بقلم احمد خيري مقال اسبوعي من المواجهة بين " هو وهي " جدي .. رحمه الله .. أحني الزمن ظهره .. ورفع العلم رأسه .. فانسابت الحكمة عن لسانه .. كنت أتودد إليه وأحب الجلوس بين يديه .. حتي أسمع حكاياته وهو يرسمها بصوته الحنون .. الشجي .. المملوء بالدفيء والأمان والستر من الحياة .. ذات يوم حكي لي قصة مازالت صداها .. ومعناها يتردد في أذني .. ويثير عقلي للتفكير .. قال :" كان يا ما كان .. ملك الزمان .. ترتج له الأشناب .. وترتعد من صوته الرياح .. أوقعه قلبه ذات يوم .. في فتاة طلتها مليحة .. ووجهها يسبح بين قسماته ضوء القمر في ليل اكتماله .. ولكنها للأسف كانت من عامة الشعب .. القوانين كانت صارمة .. والقضاء الحازم حارس أمين لدساتير مملكته .. والدستور يقول بأن الملك لا يمكن أن يتزوج إلا من أميرة .. تعرض الملك للهوان .. والضعف والهزال .. من كثرة سهر الليالي .. وفقدان الشهية للأكل والشراب .. فقد ملكت الفتاة روحه وقلبه .. ووصل معها لدرجة العشق والهوي .. فما كان منه إلا أن جمع مستشاريه .. الذين احتاروا في ايجاد الحلول .. وأجمع أغلبهم علي الاختيار بين حبه للفتاة أو الملك .. ولكن العقلاء حينما وجدوه مصرا علي ترك الحكم .. تفننوا وتحايلوا حتي وجدوا له الحل المفيد .. وتزوج الملك.. في اول يوم للعروسة بالقصر .. كانت مشدودة .. مبهورة .. فهي المرة الأولى التي تنام في سرير .. ويتغطي جسدها بحرير يقيها برد الشتاء القارص الذي كانت يخترق جدران كوخهم الصفيح .. وزاد انبهارها في اليوم التالي حينما وجدت أصناف من الأكل كانت تسمع عنه .. وظلت علي هذا الحال أيام وشهور كل يوم يقدم لها الهدايا ويقيم الليالي الملاح .. والجواري حولها أشكال وألوان .. والماء الرقراق في حديقة قصرها ينساب .. والملك العاشق الذي لا يكل ولا يمل من غزلها وعشقها ولهان .. وذات يوم طلب منه طلب غريب قالت له :" يا ملكي .. ودرة فؤادي .. لقد اشتقت إلى خلط الطين بقدمي كما كنت أفعل عند والدي لكي يصنع منه الطوب .. فهل لي أن تصنع لي بركة من الطين لاقف فيها بقدمي " تعجب الملك .. فقلبه لا يطاوعه.. وكيف وهي حبيبته وملكة البلاد؟ .. جمع مستشاريه .. فأشاروا عليه بان يفعل لها ما تريد .. فأمر بعمل بركة من الطين .. ولكن طلب من الخدام أن يخلطوها بالمسك .. والعنبر .. ويملؤها فقطع من الأحجار الكريمة واللؤلؤ والزبرجد والماس .. ففعلوا .. ونزلت الملكة البركة .. وهدأت من نفسها .. وتعود الملك أن يصنع لها ذلك يوما في كل أسبوع .. ومرت الايام والشهور والملكة سعيدة أنه حقق لها أمنيتها .. ولكن القدر كان أعظم .. وحدث انقلاب بالمملكة .. طلب الملك من الملكة أن تصاحبه إلى مملكة قريبة من عرشة أصحابها أقربائه .. ولكنه فوجئ برفضها .. وحينما أصر .. حزمت مقتنياتها وذهبت إلى والديها .. فراح خلفها وسألها عن تخليها عنه رغم حبه لها .. فما كان منها إلا أن لامته أمام الجميع بأنها لم تر معه يوما جميلا في حياتها .. وأنه كان ينزلها الطين بقدميها .. عند هذه الفقرة كنت أبكي .. وأحزن علي حال ملك أنقلب عليه الزمان.... وتركته حبيبته في مهب الرياح .. ولكن جدي رحمة الله كان يقول لي الامان أساس الزواج .