بقلم : عبير الرملي لم يمنع تصاعد الأحداث على الساحة السياسية واشتعالها في كثير من المناطق ووصولها إلى حد الاشتباكات الدامية ، من أن تطل قضية الرقابة الدولية على الانتخابات برأسها من جديد، وتعود لتحتل جانباً بارزاً من المشهد المصري خاصة في ظل سعي منظمات حقوقية إلى تصعيد الموقف بعد إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رفضه للرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية المقبلة مع تصاعد الدعوات واحتدام الجدل حول الموضوع، تباينت آراء عدد من الخبراء المتخصِّصين في السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان، حول تأثير الإشراف والرقابة الدولية على الانتخابات المحلية، سلبا وإيجابا، على سيادة الدولة. ففيما اعتبرها البعض "مساسا بسيادة الدولة وانتقاصا من مكانتِها وهيْبتها وتدخّلا في شؤونها الداخلية"، نفى آخرون - جملة وتفصيلا - حدوث وقوع أيّ آثار سلبية على سيادة وهيْبة ومكانة الدولة، بل واعتبروها فُرصة لتأكيد الشفافية واحترام الديمقراطية. وفي محاولة لاستكشاف الحقيقة، طرحت swissinfo.ch سؤالا على عدد من الخبراء، هم: الدكتور عبد السلام نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود والدكتور السيد أبو الخير، الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية والدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس والنائب المستقِل بالبرلمان المصري وبهي الدين حسن، الخبير والناشط الحقوقي والمدير العام لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والباحث والناشط القانوني معتز الفجيري: هل تعتبر الرقابة أو الإشراف الدولي على الانتخابات المحلية تدخّلا في الشؤون الداخلية للدولة أو إنقاصا من سيادتها أو طعنا في مكانتها الدولية؟ فكان هذا التحقيق. فرْق بين المُراقبة والإشراف في البداية، أكّد الدكتور عبد السلام نوير أنه من الضّروري "أن نفرِّق بين مفهوميْن هما: مراقبة أو بالأحرى ملاحظة الانتخابات بمعنى (monitoring) والإشراف على الانتخابات بمعنى (controlling or supervision). فالأول، هو الأكثر شيُوعاً، ويعني وجود جهات محايدة تمثِّل منظمات دولية أو منظمات غير حكومية أو جمعيات مُجتمع مدني دولية، تقوم بمتابعة مراحِل الانتخابات المختلفة وتلحظ مدى الالتِزام بحياد العملية الانتخابية خلال ممارسة هذه الإجراءات، التي تبدأ من تدقيق الكشوف الانتخابية مُروراً بتقسيم الدوائر الانتخابية، وصولاً ليوم الانتخاب وضمان نزاهة العملية الانتخابية، انتهاءً بالفرز الدّقيق النّزيه وإعلان النتائج". وقال نوير في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: "هذه الجِهات تلتَزم دورا مُعيّناً لا تتجاوزه، وهو الملاحظة والمتابعة وإصدار تقارير عن العملية الانتخابية، ترصد مدى دقّتها ونزاهتها، ومِن ثَمََّ، تُشير إلى أي خروقات أو جوانب تدليس أو عدم نزاهة أو تزوير، وهذا النّوع من الإشراف لا يمَس السيادة الوطنية بحالٍ من الأحوال، لأن هذه الجِهات لا تمثِّل دُولاً، وإنما مُنظمات دولية أو جمعيات تابِعة للمجتمع المدني، وهي محايِدة إلى حدٍّ كبير"، موضِّحا أن "الحكومات الوطنية التي تشهد دُولها انتخابات، هي التي تسمح لها بممارسة دورها وتمكِّنها من أداء هذا الدور، كما أن مُمارسات عديدة لملاحظة أو مُتابعة الانتخابات تقوم بها المنظمة الأوروبية لمراقبة الانتخابات في دول أوروبية عديدة، منذ عدّة عقود". ويضيف نوير: "أما النوع الثاني، وهو الإشراف على الانتخابات، بمعنى أن تكون هناك جهات خارجية، حكومية أو غير حكومية، مشاركة في تسْيير عملية الانتخاب في أي مرحلة من مراحلها وتمتلك قُدرة ما على التأثير في سيْرها، الأمر الذي يحدُث في الدول في أعقاب الاستقلال، وتتيح للدولة الاستِعمارية السابقة أو لدولٍ كُبرى أو لمنظمة دولية، المشاركة أو الانفراد بالإشراف على الانتخابات"، معتبرا أن "هذا النّوع بالطّبع يمسّ السيادة الوطنية، وهو غير مطروح في الحالة العربية بالمرّة، وإن ما تُطالب به بعض القِوى الوطنية، هو النوع الأول، وإن كانت التّرجمة غير دقيقة، فهُم يقصدون الملاحظة أو المتابعة، لكن يجب أن نفهِّمهم أن هذا النّمط من المتابعة أو الملاحظة، ليس له أي حجية إزاء الحكومات التي تجري انتخابات غير نزيهة، إلا من الناحية الأدبية!!". الرقابة.. والمصالح الأمريكية! وضرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود مثالا بنيجيريا، التي "شهدت متابعةً لانتخاباتها التي أجريت عام 1997 وقرّرت هذه الجهات (الرقابية) أنها كانت غير نزيهة بالمرّة، بل وأقرّ الرئيس السابق أوباسانجو، الذي تمّت الانتخابات في نهاية عهده بذلك، لكنه قرّر وُجوب قَبول النتائج، ولم تملك المنظمات الدولية ولا القوى الكبرى، التدخّل لإعادة الانتخابات"، مشيرا إلى أنه "بطبيعة الحال، لا يمكن أن نفهَم ذلك بمعزل عن المصالح الأمريكية لدى نيجيريا". وقال نوير: "وقِياساً على هذا الأمر، وإذا أدركنا المصالح الأمريكية إزاء الدول العربية وأنها تُدرك أن التعامل مع نُظم محدودة الشرعية، أيْسر لها كثيراً، مقارنةً بنُظم شرعية لا تدري طبيعة مواقِفها الدولية بعدُ، يُمكن أن نتصوّر مواقف القِوى الدولية إزاء أيّ انتهاكات تُقرِّرها منظمات متابعة الانتخابات في العالم العربي"، معتبرًا أنه "يُمكن القول أن القِوى الكبرى تستغِلّ تقارير هذه المنظمات للضّغط على دولٍ بعيْنها، شأن زيمبابوي، ولكنها تغضّ الطّرف عن دُول أخرى شهِدت انتخاباتها انتِهاكات مماثلة، وربّما أشدّ، كما حدث في كينيا ونيجيريا". واختتم نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود حديثه قائلا: "في تقديري أن الفيْصل في هذا الأمر، يرجِع إلى أمريْن اثنين هما: إرادة النظام القائم في إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وإرادة القِوى المعارضة وقُدرتها على تحريك الشارع متى ما حدثت تجاوزات انتخابية واسعة النِّطاق". أراء حول الرقابة والإشراف وردّا على سؤال حول ما البديل إذن لتخرج الانتخابات حرّة ونزيهة؟ قال أبو الخير: "البديل هو الاتِّفاق بين الحكومة والشعب على تشكيل هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات من البداية حتى النهاية، على أن تكون هذه اللّجنة مستقلّة، ومحايِدة ومن كافّة طوائف الشعب، من الشخصيات العامة المشهود لها بالنزاهة والحيادية، وأن لا يكون فيها أيّ موظف حكومي، ولو من القضاء، ويفضِّل انتخابها على أن تقوم هذه الهيئة الوطنية بانتخاب رئيس لها ولجان فرعية للإشراف على الانتخابات، ويفضِّل أن تكون لكل محافظة هيئة وطنية من أبنائها"، معتبرا أن "هذه هي الرقابة الحقيقية، وإذا كان الدستور ينصّ على أن الشعب صاحب السيادة الأصلي، فلتعُد له السلطة لينظِّمها كيْف ما يُريد، وإذا كا لابد من الرقابة، فلتكُن وطنية، لأننا أصحاب المصلحة الحقيقية في الانتخابات، وليس الغرب مختلفا مع أبو الخير، لا يرى د. جمال زهران في "الرقابة الدولية على الانتخابات الداخلية للدول أي نوع من التدخّل في الشأن الداخلي، كما لا يعتبرها انتقاصا من سيادة الدولة، مبرِّرا ذلك بأن "دول العالم المتقدِّم (أمريكا وبريطانيا..) تسمح بالرقابة الدولية على انتخاباتها، دُونما حديث عن انتقاص السيادة، بل على العكس، فإن القبول بالرقابة على الانتخابات هو نوع من الشفافية والديمقراطية التي تعزِّز صورة الدولة، فتُضيف لها ولا تحذِف منها رفض المجلس العسكري الرقابة على الانتخابات المجلس العسكري لم يعلن رفضه الرقابة الدولية وحسب، لكنه تعهد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وقال اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس: إن الانتخابات المصرية المرتقبة “سوف يتم تدريسها في دول العالم”، وهي تصريحات وتعهدات لم تحصن المجلس العسكري القائم على شؤون الحكم في مصر من أن تناله سهام النقد، وأن تعلن منظمات وأحزاب سياسية وحركات احتجاجية رفضها لقرار المجلس بمنع المراقبة الدولية للانتخابات التشريعية التي ستجرى في مصر خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 لتشكيل مجلسي الشعب والشورى، لأول مرة بعد ثورة الشعب المصري في 25 يناير أحتجاجات حقوقية على قرار العسكرى رفض الرقابة الدولية على الانتخابات تعليقا على إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة رفض السماح بالرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو التعليق الذى اتفق عليه ممثلو 6 منظمات حقوقية وأوضحت المنظمات الست (مركز القاهرة لحقوق الإنسان المنظمة العربية للإصلاح الجنائى المجموعة المتحدة للمحاماة واستشارات حقوق الإنسان الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية مؤسسة عالم واحد مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف) أن هذا الإعلان يتعارض مع نص الفقرة الخامسة من المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون 46 لسنة 2011 بشأن تعديلات بعض أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية، «والتى نصت على أنه من ضمن اختصاصات اللجنة العليا للانتخابات وضع القواعد المنظمة لمشاركة منظمات المجتمع المدنى المصرية والدولية فى متابعة جميع العمليات الانتخابية». .