لا تنظر إلي هكذا ، فأنت لست خالقي ، ولا والدي ، وأنا لا أعمل عندك ، لا تتخيل نفسك مخلوقا عظيما فوق الجميع ، فأنت لا تساوي صرصارا ، أنا لا أتجنى عليك ، هذه حقيقة ، لو قدر للصرصار أن يكون في حجمك ، فسوف يكون أعظم منك ؛ شوارب زخرفية ، وأرجل نحتية ، وصدر تشكيلي وفم سريالي ، لا تنظر إلى السماء هكذا وتضحك ، لا تتوعدني بها ، فهي لم تخلق لك كما تزعم ، إنك أتفه ما فيها ، اسألني أنا عنها ، فلقد درت كوكبا حول الشمس أبدين ، ليس معنى أنني مسجون عندك أنك استعبدتني ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، هذا قولي وليس قول أحمد عرابي كما يزعمون ، تحدث معي كإنسان كوكبي يتحدث مع إنسان كوني ، إن لي تاريخا لا يمكن أن ترقى إليه ، فلك أن تعلم إن كنت لا تعلم ولا فخر ، أن لي أولادا وأحفادا في كل مكان ، بشرا وحيوانات وجمادا ، يمكن بحركة مني أن يزلزلوا مكانتك ، لن أحكي لك شيئا ، عفريت أنا أو إنسان ما دخلك أنت ، في برد الفجر بعد أن تعلقني من رجلي ، ويقف المخبرون يضربون جسدي بكل ما يعانون من قهر سأصيح وأروي : كان أبي فظا غليظا ، حرم عليَّ كل شيء ، سوف يزيدون في الضرب ويقولون : عرفنا هذه ، كنت بطل الكون في كمال الأجسام ، وكان هذا يضايق أبي جدا ، في ليلة ممطرة باردة غضبى ، رجعت بعد منتصف الليل ، كانت تعليمات أبي العودة مع أذان الظهر ، ما كاد الباب يفتح حتى انهال عليَّ بالسوط ، السوط الذي تبقى معه من آخر خدمته في حجابة الملك ، عذبني السوط ، لم أسمع شيئا إلا صراخ والدتي ، قال لي وأنا أهرول منكفئا : اذهب أينما كنت ، همت على وجهي في شوارع الإسكندرية ، مدينة جدي إبليوووو الأكبر ، وليس الإسكندر الأكبر كما تزعمون ، بدأت المدينة تتآزر مع والدي ، تتعجل اتحادي بها ، الأمطار تحطم أهوستها ، الرعد يفجر باروده ، الريح تطلق صواريخها ، جلت الشوارع ، لا مأوي ، صرخت بطني ، تلوت أحشائي ، دارت رأسي ، ثقلت جفوني ، كل البيوت عامرة بسكانها ، حتى مكامن الكلاب ، لا أحد في الشارع إلاي ، حتى العسكر الذين لا يتركونني أبدا يتركونني الآن ، لا بد مما ليس منه بد ، أكون أو لا أكون ، أنا المشرد الأكبر ، ابن حاجب الملك ، لاح أمام عيني بيت أم جورج ، بناء أسطوري ، شكل ملايين الحكايات في مدينتنا ، بيت مهجور ، لا يقترب منه أحد ، تسكنه العفاريت ولا أحد سواها ، تركه أهله وسافروا إلى بلادهم ، لا يعرف أحد لماذا لا يرجعون ، مثلما لم يعرف أحد لماذا سافروا ، قفزت من على سوره ، فوجدت نفسي في حديقة مظلمة إلا من بقايا ضوء الشارع ، حمت حول المنزل ، لم تكن أبوابه مفتوحة ، وجدت نافذة قلقة في مكانها ، عالجتها فانفتحت كاملة ، دلفت منها ، لا لم أخف ، فمثلي لا يعرف الخوف ، إذا سمحت لي الظروف وحكيت لك عن فلسفتي في الحياة ، عرفت أنني لا يمكن أبدا أن أعرف الخوف ، لا تستغرب أنني أحكي لك كل هذا الكلام ، وأنا تلميذ في الصف الأول الابتدائي ، فالذي لا تعرفه أنني عشت حيوات كثيرة قبل ذلك ، حصلت فيها على شهادات عدة ، وتقلدت فيها وظائف كثيرة ، ومت مرات ، وفي أثناء دوراني عدت مرة أخرى إلى المدرسة ، تلميذا يقف أمامك ، لا يمكن أن أستمر في الحكي ، وأنا بهذه الصورة ، قل لرجالك أن يعدلوني وأن يفكوا وثاقي ، هل من طقوس الحكي عندكم شد الوثاق وقلب الأمعاء ؟ هذا حسن ، وضعي الآن أفضل ، أخيرا أستطيع أن أضرط ، يبدو أن ضراطي راق لك ، وجدت المنزل غاية في الإظلام ، فتحت نافذة أخرى فتبدى المنزل كالكنيسة ، تماثيل العذراء باسمة بينما تماثيل المسيح مصلوبا في كل مكان ، لا أثر لأحد ، لا أثر لأثاث ، ارتكنت لأحد الحوائط وجلست ، كانت أرضية المنزل من الخشب ، استدفأتها فأدفأتني ، رحت أفكر فيك ، نعم فيك أنت ، فأنت الذي صلبت المسيح ، هل تنكر ذلك ؟ تضحك فتظهر أسنانك الفولاذية المضمخة بالدم ، لولا صلبك للمسيح لما انتشرت هذه التماثيل في كل مكان ، هل تفهمني ؟ يبدو أنك لا تفهم شيئا ، معذرة ، قل لهم أن يعيدوني إلى وضعي المقلوب حتى تحسن فهم الحكاية ، مرت الثواني بطيئة ، الهدوء مخيم على المكان إلا من صفير بطني ، يا مسيح ، يا من كنت تطعم البشر بمائدة من السماء ، اهبط علي بواحدة ، لن تضيرك شيئا ، ما هذا الصوت ؟ ثمة من يتحسس النافذة ، ثمة ضوء ، ثمة من ينظر من النافذة ، ثمة من يدلج من النافذة ، أراه الآن بوضوح ، رجلا في زي العسكر يحمل بقجة ، ربما كان من عسكر الدورية ، الذين لم أرهم في الشارع ، يحاول أن يجد لنفسه مكانا يجلس فيه ، لكن أين ترك سلاحه وبيادته ؟ يتحسس بكشافه المكان ، ما كاد ضو ءه يقع على وجهي حتى انتصبت قائما ؛ لأقول له شيئا ، فألقى الكشاف في وجهي والبقجة ، وقفز من النافذة ، وهو يرتجف ويصيح : عفريت ، عفريت ، الله أكبر ، الله أكبر ، هممت بأن أتبعه ، وأوضح له الأمر ، فلمحته يطير من فوق السور ، عدت شيئا فشيئا إلى الهدوء ، بدأت أفكر في الأمر ، من هو العفريت ؟ ومن هو غير العفريت ؟ لو قدر لي وقابلت الرجل لأقسم لي بأنني عفريت ، ولأقسمت له بأنني غير ذلك