المتابع لتطور الأحداث في سوريا، كان يستطيع أن يلاحظ أن النظام السوري فقد قدرته على الوقوف على رجليه، فمنذ سنتين رفع «حزب الله» شعار «الدفاع عن المقاومة»، تبريراً لانخراطه في الحرب التي بدأها النظام ضد الشعب السوري في مارس/ آذار 2011. وكان العنوان العريض لبداية هذا الانخراط متجسداً في «معركة القصير» في مايو /أيار 2013. وكان التدخل الإيراني موجوداً وواضحاً وملموساً منذ البداية، لكنه ازداد وضوحاً عندما أضاف لتدخله أذرعه الميليشياوية في لبنان والعراق. من جهة أخرى، كان الدعم الروسي العسكري موجوداً منذ البداية، لكنه كان محدوداً ومجرد داعم للجهد الإيراني الذي كانت له الصدارة. ولعل الدعم السياسي الروسي في مجلس الأمن كان الدور الأبرز حتى تفتقت الذهنية الروسية عن حيلة «تدمير السلاح الكيماوي» السوري، بعد تهديدات واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية للنظام في دمشق. ومع أن تلك الحيلة هي التي نزعت فتيل ما تمثل في مطلب «نزع الشرعية» عن النظام، إلا أن الجهد العسكري الرئيسي ظل من إيران وميليشياتها. في الأسابيع الأخيرة، قام القائد العسكري المفوض بالإشراف على الوضع الميداني السوري، قاسم سليماني، بزيارتين لموسكو لبحث ما آل إليه الوضع العسكري. وقد كشفت التطورات اللاحقة أن هدف الزيارتين لم يكن مجرد التنسيق، بل كان «ترميم» الوضع بعد أن ظهر أن إيران لم تعد قادرة على حماية النظام، وأنها أصبحت في حاجة ماسة إلى دعم روسيا العسكري الأوسع والمباشر. إثر ذلك ظهرت «المبادرة الروسية»، ثم جاء التعزيز العسكري الروسي بالجنود والأسلحة والطائرات في الساحل السوري. بمعنى آخر، جاء تعزيز الوجود العسكري الروسي نتيجة لفشل الجهود الإيرانية. وإذا أخذنا في الاعتبار هذا التعزيز العسكري إلى جانب الحضور السياسي الروسي في القضية السورية، يمكننا القول إن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة والقرار في ما يمكن أن يتبع من تطورات، خصوصاً بعد أن ظهر أن الولاياتالمتحدة ليس لديها مانع في أن تتولى روسيا «المهمة»، وبعد أن تحولت المسألة إلى «محاربة الإرهاب»! وقد تجلى ذلك في «التحول» الذي دخل على الموقفين الأمريكي والأوروبي في شأن قبول بشار الأسد شريكاً في «الحل السياسي» الذي يتحدثون عنه ! تعزيز الوجود العسكري الروسي، وتحول «مركز القيادة» من واشنطن إلى موسكو، كانا وراء زيارة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو الأخيرة لموسكو واجتماعه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذه الزيارة لم تكن مجرد «لسعة» لواشنطن، كما رأى بعض المحللين «الإسرائيليين»، بل هي كما رأى محللون عسكريون «إسرائيليون» آخرون «لمنع الصدام بين الطائرات الروسية والطائرات «الإسرائيلية» في السماء السورية»، أي لتحديد «قواعد الاشتباك» لكل منهما! فضلاً عن تخوف البعض من أن يصبح نقل السلاح الروسي إلى «حزب الله» عملية أسهل. وأخيراً، لضمان عدم فتح «جبهة جديدة» ضد الكيان الصهيوني من الجولان! في هذا الإطار، طمأن بوتين ضيفه بأن سوريا ليست في ظروف تسمح لها بفتح «جبهة جديدة»، متناسين كلاهما أربعين سنة كانت الجولان فيها أهدأ الجبهات العربية، بل وأهدأ من تلك الجبهات التي عقدت معها «معاهدات سلام»! كذلك أكد بوتين لنتنياهو أن السلاح الروسي سيكون في أيدي وبإشراف الجنرالات والخبراء الروس. وقد قيل إن لجنة تشكلت للتنسيق وضمان «عدم صدام الطائرات» الروسية و«الإسرائيلية» في الأجواء السورية. ذلك يعني، من دون تحليل عسكري طويل، أن روسيا اعترفت «بحق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها» من خلال طائراتها كلما شعرت ب «خطر» من الجبهة السورية. بالرغم من ذلك، رأى أكثر من محلل عسكري «إسرائيلي»، أنه بالرغم من «التنسيق» الذي يمكن أن يتم بين الروس و«الإسرائيليين»، فإن «قيوداً» ستدخل على «حرية حركة» الطائرات «الإسرائيلية»! لكن هذه «القيود» لن تمنع هذه الطائرات من القيام ب«مهماتها» ! جدير بالذكر أن نتنياهو لا بد أنه أعاد على مسامع بوتين أن كيانه لا يفكر ولا يريد إسقاط النظام السوري، لكنه لا يأمن جانب الإيرانيين و«حزب الله». وضمانات بوتين كفيلة بطمأنته بالنسبة لهذا الموضوع. وإذا كان بعض «الإسرائيليين» رأى أن «المظلة الروسية» قد تعطي الثقة للنظام وأعوانه من الإيرانيين وأعوانهم، فإن الأمر، في نظر البعض منهم، يمكن أن يكون في اتجاه آخر تماماً. لقد أعلن بوتين مؤخرا أن تعزيز قواته في سوريا هو للإبقاء على النظام ومنع سقوطه، وهذه قضية لا يعترض عليها «الإسرائيليون». وإذا كان الحفاظ على النظام، تمهيدا لإشراكه في أي مفاوضات نحو «حل سياسي»، هو الغرض الروسي، فهناك إمكانية كبيرة، كما رأى محللون «إسرائيليون»، لأن تلعب روسيا دوراً يقرب بين إيران و«حزب الله» من جهة، وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى! يتبين من ذلك أن خطوط نتنياهو الحمراء لا تزيد على الخطوط الثلاثة التالية: 1) أن تظل للطائرات «الإسرائيلية» «حرية» الحركة والإغارة على التحركات «المشبوهة» في الجولان، حتى وإن «تقيدت» بعض الشيء باسم «التنسيق». 2) ألا يصل السلاح الروسي الجديد إلى أيدي «حزب الله». 3) ألا يستغل الإيرانيون و«حزب الله» المظلة الروسية ل«فتح جبهة جديدة» ضد الكيان. ومن دون تدقيق يتضح أن ضمان «الخط الأول» يجعل الخطين الثاني والثالث غير واردين، بينما «التنسيق» بين الروس و«الإسرائيليين» سيحسن العلاقة بين الطرفين! نقلا عن صحيفة الخليج