتطلعش من طفل صغير».. إبراهيم سعيد يفتح النار على قندوسي    «حط نفسه في مشكلة كبيرة».. تعليق ناري من ميدو على تصريحات القندوسي    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    اندلاع حريق هائل داخل مصنع بالمرج    «بطل تصريحات واشتغل».. رسائل قوية من إبراهيم سعيد لمحمد رمضان    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    عودة المياه في منطقة العجمي بالإسكندرية بعد إصلاح الكسر المفاجئ    عاجل| يكره الأهلي.. رد ناري من وكيل قندوسي السابق على تصريحات اللاعب المثيرة    هل يحدث صدام قريب بين محمد رمضان وكولر؟.. شاهد    سيراميكا يكشف كواليس استدعاء الأهلي للتحقيق مع أحمد القندوسي    عاجل | آخر تطورات أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    الاستعلام عن صحة طفلة سقطت من سيارة ب 6 أكتوبر    «هدوء ما قبل العاصفة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم حتى الخميس (تفاصيل)    لبنان.. طائرات الجيش الإسرائيلي تستهدف مدينة الخيام وبلدة كفركلا    المرصد السوري: انفجاران منفصلان يهزان مدينة تدمر بريف حمص الشرقي    كتائب القسام تعلن استشهاد زاهى ياسر عوفى قائد حماس بطولكرم فى غارة إسرائيلية    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON.. اعرف التفاصيل    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    سارة بدر: هناك اعتراف عالمي بمنتدى شباب العالم كمنصة دولية لتمكين الشباب    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا..    فتح باب الترشح لانتخاب التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في الإسكندرية    قطر يتعرض للهزيمة من الأهلي في غياب أحمد عبد القادر    حقيقة إلغاء الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية.. التعليم تحسم الجدل    "تعليم دمياط" تشارك في "بداية " ب ورش وندوات لتنمية مهارات الطلاب    الهزار قلب جد.. نجل أحمد شيبه يقاضي أحد مشاهير السوشيال ميديا بسبب صورة    «حياته هتتغير 90%».. برج فلكي يحالفه الحظ خلال الأيام المقبلة    منسق «حياة كريمة» بالقاهرة: إقبال كبير من المواطنين على منافذ بيع اللحوم    قصة أهل الكهف.. رحلة الإيمان والغموض عبر الزمن    وظائف هيئة الرقابة النووية والإشعاعية 2024.. تعرف على التخصصات    ضبط 3000 عبوة مواد غذائية منتهية الصلاحية في كفر الشيخ    تدريب الأطباء الشباب وتعزيز التقنيات التداخلية، توصيات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية بجامعة المنصورة    حملة «100 يوم صحة» تقدم 3.6 مليون خدمة طبية في سوهاج منذ انطلاقها    "السبب غلاية شاي".. إحالة موظفين بمستشفى التوليد فى مطروح للتحقيق -صور    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    مصرع «طالب» غرقا في نهر النيل بالمنيا    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلامٌ وذباب..قصة بقلم : القاص العراقى عبد الكريم الساعدى
نشر في الزمان المصري يوم 01 - 12 - 2018

انقضى يوم آخر، عيناه الغائرتان في كهف الأسى مازالتا معلّقتين في سقف القاعة، ظلمة شاحبة تقرع المكان، تحمله على براق لحظة صمت مغلّفة بأحلام عاقرة، سحاب لا يمطر، كلّ شيء حوله يبدو باهتاً، ضنيناً، حاول أن يرتّق أحلامه المبعثرة عند أطراف سريره، بعدما أخذته رعشة خفيفة، تغصّ بلهاث شهوة عوالم وهمية، إلّا أنّ طنين ذبابة ماردة أطفأ ذلك الشعاع الهارب من حلكة ليله، امتطى غضبه وأطلق سيلاً من اللعنات:
– في الصباح قصف الطائرات ودوي المدافع، وفي الليل الذباب!
التفت حوله، جميع رفاقه يغطّون في نوم عميق، إلّا هو، ابتلى بأرقٍ متجدّد، مرّت ساعات يتوسل نومه، الأبواب موصدة، الظلمة تمخر عباب عينيه المعلّقتين في سقف الأوهام، وما من طيف يمرّ، ولا صورة تجوس ظلّ ذاكرته الهرمة، الصداع يتسلّل إلى رأسه، الذبابة الماردة ما زالت تدور بين الحين والآخر حوله، ترصد صمته، ترشقه بوابل من طنين، قفز من فراشه مذعوراً، يداه تلاكمان الهواء، الفراغ، يطارد الذبابة بحنق – بلا وعي- من مكان إلى آخر، يرتطم بالجدار، يسقط، تؤسره الخيبة، يمتطي خطوات الخذلان؛ لقضاء ما تبقى من ليله، يذرع المكان كالمتسول، يقتفي هزائمه المتلاحقة، يجفّف عرق جبينه، يستوي على سريره، ينظر إلى السقف ثانية، يرصف أشلاءه التي بعثرها الطنين، يبتسم، يدسّ رأسه تحت الغطاء، يبدو أنّه تذكر شيئاً ما، وقبل أن يتسلّق ضوء الصباح أفق فجر جديد، يستيقظ الجندي على صوت صافرة النهوض لقيامة جديدة، فتح عينيه ببطء شديد، مسّ عينيه شبح العريف، فانطفأت أحلامه، كانت حفنة من رماد خلّفها عند وسادته:
– لا أدري لماذا يتكرر موتنا؟ ولماذا يهدم الذباب أحلامنا البائسة؟
– أ ما زلت تحلم، أيّها الدب الكسول؟
– وكيف تعيش أيّها الأبله؟ وأردف بنبرة حزن:
– لم يبقَ لنا سوى الأحلام.
– وبِمَ تحلم؟
– أيّ شيء، المهم أنّي أحلم، سأقصّ لك حلم الليلة الفائتة بعد أن نعود إلى القاعة، كان حلماً جميلاً.
في ساحة العرض انتظم الجنود في صفوف متوازية، العيون شاخصة، يلدغها الصوت الآتي من بعيد:
– استعد، استرح، استعد.
الصمت ينزلق على كتف المكان، البنادق انتصبت بموازاة الأرجل المتصلّبة، الذبابة الماردة تعود، تتسلّق أنف الجندي، يتمازج القلق مع ارتعاشة كتفيه، يحرك أنفه، يمطّ شفتيه، لم تغادر مكانها، يحولق بصوت خفيض. قال الجندي المحاذي له هامساً:
– ما بك؟
– ذبابة لعينة فوق أنفي.
– هشّها.
– كيف؟
– هكذا… مطّ شفتيه للأمام، ونفخ في الهواء.
حاول أن يداري حيرته، يتلبّس المشهد باحتراف، يطلق عدة زفرات، لحظة ويشنق ارتباكه بلذة:
– لأول مرة أحسّ بلذة الانتصار.
– اصمت ، ثمة من ينظر إلينا.
يمضغ بعض الوقت بلامبالاة، يرتقي حاجز الحضور الموحش، يغرق في لحظة تجلي، يتراءى له جداول متبرّجة بأزهار ملوّنة، تطلق أحلامه عند حافة امرأة تنثرعطرها فوق جدائلها المسفوحة فوق عشب أخضر، لم يرَ مثلها من قبل، تعصر روحه بفيض فتنتها، رتّب زهوه، تسلّل ما وراء صحوه، تقرعه رغبة العناق ولثم ثغرها، وقبل أن يقتحم ظلال الأشجار الوارفة، اقتحمه طنين تلك الذبابة اللعينة لتحطّ مرة أخرى فوق أنفه الغارق بعطر أوهامه، وما كان منه إلّا أن يصفقها بكلتا يديه تاركاً سلاحه يقعقع، يستثير السمع وسط ذهول الجميع، لا يدري- هذه المرة – كيف يداري ارتباكه؟ خرج وسط الساحة، يلج فجوة إهماله، مغتصباً رعشة خوف سرت في كيانه:
– مالذي فعلته، أيّها الأحمق. قال الضابط.
– لا شيء، سيدي، أردت إبعاد الذبابة.
– وكيف يتسنّى لك مواجهة العدو، وأنت لا تحتمل موقفاً كهذا؟
– سيدي، أستطيع مواجهة كتيبة من الأعداء ولكن…
– ولكن ماذا؟
وبعد لحظات قصيرة كان الجندي يتمرغ في الوحل، الضابط مبتهج وسط صمت الجميع، يطلق أوامره بالتحرك إلى الأمام. واصل الجنود المسير نحو التلال المحيطة بالمكان، بينما الضابط راح يراقب سير المعركة عن بعد.
– ما الذي ستفعله، أيّها الدب الكسول؟ قال الجندي ضاحكاً.
ارتسمت على شفتيه ابتسامه خفيفة:
– سأحتسي المزيد من الأحلام، وأطارد الذباب في كلّ مكان.
دوي الانفجارات يتسوّرالمكان، يلفحه أزيز الرصاص وسط موجة ذهول، لم يتوقع أحد أن العدو بهذا القرب، احتمى الجميع بالانبطاح، وبعد دقيقة تدفّق القصف بشكل كثيف، حتى لفّ المدى دخان وصراخ يخمش القلوب رهبة ورعباً. وما إن انجلى غبار القصف واطبق الصمت على المكان، كان الجندي المتمرغ بالوحل يشخب بدمه، يصافح دمعه لوعة، تطوّقه نظراته الحالمة، يختنق بعبرة، يشهق صاحبه ملء روحه:
– لاتمُت، أيّها…
– قلها ياصاحبي …..
يميد به الشوق، يعانقه، يعاتبه، تحشرج صوته حزناً:
– لا تمت أيها الدب الكسول، احكِ لي حلم الليلة الفائتة، من سيقصّ لي الأحلام بعدك؟
– لا تخش شيئاً، هاأنذا أسلمك أحلامي.
وقبل أن ينطفئ ضوء القاعة كانت أسراب من الذباب تلعق دمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.