هجموا علينا من حيث لا نراهم ، كانت المسدسات في أيديهم ، والبنادق على أكتافهم ، والقنابل في جيوبهم ، وكنا عزلا من السلاح ، لا نملك إلا إرادتنا ، تهيب بنا أن نتماسك . قالوا لنا : نحن الأمل الجديد ، والفجر الوليد . أمعنا التحديق فيهم ، إنهم مثلنا .. دما ولحما ، لكنهم ليسوا منا ، فلقد كان نظرهم صفعا ، وهمسهم ضربا ، ونجواهم دمارا . حاصرونا في شتى النجوع والقرى والمدن ، وأمرونا أن نصطف ولا نبدي حراكا ، تجمعنا في الوسط كتلة واحدة ، من تحرك منا لقي حتفه في الحال. دوى في المكان صوت مريب ، خرق آذاننا ، ودب الرعب في قلوبنا ، التي كادت أن تتوقف : حاذوا يا أولاد الكلاب . وبدون تردد ، وجدنا أنفسنا كتلة واحدة إلى اليسار ، فهمد الصوت للحظات ، ثم صاح : حاذوا يا أولاد الكلاب . اتجهنا لليمين ، فعادت أنفاسنا اللاهثة إلينا ، تستفسر عما يحدث ، وقبل أن ترتد ، بالإجابة ، انفجر الصوت هائجا : حاذوا يا أولاد الكلاب . وعندما رجعنا القهقرى ، تهاوت علينا المطارق ، وطاردتنا الكلاب ، بينما الصوت محتدا يصيح : حاذوا يا أولاد الكلاب . تقدمنا للأمام ، فقابلونا بالدروع والعصي منددين : حاذوا يا أولاد الكلاب . ضقنا بهم ، احتكت نظراتنا بيننا ، وثابت بالإجابة المفقودة ، تساندنا ، ووقفنا ، بين جريح ومحتضر ، وآخر مبتور الأوصال ، حتى الميت منا ، بملامسته لنا ، دبت في جسده الحياة ، وصرخنا صرخة رجل واحد ، كتمت صوتهم المريب . 7/1984م