منذ نعومة أظافري وأنا عبدٌ منيب إلى الله أصوم وأصلى التراويح وأتهجد واعتكف وأقيم الليل وأتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار.. لماذا أبدأ كلامى بكل هذا الكذب..؟ هل لأدارى خيبتى التى هى خيبة من نوع خاص تمتزج فيها الويبة مع الوكسة فى مزيج فريد ونادر، أم لإن ذنوبى مترامية الأطراف لا يعجز عن وصفها الصدق وإنما قد ينجح فى إخفاءها الكذب عن من يقرأ هذا المقال مغشوشاً فى كاتبه متوسماً فيه الخير والإنابة.. يارب عدتُ إلى رحابك تائباً.. مستسلماً.. مستمسكاً بعراكَ أدعوك يارب تغفر ذلتى.. وتعيننى.. وتمدنى بهداكَ.. يشدو نصر الدين طوبار فتدور نفسى حول محورها واتحول إلى كائن شفاف للحظات فيشتعل فى جسدى الأمل فى نيل مغفرة وأخرّ ساجداً.. لكن ذنوب عام كامل تصبح فى جنبى كسيفٍ مغروس فأنتفض كوتد فى صحراء اليأس.. فإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده.. فاسأله: من ارباك..؟ وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره.. !فاسأله من أسراك؟ وأطوف ليلاً على النبتِ والبدر والمخلوقات، فأجِدَهم جميعاً مُنشغلين بطوافٍ حول الذات، منهمكين بالذكر، خاشعين بالعبادة، فأهيم وحدى مستسلماً لشعاع ضوء يأخذنى كما تأخذنا الأحلام فى جوف نومٍ عميق. تأتى الليلة الأولى فيعلن المفتى أن غداً رمضان.. ونهلل ماسكين الكرة الكَفر فى إيدينا البريئة التى لم تُلوث بعد.. مرحب شهر الصوم.. مرحب لياليك عادت فى أمان.. بعد إنتظارنا وشوقنا إليك.. جيت يا رمضان نحمل الفوانيس التى تضئ فى ليل القاهرة كنجوم صغيرة فى كوكب مظلم، تلسعنا شموعها فتخرج الوحوحة مع كلمات.. وحوى يا وحوى.. إياحا ..تأخذنا الفرحة فنستزيد من الوحوحة.. وكمان وحوى .. إياحا ثم نتساءل: رحت يا شعبان ؟؟ فيجيب شعبان : إياحا تملأؤنا الفرحة فنستزيد من التأكد .. جيت يا رمضان ؟؟ فيرد رمضان : إياحا ويبدو أن إياحا تعنى (أوك) بلغة لم نعرف لها معنى .. أفيق من ذكرياتى على صوتٍ ينادى: لا أوحش الله منك يا شهر رمضان، لا أوحش الله منك يا شهر الصيام يا شهر القيام والتراويح والتسابيح، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران