شوف يا بيه دي زجاجة عطر لزوجتك أو خطيبتك .. قربي يا هانم ملايات سريع تفتح نفس زوجك .. مع كل صباح تحمل "توحيدة " 46 عاما حقيبتها المعبأة بأنواع مختلفة من الملابس والمفروشات والعطور ، فوق رأسها وتمر بها بين حجرات ومكاتب الموظفين .. تعرض بضاعتها على موظفي المصالح الحكومية بالقاهرة، كي توفر في نهاية اليوم متطلبات أسرتها، خاصةً علاج زوجها المريض وجهاز ابنتها المقبلة على الزواج. في وجهها سماحة غريبة تظهر بمجرد دخولها أحد المكاتب ، تتعالى أصوات الموظفين رغبةً في التعرف على جديد البضاعة لديها، خاصةً وأن أسعارها تقترب من أسعار الجملة. "الواقع" التقت بها واستمعنا إلى حكايتها التي تتشابه مع آلاف القصص المنتشرة ، بسبب مرض الزوج أو موت الأب .. قالت توحيدة :- أنا ست متعلمة تزوجت بعد دبلوم التجارة بسنةٍ واحدةٍ ، من رجل طيب كان صاحبا لمحل أجهزة كهربائية ملاصق لمنزلنا وأنجبت منه ثلاث بنات.. عشنا في حياة عادية طوال 18 عاما .. في الصباح يخرج زوجي لمحل عمله وفي المساء يعود حاملاً ما لذ وطاب من الأطعمة والفواكه، والكل سعيد ولا يجد أي مشقةٍ في الحياة". استمر هذا الحال حتي تزوجت ابنتي الكبرى .. ساهم والدها في تكاليف جهازها، وساعد العريس لأنه كان شابا في بداية الطريق، ولكن ذات يوم عاد زوجي محمولا علي أكتاف عمال المحل لى المنزل بعد أن سقط مغشيا عليه، وقال الطبيب أن حالته بأنه مصاب بضعفٍ شديدٍ في المناعة تجعله غير قادرٍ على العمل. المال السايب تولي المحل العمال ولم تمض شهور قليلة حتى فرغ المحل من البضاعة، في ظل نفقات علاج رب الأسرة ومتطلبات الحياة اليومية للأسرة وخلافة ، حتى لم يعد في المنزل إلا بضعة جنيهات، وكانت هذه هي النقطة الفارقة التي جعلتني أفكر في دورٍ جديدٍ أقوم به لأنقذ أسرتى من التشرد، خاصةً وأن ابنتى الوسطى تقدم لخطبتها أحد الشباب. حاولت "توحيدة" العمل كبائعةٍ في محل للملابس الجاهزة، لكن طول وقت العمل أعجزها عن التوفيق بين هذا العمل ورعاية زوجها المريض وبناتها. وفي ظل هذه الظروف العصيبة جاءها عرضٌ من إحدى قريباتها يتمثل في قرض صغير لتستغله في مشروع صغير يكفيها ذل السؤال، وعن هذا العرض تقول توحيدة : "جاءني هذا العرض لكن بقيت فكرة المشروع نفسه غير معروفة.. وذات يوم كنت جالسة أفكر، فمرت علي سيدة تحمل شنطة (حقيبة) هاندباج بها ملابس متنوعة تعرض علي الشراء، وعندها شعرت أني وجدت ضالتي في التجارة البسيطة". "ذهب الخجل" وفي البداية قامت توحيدة بشراء كمية من الخضروات وتجهيزها للموظفات الراغبات في اختصار وقت الطهي، موضحة ذلك بالقول: "بدأت أذهب إلى السوق في ساعات الصباح الباكر أشتري الخضروات مثل البازلاء والبامية والكوسة، وأقوم بتجهيزها وتنظفيها ووضعها في أطباق لأعرضها على الموظفين الحكوميين.. وكنت في البداية شديدة الخجل، فأذهب إلى موظفةٍ أطلب منها أن تخبر زملاءها الذين يرغبون في الشراء، ولكن مع مرور الوقت زال الخجل". وبعد فترةٍ ليست بالطويلة قررت أن تطبق مشروع حقيبة الملابس التي رأتها من قبل.. فمن أسواق الجملة تجمع تشكيلة متنوعة من الملابس والمفروشات، ثم تتوجه بها لنفس الموظفين تعرضها عليهم. وتقول توحيده: "يحرص الموظفون على متابعتي ومعرفة الجديد لدي، خاصةً وأني أوفِّر عليهم وقت الذهاب للمحلات، فضلاً عن أني أبيع لهم بأسعار رخيصة قريبة من الجملة". وفي ظل هذا المشروع البسيط تمكنت من توفير نفقات أسرتها اليومية والاستعداد لزواج ابنتها المقرر بعد شهرين حيث تقوم بشراء احتياجاتها بالتدريج.