بقلم خالد الشرابي لم أنس تلك اللحظة التي شاهدت فيها الدكتور عصام شرف مرفوعاً علي الأعناق في جمعة " حلف اليمين " بعد إختياره رئيساً لوزراء مصر و شعرنا جميعاً بأن شرف هو رجل تلك المرحلة الثورية والتي تتطلب رجلاً ثورياً معارضاً للنظام المخلوع متعايشاً مع ثوار ميدان التحرير يشعر بآلامهم و يدرك مطالبهم و أحلامهم . فكان الإطمئنان هو الشعور الذين إكتسي ميدان التحرير و كل من شاهد عصام شرف و هو يحلف اليمين بين الثوار متعهداً بأن يتعقب كل الفاسدين و أن يُطّهر أجهزة الدولة من كل ما يمُّت بصلة بالنظام المخلوع . و أصقل هذا الشعور بالإطمئنان لهذا الرجل صفاته الشخصية التي إفتقدناها منذ أمد بعيد كالأمانة و الإخلاص و نظافة اليد و معارضته لنظام مبارك . و لكن الأيام تمر و ننتظر و لا حياة لمن تنادي أو بمعني أصح كانوا يسمعون نصف الهتاف فينفذون نصف المطلب و كل ذلك في صالح أن يقف نظام مبارك علي قدميه مرة أخري . تحققت بعض المطالب و لكن بعد طول إنتظار و بطء شديد و لا أعلم لماذا هذا البطء من رجل من المفترض أنه ثوري جاء من ميدان الثوار و يعلم أن هذا البطء في القرارات سيزيد من غليان الميدان . البعض قد يلتمس العذر لحكومة شرف بضيق الوقت و ظروف البلاد و الفوضي و غيرها من الأعذار الخاوية التي لا أساس لها . و لكن إذا إلتمسنا تلك الأعذار فلماذا أتينا برئيس وزراء ثوري ؟! هل ليجد من تلك الظروف عقبة أمام عمله ؟! أم ليغير تلك الظروف بقراراته الثورية من تطهير القيادات و من التعامل مع تلك الفترة بأننا ما زلنا في ثورة لا بتعامل لا يمكن ترجمته إلا بأن الثورة كانت سبباً في إضرار البلاد . البعض أيضاً قد يلتمس العذر إلي شرف بأن صلاحياته المحدودة و الغير المطلقة التي أعطاها له المجلس العسكري قد تعرقل أعمال حكومته و أن الإرادة السياسية لدي المجلس العسكري تمثل عقبة في طريق أداء حكومة شرف لمهامها الثورية . لكني أتساءل أليس عصام شرف (وزير النقل في نظام مبارك) و الذي قدم إستقالته عقب حادث قطار قليوب لأنه لم يجد الإرادة السياسية لدي نظام مبارك في حل مشكلة حوادث النقل هو نفسه عصام شرف (رئيس وزراء مصر الآن) الذي لم يجد الإرادة السياسية لدي المجلس العسكري لتنفيذ مطالب الثوار و توسيع صلاحياته علي الأقل بتصديقه علي تغيير ما يراه غير صالح من الوزراء ؟! فلماذا لم يقدم شرف إستقالته للمجلس العسكري عندما وجد عدم جدية الإرادة السياسية من العسكري لتيسير أعمال حكومته كما قدمها أيام نظام مبارك ؟! أتساءل أيضاً أليس عصام شرف (رئيس لجنة التيسير بنقابة المهندسين في نظام مبارك) و الذي أعطي مهلة الستة أشهر لإنهاء الحراسة القضائية علي نقابة المهندسين هو نفسه عصام شرف (رئيس وزراء مصر الآن) ؟! فلماذا لم يعط شرف نفس المهلة للمجلس العسكري لتوسيع صلاحيات حكومته و التي تضمن له تحقيق أهداف الثورة ؟؟ ما دام الشخص واحد فأين إرادة الدكتور عصام شرف التي ظهرت في عهد النظام المخلوع و الذي إستخدم هذه الإرادة للإنسحاب من نظام مبارك و لم يستخدم الإرادة ذاتها لينسحب من منصب رئيس الوزراء في عهد العسكري ؟ غابت إرادة المجلس العسكري لإصلاح ما أفسده نظام مبارك و غابت إرادة شرف ليعارض ذلك و تبقت إرادة الشعب الحائرة ! فإذا غابت الإرادة الحرة المطلقة لدي الإنسان أصبح بعدها مجرد صورة يمكن تحريكها ووضعها حيثما شئت! ظهر شرف في مطعم شعبي أمام مرأي الجميع حتي تتسلط عليه أضواء الكاميرات و تتأثر عاطفتنا " سبب البلاوي " و نثق الثقة العمياء بحكومة شرف منذ بداية عملها و نترك لها الميدان . و تناقلت الأخبار عن بحث شرف عن صاحب عربة الفول بجوار منزله الذي فرّ بعربته خوفاً من بطش رجال شرف بعدما أصبح رئيساً للوزراء , و حمله لحذاء إمرأة بسيطة عندما خلعت حذائها أمام مكتبه , و تصدرت هذه المواقف الأخبار و المواقع الإلكترونية و الإجتماعية . لا أنتقص من إنسانية الدكتور شرف و بساطته و لكن كان لابد أن تمتليء تلك الوسائل الإعلامية بقرارات شرف و أداء حكومته و التعامل مع أحداث البلاد في تلك المرحلة التي لا وقت فيها للحديث في أمور شكلية و عاطفية تبعد كل البعد عن العمل السياسي المطلوب الذي جاء شرف من أجله . و لكن في الواقع إعتمدت حكومة شرف علي الصورة و الشكليات أكثر من إعتمادها علي البحث في عمق الأمور لإدارة شئون البلاد و كوسيلة جذب و إلتفاف علي الثوار و لم تتخل عن ذلك في تغيير مسمي " جهاز أمن الدولة " إلي " جهاز الأمن الوطني " و من " الحزب الوطني الديموقراطي " إلي الحزب الوطني الجديد " قبل حلّه بأمر القضاء , و من تغيير قيادات النظام المخلوع و إستبدالها بقيادات أخري لها نفس منهج نظام مبارك , بل كانت حكومة شرف التي إختارها الثوار نفسها هي الصورة التي تتصدر المشهد السياسي و الإعلامي و من خلفها المجلس العسكري الذي يعطي الأوامر التي تُدار بها البلاد و حكومة شرف تنفذ تلك الأوامر في قرارات و بيانات مجلس الوزراء "الصوري" !! .