بقلم د. عادل عامر الغدر.. العزل.. الإفساد السياسي.. مسميات متعددة لنفس المطلب الذي ارتفعت به أصوات المصريين على مدار الأشهر الماضية، من اللحظة الأولى بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتفكير في الانتخابات البرلمانية، وظل التباطؤ والتأجيل مستمرًا في الاستجابة لمطالب الشعب والقوى الوطنية المختلفة بإبعاد فلولالنظام البائد عن المشاركة في الحياة السياسية مرةً أخرى. إذاكان المشرع هو الذي يحدد العقوبة وفقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إلا أنه لايستطيع أن يحدد كل الظروف التي أحاطت الجاني وقت ارتكاب الجريمة، فأن المشرع يعملعلى إعطاء القاضي بعض الصلاحيات لاختيار العقوبة المناسبة لتأهيل وإعادة إدماجالمجرم في المجتمع مثلا أن يحدد للعقوبة حدين وهذا ما يسمى بالتفريد التشريعي. أنقانون العزل السياسي بالصيغة المقترحة لا جدوى منه ويصطدم بمبدأ شرعية الجرائموالعقوبات ويكون مشوبًا بعدم الدستورية إذ إنه يتضمن توقيع عقوبة في غير الطريق الذي رسمه القانون وهوصدور حكم بات واجب النفاذ، ولكي يتحصن المرسوم الصادر بعزل الأشخاص الذين سيجريحصرهم علي أنهم أفسدوا الحياة السياسية ويصدر مرسوم قانون بذلك لابد من إضافة مادةللإعلان الدستوري تتضمن ذلك حتى تكون محصنة من شبهة الطعن بعدم الدستورية إلى أنسياسة تفريد العقاب لا يجب أن تؤثر على قاعدة الشرعية الشيء الذي يفهم على أنالقاضي الزجري لا يجب أن يتوفر على سلطات واسعة وغير محددة، وذلك حتى لا تتحولسياسة تفريد العقاب إلى تحكمية في يد القاضي، لذا كان من اللازم وضع حدود لهذهالسلطة يتمكن من خلالها القاضي إلى تحقيق سياسة تفريد العقاب، وهذا ما جعلنا نعالجالموضوع من خلال إشكالية مركزية: تتمثل في تحديد طبيعة التفريد قانونا وقضائاًوتنفيذاً ومسائلة هذه الأنواع من خلال رصد الضوابط التي تحكم سلطة القاضي فياستعمال هذا التفريد؟ وإلى حد يمكن الحديث عن التفريد دون المس بمبدأ الشرعية؟ قانون الغدر و عن مواد قانونالغدر وأنه عام 1952 وعقب قيام الثورة تنبه الثوار إلي ضرورة عزل الذين أفسدواالحياة السياسية في مصر فصدر المرسوم بقانون 344 لعام 1952 والذي سمي بقانونالغدر، والذي عدل بعد ذلك بالقانون 173 لعام 1953 والمقرر في اللغة معناه خيانةالثقة والأمانة التي وصفت من تولي وظيفة عامة أو صفة نيابية، وبهذا المعنيوتطبيقًا لذلك فقد نصت المادة الأولي من هذا المرسوم بقانون علي الأفعال التي يعدمرتكبها مرتكبًا لجريمة الغدر، وهي كل موظف عام أو غيره وكل من كان عضوًا في أحدمجالس البرلمان أو أحد المجالس البلدية أو القرية إلي البلديات أو المحليات، وعليعموم كل شخص كان مكلفًا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبرسنة 1936 وحدد الأفعال التي في مجملها تتعلق بإفساد الحياة السياسية بطريق الإضراربمصالح البلاد العليا أو التهاون فيها أو بطريق مخالفة القوانين والحصول علي مزاياسياسية وكذلك استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لأحد من يمتون إليه بصفة قرابة أوصفة حزبية علي وظيفة في الدولة أو منصب في الهيئات العامة، واستغلال النفوذ بإجراءتصرفات تؤثر في أثمان العقارات والبضائع والمحاصيل والأوراق المالية المقيدة فيالبورصة أو القابلة للتداول في الأسواق بشرط الحصول علي فائدة ذاتية لنفسه أوللغير. وحددت المادة 2من ذات القانون العقوبات التي توقع علي من يرتكب الأفعال المبينة في المادة الأوليالتي توصف بالغدر، فالغدر وصف للفعل الذي يرتكبه من اؤتمن علي وظيفة أو صفة نيابيةونصت المادة 2 علي أنه مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية أو التأديبية يجازي عليمن يرتكب الغدر بجزاءات حددها المرسوم بقانون وهي العزل من الوظائف العامة وسقوطالعضوية في المجالس النيابية والحرمان من حق الانتخاب أو الترشح بأي مجلس لمدةأقلها 5 سنوات من تاريخ الحكم والحرمان من تولي الوظائف العامة لمدة أقلها 5 سنواتمن تاريخ الحكم والحرمان من الانتماء لأي حزب سياسي لمدة أقلها 5 سنوات من تاريخالحكم، والحرمان من عضوية مجالس الإدارات والشركات والهيئات والحرمان أيضًا منالاشتغال في المهن الحرة أو المهن ذات التأثير في تكوين الرأي أو التأثير فيالاقتصاد المصري لمدة أقلها 5 سنوات. وبعد فتحباب الترشح لمجلسي الشعب والشورى ، وتقدم أعدادكبيرة من أعضاء الحزب الوطني والنواب في البرلمان السابق 2010م الذي شهدتزويرًا كبيرًا، خرج وزير التنمية المحلية ليعلن عن اقتراب إصدار مرسوم بمايسمى "قانون الإفساد السياسي"، مشيرًا إلى أنه بديل لقانون الغدر،وسيطبق بموجب حكم قضائي على أن يتقدم بالبلاغات، ويبحث عن أدلة الإدانةوالمستندات للمواطنين العاديين. وتصل العقوبات- في القانون الذي أعلن عنه الوزير- إلى العزل من الوظيفةالعامة، وسقوط العضوية في البرلمان، والحرمان من حقِّ الانتخاب والترشح لأيمجلس من المجالس المحلية أو البرلمانية لمدة أقلها خمس سنوات منذ صدورالحكم، وكذلك الحرمان من تولِّي الوظيفة العامة لنفس المدة. هذا الإعلان عن القانونأثار تباينًا واضحًا في الآراء، وما يمكن أن يلاقيه البرلمان القادم من مشكلاتقانونية، مع إشارة البعض إلى أن هذا الشكلقد يسمح لنزلاء طره الحاليين بالتقدم للانتخابات؛ بسبب عدم صدور أحكام ضدهمحتى الآن. إن البنود الرئيسية التي لا بد أن يشملها القانون حتىيكون سليمًا ويعطي النتيجة المرجوَّة منه بعزل المفسدين عن الحياةالسياسية، إن أول أبواب القانون لا بد أن يكون الأفعال المجرمة، على أن تُحدد بدقة شديدة كإدخال أغذيةفاسدة، وتزوير انتخابات، والاستيلاءعلى المال العام، والاتِّجار بأقوات الشعب المصري، وأهمية هذا الباب أنيكون القانون منضبطًا ولا يكون به ثغرات. أن الباب الثاني من القانون لا بد أن يشتمل علىالإجراءات القضائيةالملزمة لإنهاء المحاسبة بشكل سريع، ثم المحكمة المختصة، ويحددها البابالثالث، ويستكمل القانون بوضع العقوبات الرادعة في الباب الأخير. أن وضع القانون بهذهالطريقة المحكمة سيجعل إمكانية إسقاط مرشحي الوطني من البرلمان أو من أيٍّ من مناصبهمالعامة أمرًا بسيطًا بعد صدورالقانون الذي يفقدهم صفة الشرف والثقة ويسقط عنهم الاعتبار. أن الاتجاه إلىإصدار قانون إفساد الحياة السياسية بالشكل الذي أعلن عنه وزير التنميةالمحلية ليس له فائدة، ومن الأفضل ألا يقوموا بإصداره، أن الوضعالقانوني السليم يكون من خلال العزل السياسي بأثر رجعي؛ بحيث ينص القانون صراحةًعلى العزل والحرمان من مباشرة الحياة السياسية، مع وضع ضوابط وشروط محددة للصور المطلوب عزلها، كأعضاءلجنة السياسات بالحزب الوطنيالمنحل، وأعضاء مجلس أمناء الحزب ال26، وأمناء الحزب بالمحافظات، إلى جانب كلمن اشترك في الانتخابات البرلمانية السابقة وصدرت ضدهم أحكام أثبتتالتزوير، على أن يطبق بشكل فوري على هذه الفئات المحددة بدقة، وبالتالي ستكون شخصيات معروفة بعينها،ويكون عزلها سياسيًّا له المعاييرالموضوعية المحددة. إن المجلسالعسكري ينتهج نفس الفلسفة التشريعية التي كان يسير عليها النظام البائد من تفصيل القوانين علىأشخاص بعينهم، يجعل المحصلةالنهائية من هذا القانون العائدة على البرلمان صفرًا، أن واضعي القانون يحاولون الآن الابتعاد عن بعضالشخصيات الموجودة في السلطة لكي لايصيبها القانون، كرئيس الوزراء الدكتور عصام شرف وشيخ الأزهر اللذين كانا منأعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل. النظام الذي لا يجعل القوانين قواعد عامة مجردةتطبق على الجميع بدون استثناء؛ يؤدي إلى الأزمات السياسية وأحداث الفتنة الطائفية؛حيث تختفي وتضيع العدالة الناجزة. إن وضع نص في القانون يُلزم المواطنالمتقدم بالبلاغ بجمع أدلةومستندات تثبت إفساد الشخص للحياة السياسية بأنه تلاعب من جانب واضعي القانون إنهمأرادوا إراحة الرأي العام، أما أرض الواقع فلن تشهد تطبيقًا فعليًّا للقانون، فحتى يكتمل جمعالمستندات وتقدم للنيابة وتحول للقضاءوبعدها يمكن الطعن عليها في درجات النقض، يكون قد مرَّ وقت طويل قد يصل لسنواتفي المرحلة الانتقالية التي من المعروف أن عمر البرلمان بها لن يطول كثيرًا. إن صدور قانون العزل السياسي بعد فتح بابالترشح وبدء إجراءاتالانتخابات لا قيمة له، ونطالب بإصدارمرسوم بقانون أو قرار إداري بحرمان كلرجال النظام السابق من دخول انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وكذلك منعهممن تولِّي الوزارات والصف الأول فيها، ورئاسة الجامعات وعمادة الكليات،بجانب النقابات المهنية والعمالية. ويحددالفئات التي يشملها الحرمان من الممارسة السياسية، فتضم (أعضاء الحزب المنحل في برلماني 2005 و2010،وأعضاء لجنة السياسات والأمانة العامةوأمناء المحافظات)، أن يطول القانون كل من أفسدوا الحياة السياسية طوال فترة حكم المخلوع الممتدة من (10أكتوبر 1981م) وحتى (11 فبراير2011م). أن هناك عددًا من الوقائعلا بد من تحديدها لتطبق على مفسديالحياة السياسية، ومنها تزوير الانتخابات، ووضع قوانين تكرس التوريث، والعبثبمواد الدستور المصري، ويجب ضرورة أن يضم القانون مفسدي الحياة الاجتماعية، كإفساد حياة المصريينبقوانين الأحوال الشخصية، وتوجيه مصر إلىالمجتمعات المرتفعة كحياة الجولف والمنتجعات السياحية، بينما تركوا الفقراء فيالعشوائيات وجعلوها مفرخةً للجريمة، وكذلك الإفساد الاقتصادي ببيع أراضيالدولة بثمن بخس، وتصدير الغاز للصهاينة، وإفساد الحياة الزراعية، وكذلك تدهور التعليم والصحة. ونطالب بتخصيص مدعٍّ عام سياسي متفرغ لتلكالقضايا للتحقيق فيها، سواءكان من رجال القضاء أو من غيرهم، خاصةً بعد تكدُّس النيابة العامةبالجرائم الجنائية، على أن يعمل على تحديد الأشخاص بنفسه ويقدمهم للمحاكمة.وأنيرأس المحكمة التي تحاكمهم رئيس محكمة الاستئناف حتى يزن العدالة في المحاكمة ، أنَّ أيَّ مسمى حالي لقانون العزل السياسي ماهو إلا تغيير في مسمياتقانون الغدر الذي صدر في الخمسينيات وتدخل عليه بعض التعديلات وليس أكثر. أن الحل الفوريلإبعادهم عن المشاركة في الحياة السياسية هو إصدار المجلس العسكري قرارًا يضمُّ كل أسماءمن أفسدوا الحياة السياسية، وفقًا لأسسومعايير موضوعية منضبطة، منها من وافق على مدِّ حالة الطوارئ لاستخدامهاضد السياسيين، وقيادات الحزب الوطني المنحل، أن الانتظار لتفعيل قانون الغدر سيأخذ سنواتٍطويلةً تمتد إلى ما بعد تشكيل وفضِّالبرلمان. أن عدم صدور القرار بهذا الشكل يعرِّض كلالخطوات القادمة للبطلان،بدءًا من البرلمان ووصولاً إلى الطعن في الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور المصري الجديد، إذاوصل عدد كبير منهم إلى البرلمانالقادم، وكذلك يلقي بالتهديد على الدستور الجديد، وإمكانية إعادة الكرة كلهامن جديد مرةً أخرى!. وانالنص الخاص بتقديم المواطنين لبلاغات ضد من أفسدوا الحياة السياسية وجمع المستندات التي تثبتتورّطهم، أنه من الممكن أنيسمح للأشخاص الصادر في حقهم قرار بالعزل الطعن والتظلم أمام القضاء،ومحاولة إثبات براءتهم بأنفسهم بدلاً من سعي المواطنين للحصول على أدلةاتهامهم، مبينًا أن عشرين عامًا هي أقل فترة مُرضية جزاءً على تشويه وتمزيقالحياة السياسية في مصر. ، أن قانون الغدر الذي صدر عام 1952 مازال ساريالمفعول، وأنه إذا تم تفعيله الآن فسوف لا يقتصر علي فلول الحزب الوطني فقط وإنماكل من أفسد الحياة السياسية واستغل نفوذ وظيفته أو صفته البرلمانية علي النحوالسالف ذكره في القانون سواء كان منتميًا للحزپ الوطني أو لأي حزب معارض أو مستقلأنه لا صحة من زاوية الواقع أو القانون، بما أثاره البعض من أن تفعيل هذا القانونيصطدم بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقررة في المادة 66 من من دستور 1971والمادة 19 من الاعلان الدستوري، والتي مفادها أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فيالقانون ولا عقوبة إلا علي الأفعال اللاحقة علي صدور القانون، فقانون الغدر لم يلغحثي الآن، وعلي ذلك فإن الأفعال التي نظمتها المادة 1 منه وقعت في ظل قانون معمولبه أن وجه اعتراضه علي القانون وتفعيله يمثل في الشق الإجرائي الخاص بإحالةالمتهمين والمحكمة التي تنظر القضايا،ففي ظل المرسوم بقانون كانت الجهة التي يحتلالغادر من جهة سيادية إحدي لجان التطهير المشكلة طبقًا لأحكام المرسوم بقانون 130لعام 1952 أو بناء علي طلب النيابة العامة من تلقاء نفسها أو بناء علي بلاغ يقدملها، وكان الرأي الخاص بي والذي أرسلته إلي مجلس الوزراء أن القضايا لا تحال إلابناء علي تحقيق تجريه النيابة العامة، سواء من تلقاء نفسها أو بلاغ يقدم إليها،والأمر الثاني خاص بالمحكمة التي تنظر الدعوي، فقد كان تشكيل هذه المحكمة مؤلفًا منمستشارين وضباط، وهو أيضًا ما طالبت به بإلغاء هذا النص ضمانًا للشرعية الإجرائيةوالدستورية والديمقراطية في أن تكون المحكمة المختصة هي محكمة الجنايات، وتتبعأمامها جميع الإجراءات المقررة في قانون الإجراءات الجنائية للمحاكمة، وبهذاالتعديل بما فيه من ضمانات تحول دون الافتتات علي الضمانات الدستورية المقررةللمواطنين، أن هذا القانون كان مطروحًا للنقاش منذ 6 أشهر كي تتم الانتخابات وتكونأمام قانون يتسم بالشرعية الدستورية ويحول دون تسلل من أفسدوا الحياة السياسية إليالمقاعد البرلمانية، أما وأن تفعيل القانون الآن بعد التعديل الإجرائي فإن ذلكيجعله عديم الجدوى، إذ ليس فيه من النصوص ما يحول دون أن يترشح من أفسدوا الحياةالسياسية. أن البعض فهم خطأ أن في قانون العقوبات ما يكفي من عقوبات ومنها العزلمن الوظيفة ربما لا محل معه لتطبيق قانون الغدر، وهو فهم خاطئ لأن العقوبات إما أنتكون عقوبة جنائية وإما عقوبة تأديبية، وإما عقوبة سياسية، وهو الذي تنبه إليهالمرسوم بقانون سالف الذكر عندما نص علي أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبات جنائية أوتأديبية، يعاقب في العقوبات سالفة الذكر وأهمها العزل السياسي كعقوبة سياسية قديحكم بها منفردة دون أن تكون أمام عقوبة جنائية أو تأديبية وعلي ذلك فالعزلالسياسي هي صفة للعقوبة التي توقع كعقوبة سياسية علي من يرتكب أفعالاً حددتهاالمادة الأولي من المرسوم ووصف مرتكبوها بأنهم مرتكبو جريمة الغدر. -- كاتب المقال خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية