انطلاقاً من كون التعليم هو أساس نهضة الأمم بدأ محمد علي مشوار «مصر الحديثة» بإعلاء قيم التعليم وفتح مجالاته داخلياً ونشطت في عهده البعثات التعليمية، ومن ثم أجمع الخبراء علي أن الدولة إذا أرادت إصلاحاً فعليها أولاً ضرورة تطوير التعليم في مصر والقضاء علي كل مشكلاته وربطه بسوق العمل لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف الثورة في تنمية مصر وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية. يمر التعليم في مصر بمرحلة حرجة فعلاً، مناهج سيئة، معلم يعاني من مشكلات بالجملة، وغير مُعد أو مؤهل للتدريس، طلاب يواجهون تحديات عظيمة بسبب عدم قدرة المناهج الدراسية علي مواكبة العصر وتلبية متطلبات المرحلة التي يعيشونها، ومدارس لا ترقي لإطلاق هذا اللفظ عليها، ومن هنا يبدو واضحاً أن عناصر العملية التعليمية كلها تعاني، خاصة إذا علمنا أن المخصصات المالية للتعليم تقدر ب 37 مليار جنيه فقط، معظمها يذهب كرواتب ومكافآت، في حين تعاني متطلبات العملية التعليمية سواء الوسائل الإيضاحية أو المعامل أو أجهزة الكمبيوتر من عجز شديد، ناهيك عن نقص الفصول الدراسية وهو ما نتج عنه تكدس الفصول الحالية بعدد كبير من التلاميذ يصل في بعض المدارس إلي 120 تلميذاً في الفصل الواحد، وأمام كل هذه المعطيات تخرج لنا نتيجة واحدة ألا وهي فشل العملية التعليمية، أو تخريج طالب لا يستطيع المنافسة أمام ما تقدمه الدول الأخري لطلابها من فرص تعليمية مميزة، وإنفاق بلا حدود علي اعتبار أن التعليم هو استثمار للمستقبل. والسؤال الآن الذي يجب أن نطرحه في ظل هذه المعطيات السيئة هل تصبح قضية تطوير التعليم مهمة مستحيلة؟ تجيب عن هذا التساؤل الدكتورة آمال عبدالله مدير مركز تطوير التعليم الجامعي بجامعة عين شمس مؤكدة أن قضية التعليم تعتبر قضية أمن قومي، لذلك لابد من الاهتمام بها ومنحها أولوية خاصة، وتطوير التعليم لابد أن يشمل كافة عناصر المنظومة التعليمية، وهي المعلم الذي يجب الاهتمام به بدءاً من دراسته في كليات التربية، وتأهيله تأهيلاً جيداً، مع ضرورة تطوير المناهج والمؤسسات التعليمية نفسها سواء كانت مدرسة أو جامعة، وتطوير عملية الإدارة في المؤسسات التعليمية، وإدخال الأنشطة والمستحدثات التكنولوجية مع الاهتمام بعملية التقييم «الامتحانات» بحيث تتضمن أسئلة لتنمية الفكر وليس لقياس مدي الحفظ. أضافت: لا يمكن تطوير هذه المنظومة بدون تطوير طرق تدريسها، فهناك عملية تأثير وتأثر فيما بين عناصر العملية التعليمية، فالمعلم الجيد يساعد علي تنمية مهارات الطالب والمنهج والوسائل التعليمية وطرق التدريس كلها عوامل مساعدة تساهم في إنجاح العملية، وخلق منتج نهائي «متعلم» جيد، لذلك لابد من تطوير كل عناصر العملية التعليمية، والسؤال الأهم في ذلك من أين نبدأ؟ وأجابت قائلة: العنصر البشري هو البداية الصحيحة في هذه المنظومة، والعنصر البشري هنا يشمل المعلم والطالب والإدارة معاً، فإذا كان لدينا منهج قوي ومعلم دون المستوي فستكون النتيجة النهائية ضعيفة، أما إذا كان لدينا معلم قوي ومنهج متوسط فستكون النتيجة أفضل، فمناهجنا رغم بساطتها في الماضي ومع قدرة المعلمين نجحت في تخريج نماذج رائعة مثل الدكتور طه حسين والدكتور أحمد زويل وغيرهما. أما الآن فهذا لا يحدث بسبب ضعف مستوي المعلمين، ولذلك يجب أن نبدأ من المعلم، ففي كل دول العالم يتم اختيار المعلمين بعناية، خاصة من يقومون بالتدريس لطلاب المرحلة الابتدائية، ومنهم من يكون حاصلاً علي الماجستير والدكتوراه، لأن مرحلة التعليم الابتدائي هي أهم مرحلة في بناء المتعلم، أما في مصر فالاختيار يتم بدون قواعد، كذلك يجب إصلاح أحوال المعلمين المادية بما يسمح لهم ولأسرهم بحياة كريمة، ويجب أن يواكب ذلك اهتمام بالطالب المتفوق، وتوصيل الخدمة التعليمية إلي كل مواطن وعلي أعلي مستوي مع الاهتمام بالطالب المتفوق. وتطالب الدكتورة آمال بضرورة إلغاء مجانية التعليم الزائفة، فولي الأمر الذي يدفع كل ما لديه في الدروس الخصوصية سيكون أفضل له لو دفع مصروفات دراسية أعلي وحصل علي خدمة تعليمية حقيقية، ومن خلال رفع المصروفات يمكن تحسين أموال المعلمين، ووقتها لابد من تجريم الدروس الخصوصية، ومعاقبة كل من يرتكبها، وحتي مجموعات التقوية يجب أن تكون مجانية لتقديم خدمة للطالب الذي يحتاجها فعلاً. كما تطالب بضرورة زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للتعليم، وتوجيهها للإنفاق علي عناصر المنظومة التعليمية بدلاً من صرفها كمكافآت وأجور للموظفين.. أضافت: أنه يجب مشاركة كل مؤسسات المجتمع في تطوير التعليم بحيث تكون منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام شريكاً في هذه العملية، ووجود ثقافة مجتمعية لدي أولياء الأمور بأهمية التطوير حتي لو جاء بطريقة مخالفة لما اعتادوا عليه. أشارت إلي أنه لابد من وجود إرادة سياسية حقيقية لتطوير التعليم حتي نتمكن من القيام بهذه المهمة، فبدون هذه الإرادة لن يتحقق شيء، فمنذ سنوات طويلة ونحن نتحدث عن التطوير ولكن هذا لم يحدث بسبب غياب هذه الإرادة الحقيقية.