بقلم مصطفى الغزاوي البديل أن يعود القرار إلى أصحاب المصلحة في التغيير وهو مسار طويل وشاق .... أحداث الأسبوع الماضي أسقطت أوراق التوت عن ادعاءات واكبت الثورة بانتماء القوى إليها والتزامها بمطالبها، وكشفت أن أحاديث كثيرة أطلقت انتماء للشعب وفي حقيقتها تضمر غير ذلك، وفي أدائها تحاول إقصاء الكتلة الثائرة خارج دائرة التأثير . توحدت القوى المضادة للثورة على هدف واحد هو ضرب مصداقية شباب ثائر اتخذ من الميادين مرتكزا له، وصار وجوده علامة الإصرار وقبول تحدي الثورة في تحقيق مجتمع ما بعد التغيير . رغم تنوع الهجمات والأفعال غير أنها كشفت توازنا للقوى قائما بين القوى المضادة وشباب أعزل يقف في الميادين ويبيت ليلة في العراء في مناخ صيف حار تتجاوز درجات الحرارة فيه أربعين درجة، وشمس قاتلة . الشمس القاتلة تعيد إلى الذاكرة وقائع صيف دنشواي عام 1906، الذي ناصر الفلاحون ضد جنود الاحتلال البريطاني وقتلت منهم ضابطا لتنعقد محكمة برئاسة بطرس غالي لثلاثة أيام وتصدر أحكام الإعدام على أربعة فلاحين والأشغال الشاقة والجلد على 48 آخرين، وكأن الشعب المصري فوق أرض وطنه لا ينال حقه في الحياة إلا عبر شهداء يقدمهم قربانا للحرية على مذابح السلطة، سواء كانت سلطة احتلال أجنبية أو اتشحت بمصرية مغتربة عن أرضها، ولا يمضي الأمر دون رد فعل ليتم اغتيال بطرس غالي رئيس المحكمة بعد أربعة أعوام . هذا الرجل كان أيضا متنازلا عن حق الوطن عندما قبل مشروعا بمد امتياز شركة قناة السويس لمدة أربعين عاما حتى عام 2008. ذات مشهد اقتران المحاكمات العسكرية العاجلة لأحفاد شهداء دنشواي وتصدير الغاز لإسرائيل، وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد مائة عام . بات واضحا أن هناك توازنا للقوى بين الشباب الأعزل إلا من إرادة حرة ووطنية وبين معسكر القوى المضادة المدجج بكل أدوات الصراع ويجمع بينها مصالح غير مصلح الشعب وتصل إلى حد التناقض . توازن القوى مصدره قدرة الشعب التي تجلت خلال الفترة بين 25 يناير و11 فبراير، وكسر هذا الشعب باستعداده للشهادة وتحدي جبروت الشرطة التي هزمها بكل عددها وعتادها خلال أربعة أيام، حاجز الخوف والتردد، وقدرته على المفاجأة وتجاوز كل تحليلات الأجهزة ومراكز البحث . واتضح أيضا أنهم لم يتوصلوا لتفسير هذه الظاهرة، وصار جهلهم بها وعدم القدرة على استيعابها مصدر التوازن الحقيقي للقوى . ما هو موقف الشعب؟ وماذا هو فاعل؟، كان دلالة انعدام القدرة على استيعاب أنها ثورة الشعب وأنه سيحميها . أعلنوا أنهم مع الشعب ومع الثورة، ومن ناحية أخرى أخذوا يجتزئون أهدافها ويشتتون قواها ويستخدمون الوقت معاملا لوأد روح الثورة . ومع تواصل حالة المقاومة لاغتيال الثورة، انفجرت مكنونات الصدور، وظهر اللواء الرويني يوزع اتهامات التمويل والخيانة، ومن ثم يهدر كل مطالب التطهير وأنها مستوردة. ويضع سيناريو أحداث العباسية صباحا ليتم مساء، وتسقط أخطر أوراق التوت "أن البلطجية أداة الداخلية والرويني في مواجهة الشعب" وتحت بصر جنود الرويني والشرطة العسكرية بقيادة البديني وقوات شرطة العيسوي تهاجم جماعات بلباس مدني يحملون السيوف والسنج وزجاجات المولوتوف، واتضح حسب تقارير صحفية أن هناك أعضاء من مجلس الشعب المنحل أسهموا في حشد البلطجية البلطجية يهاجمون الشعب تحت حماية الجيش والشرطة العسكرية وشرطة العيسوي... فماذا تبقى ليستروا به خصومتهم مع الثورة والانقلاب عليها؟ وآخر المشاهد مشهد لواء قالوا إنه خبير عسكري وإنه مستشار للتوجيه المعنوي، خرج صوته من التلفزيون يتهم الأستاذة نجلاء بدير الصحفية أنها مخربة؟ لأنها تجرأت وانتقدت أقوال الرويني، هكذا؟ وبأدب ولباقة عالية توقفت مذيعة البرنامج دينا عبدالرحمن وتكشف سطحية ما يعرض له حتى إنه ردد ما قاله أحمد نظيف بأن الشعب المصري لم ينضج ويقول إنهم في التحرير في كي جي 1 وأننا نعلمهم الديمقراطية! لغة استعلاء أخرى . وتدفع دينا ثمن صدقها ويتم إيقافها عن العمل جزاء لدفع الخطأ وخطايا المتحدث عن زميلتها وعن أهل الوطن، ومازال الأمر لم يستقر حتى اللحظة حول ما سبب هذا الإيقاف؟ وهل سينتهي رغم تردد أنباء عن إنهاء الإيقاف ! صار المجلس ومستشاريه الحَكَم بعد أن كشفوا عن أنهم خصوم للثورة وأهدافها؟ ويبلغ الأمر بهذا لمستشار أن يتهم اثنين من مرشحي الرئاسة بأنهم عملاء لأمريكا؟ وأن هذا "تخمين" من عنده؟، أي هزل هذا في موضع الجد ! لا أحد يطلب من المجلس العسكري أن يحمي الثورة، فهو لم يحمها ولكنه استفاد منها وصار السلطة الحاكمة في مصر نعم هو سلم أمر التشريع إلى الإخوان المسلمين، نعم اتخذ من الصناديق والتصويت ادعاء بديمقراطية أدت إلى أول انحراف بحركة الثورة، وتقسيم للشعب، ونعم مارس الإعلام الرسمي المستسلم دورا مناوئا للثورة ومشوها لشبابها، بل تجاوز المجلس العسكري الإعلام الرسمي بهجمات متتالية على الإعلام الخاص، واستدعاء أمام النيابة العسكرية وتحقيقات وكلها تلوح بعصي ولا تستخدمها . ولكن الجديد الآن أنه استخدم العصا في إطار حملة تشويه، ويقول المثل الشعبي "من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة"، فلم يناقش أحد موقف الجيش من النظام السابق، بل وقاوم العقلاء ذلك، لأن المؤسسة العسكرية هي ما تبقي للدولة المصرية والمفروض أن يحكم أداؤها قيم الوطنية، أي أن يحكم أداؤها مصلحة الشعب وليس فئة دون أخرى . قد يتحمل الموقف عجز حكومة شرف على إدارة الفترة الانتقالية، ولكن الموقف لا يتحمل حيودا للمجلس العسكري عن دور متوازن حتى لا يفتح أبواب الحرب الأهلية على مصراعيها . سقطت أوراق التوت عن التنظيمات الدينية وبلا استثناء . فالجهاد القادم من غياهب السجون يعلن أنه سيخرج لتطهير ميدان التحرير من الثوار، وتحت عنوان أنهم ليسوا هؤلاء الثوار، ويتوعد كل من سيقاوم يوم الجمعة 29 يوليو بالويل . والسلفيون يخرج متحدث باسمهم يعلن نفس الموقف . والإخوان يناصرون موقف المجلس العسكري من مواجهة التظاهرات بالدم، لأن المتظاهرين ليسوا الثوار؟ فقد ملكوا أمر التثبت ممن هم ثوار ومن هم ضدهم . وأصحاب رؤوس الأموال يقومون بتمويل العمليات القذرة، من دفع دية الشهداء لتفويت الفرصة على محاكمة القتلة إلى دفع أجرة البلطجية وتكاليف الأسلحة والحجارة القادمة من أموال جمعوها زمن الفساد . ويخرج بعد ذلك كله متحدث باسم حزب الوسط ليقول إن المجلس العسكري يستشير الإخوان دون كل القوى والتيارات في أمر القوانين التي يصدرها . اللواء ممدوح شاهين الذي طالبنا من قبل أن يختار المجلس العسكري رجلا غيره للتعبير عن المجلس العسكري لأن لديه قدرة غريبة على استفزاز العقلاء ولا يملك لغة حوار على الإطلاق ولكن المجلس لا يسمع ما يقوله غيره، خرج على الناس بإعلان عن انتخابات في نوفمبر وفق قانون خاص أقروه فيما بينهم، ويحتاج إلى "كتالوج" للشرح والتفصيل . المجلس العسكري رغم كل النداءات التي وجهت إليه ليأخذ دورا لصالح الشعب وفق إستراتيجية "الخبز الحرية، العدالة الاجتماعية"، ويحول دون الوصول إلى صدام داخل المجتمع سيعود بنا إلى الوراء عشرات السنين، رغم ذلك كله، يقف المجلس حائلا دون تحقيق أهداف الثورة، وكأن الوعي السياسي بمدلول الشرعية الثورية غائب، ولم يبق منه إلا أنه سلطة تكاد تقارب أداء النظام السابق، يعطي إشارات بالتوجه في اتجاه الثورة بالأقوال، ويتحرك على الأرض في عكس الاتجاه، ويأخذ بمهمة تشويه عناصر منها، ويقاومها بالبلطجية . وسقطت ورقة التوت عن وزير الداخلية الذي لا يمكن توصيفه غير كونه أداة لتمكين الانقلاب على الثورة من الداخلية وبكل إمكاناتها . من ناحية حركة تنقلات الضباط اتضح أنه نقل كل المتهمين بالقتل إلى أماكن أفضل . وتمارس عناصر جهاز أمن الدولة المنحل ذات الدور القديم تحت اسم الأمن الوطني، ويجري الآن تشكيل مجموعات اختراق لكل التيارات التي نشأت بعد الثورة، فضلا عن إحياء القديم من عملائها . والأخطر العودة إلى نظام الاختطاف ومافيا أمن الدولة، فيجري اختطاف ابن شاهد على جريمة محل التحقيق ضد مدير أمن القاهرة السابق ! وتكشف واقعة الدكتور حازم عبدالعظيم الذي رشح لمنصب وزير الاتصالات، وهو محسوب على ثوار التحرير، وتدخل أمن الدولة عبر جريدة خاصة للإطاحة به، تكشف الواقعة أن التصنت على التليفون قائم والتهديد والتدخلات قائمة . وسقطت كل أوراق التوت التي كانت تحول دون كشف عجز حكومة شرف، وليس هناك مبرر واحد لبقائه، فرجل مثله بلا رؤية سياسية غير قادر على الإبحار بسفينة الوطن في هذه المرحلة . تساقط أوراق التوت وكشف المواقف وحتى توازن القوى بين الثورة وأعدائها لن يضمن تحركا للأمام، بل إنه وضع خطير وحساس لأنه يفتح الاحتمالات على مصراعيها وجميعها ليست في صالح مصر الثورة والشعب . الخطوة القادمة لتجنب خطورة القادم ليست على جانب واحد دون الآخر، بل هي على ضفتي الأداء في مصر . فالثورة مطالبة بتعميق العلاقة بينها وبين الشعب بكل طوائفه وفئاته لأنه العمق الحقيقي لها، ولن تتمكن من هذا بغير الحوار البيني بين القوى السياسية وتشكيلاتها المتعددة وأن يكون حوارا حده الأدنى إستراتيجية "الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية" وترجمتها إلى مهام. ولن يمكن ذلك بغير إعلان واضح من الكافة عن مدى وعيهم بدلالات الثورة وشرعية إرادتها، والنازل عن "الأنا" والمصالح الضيقة إلى رحابة احتياج الشعب والوطن، الخطوة الأولى العمل على إيقاف الصدام الذي يسعى إليه البعض مع المعتصمين بالتحرير، فهل تنجح الثورة في هذا مع الالتزام بالحفاظ على القوة الدافعة للثورة . ويبقى الجانب الذي يملك القرار، والمطلب هنا في حاجة إلى وعي بالدور الغائب عن القرار وهو المسؤولية تجاه الشعب والوطن طالما أنه في مركز القرار، وليست الانتخابات التشريعية هي الحل، الاحتياج هو الترجمة العملية لإستراتيجية الثورة إلى مهام، الشعب يعاني من ارتفاع في الأسعار تجاوز 30% ووجب النظر المباشر إلى هدف إستراتيجية الثورة الأول وهو "الخبز"، شعب لا يجد "خبز يومه" لا يعنيه ولن يجدي مع احتياجه انتخابات تشريعيه تدور في مناخ غير مناسب سياسيا وغير معبر عن الثورة . ليس هناك غير أن يكون القرار لصالح الثورة والشعب وإستراتيجية التغيير، والبديل أن يعود القرار إلى أصحاب المصلحة في التغيير وهو مسار طويل وشاق . الجيش المصري أشرف وأكبر من أن يرتع أمامه البلطجية سواء في مواجهة شباب الثورة أو في فنادق الخمس نجوم، بينما الشعب ينتظر عائد الثورة وما قدمه من تضحيات.